تكتسي محطة انتخابات 4 شتنبر 2015 أهمية خاصة في تاريخ الفكر السياسي العربي و المغربي، إذ تجري المقارنة على المستوى الأول مع كل الدول العربية التي تدحرج معظمها في منحدر اللاعودة بعد ربيع غباء عربي، قادته مطابخ إعلامية ، نجحت في إعداد طابق الفوضى الخلاقة، ووضعت الشرق الأوسط الجديد على مائدة بطعم الأحقاد ، الكراهية ، الدمار و رائحة الدم و الأشلاء. أما في المغرب، فيغري مفهوم الزمن السياسي باستحضار عهد الوزير إدريس البصري، عندما كانت نتائج الانتخابات تهندس في مكاتب الإدارة و تنسخ حرفيا في مكاتب التصويت، لتنتج رئيسا و مستشاريه بدون مهام، لان السلطة كانت تمتلك كل صلاحيات التسيير ، وصولا إلى مرحلة الملك محمد السادس الانتقالية، حيث تم التعامل بنوع من الرصانة و الحكمة مع البنية السياسية السابقة . و انتهى الأمر بإزاحة الوزير ادريس البصري، كمؤشر على تطلع المغرب إلى عهد جديد، فكان خطاب الملك في 9 مارس 2011 حلقة طبيعية ضمن مشروع حداثي، أكثر منه استجابة لمطالب ضغط الشارع ، من خلال حركة 20 فبراير التي طالبت بملكية برلمانية. فجاء دستور 2011 ليحول الوزير الأول إلى رئيس للوزراء بصلاحيات أوسع و أعمق، فحمل الملك محمد السادس بموجب ذلك مسؤولية الإشراف على انتخابات 4 شنتبر 2015 لعبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية، و بناءا على المبدأ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة فإن هذا الاخير سيكون موضع المحاسبة على جودة إنجاز هذا الورش الديموقراطي الكبير . و تحت عنوان "مسؤولية رئيس الحكومة عن الانتخابات" و تحول رؤسات الجهات و رؤساء المجالس الإقليمية إلى آمرين بالصرف في إطار جهوية متقدمة بصلاحيات واسعة، بروح تدعم اللامركزية و اللاتمركز، يكون تنزيل دستور 2011 قد فسح المجال أمام ملكية دستورية ثانية لمحمد السادس، حاكمها الدستور، و حكمها الملك. و من موقعه كحكم حكيم وجه الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الملك والشعب ، خطابا إلى الشعب المغربي أشار من خلاله إلى ما يخوله الدستور والقانون من اختصاصات واسعة لمجالس الجهات والجماعات المحلية .موضحا مسؤولية حسن اختيار المرشح المناسب، الذي تتوفر فيه شروط الكفاءة والمصداقية، والحرص على خدمة الصالح العام، وأن انتخاب رئيس الجهة وأعضاء مجلسها بالاقتراع المباشر، يعطيهم سلطة القرار في اختيار من يمثلهم. لكن، عندما يوضح الملك الفرق الشاسع بين اختصاصات المنتخب الجماعي ،و البرلماني و الوزير، و تقفز الأحزب السياسية ، على خبرة المنتخب المحلي و سلطته التقديرية في تدبير التحالفات لمصلحة الجماعة الترابية التي ينتمي إليها، و تحوله إلى رقم في معادلة الأغلبية و المعارضة الحكومية، فإن ذلك يشير على ضعف و قصور يعتري هذه المؤسسات و يحول دون فهمها الجيد للتوجيه الملكي الرشيد. و رغم ذلك يجب الإقرار في خلاصة هذا الورش بنجاح محطة 4 شتنبر 2015 في إفراز نخب محلية و إقليمية و جهوية آمرة بالصرف، لأن العملية الانتخابية التي تميزت بحياد السلطة، أجريت تحت إشراف رئيس الوزراء ، و الشاهد إيفاد هذا الأخير لجنة مشتركة بين وزارتي العدل و الداخلية، للبحث في شكايات تقدم بها وكلاء لوائح ضد منافسين لهم ؛ بعد ادعائات بوجود خروقات شابت عملية الترشيحات كما حدث بمدينة تازة على سبيل المثال.