رمضان بنسعدون لم تدع الأزمة الاقتصادية التي أضحى الجميع في قبضتها ، مكانا إلا و أرخت بظلالها عليه و أصبحت تحتمل الكثير من التفسيرات و بالرغم من أن بعض الدول حاولت إخفاء مشاكلها و أوضاعها الاقتصادية المزرية إلا أن هبوب رياح هذه الأخيرة تحرك بين الفينة و الأخرى النار من تحت الرماد فيزداد الأمر تعقيدا .. و في حال دخل العالم *مجاعة كتلك التي شهدتها البشرية خلال الحرب العالمية الثانية ، أواسط القرن المنصرم ، فإن ذلك سيشكل خطرا بات يهدد الاستقرار السياسي و الاقتصادي للدول أكثر من ذي قبل ما أدى إلى ثورات الفقراء العرب التي عصفت بأنظمتها الاستبدادية .. و يبدو أن العالمين العربي و الإسلامي تأثرا جراء الحروب التي شنتها أمريكا على أفغانستان و العراق أدت إلى ارتفاع أسقف سعر الذهب الأسود الذي حطم خلال النصف عقد الأخير أرقاما قياسية حيث بلغ 120 دولار للبرميل الواحد في حين أن الحالة المعيشية و الاجتماعية للفقراء في عدة أقطار عربية و إفريقية و أسيوية وصلت إلى أدنى مستوياتها .. و قد تجلى ذلك من خلال الثورات العربية التي أججها الفقراء و العاطلون عن العمل جراء غلاء الدقيق ، الزيت و السكر.. لم يستطع معه المواطن العربي ذو الدخل المتوسط فبالأحرى الذي ينخره الفقر المدقع في هذا البلد أو ذاك مواجهة الزيادة الصاروخية المستمرة في أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق .. و قد أرجع محللون اقتصاديون استفحال ارتفاع الغلاء المعيشي الذي وصفوه ب"تسونامي صامت " إلى فواتير البترول التي باتت تستهلك جانبا عاما من دخل المواطن العربي و من خزائن الدول العربية غير المنتجة للبترول بهدف دعم صناديق الموازنة ، مما زاد في تعميق المعضلة الاجتماعية و بث الارتباك و التوتر داخل الأوساط الشعبية .. و في خضم غلاء الأسعار الذي لم يدع مكانا إلا و أرخى بظلاله عليه تهاوت العديد من العملات الصعبة و على رأسها الدولار الأمريكي الذي عرف انخفاضا في قيمته أمام الأورو لأن الساسة الأمريكيين لم ينصحوا الرؤساء المتعاقبين على البيت الأبيض العواقب الوخيمة جراء الحروب التي عادت على الاقتصاد الأمريكي بخسائر فادحة وصلت إلى ما يفوق 3 تريليون دولار في حربي أفغانستان و العراق بحسب ما ذكره اقتصاديون .. و قد أكد هؤلاء بأنه إذا أصيب الاقتصاد الأمريكي بالزكام فإن العالم تنتابه موجات العطس برمته لأن أمريكا تتحكم في عصب الاقتصاد العالمي .. لكم بالرغم من استغلال أمريكا من أموال النفط العربي على حساب التنمية في العالم العربي بطبيعة الحال ، و لا يعني هذا أن بعض الدول السائرة في طريق النمو بمشاكلها الداخلية محاولة التستر عليها و إخفائها كسوء التدبير ، الفساد الإداري و المالي و التملص من أداء الضرائب و غيرها.. دون أن يفكر مسؤولو هذه الدول في الاحتياط و الحذر من أزمات كهذه قبل الغرق في المستنقع .. في حين أن الترقيعات كالتقشف الذي سمعنا أن بعض رؤساء الحكومات العربية سيعتمدونه ضنا منهم أنه المنقذ من الضلال ، لا يمكنها معالجة الأوضاع الكارثية المتوالية كالقروض الصغرى التي تعتبر مسكنا للفقر ما يلبث أن يعود مرة أخرى ، و هو ليس حلا ناجعا ، بقدر ما يؤرق الكثير من المعوزين و يسبب لهم الصداع و تلك الاقتراضات تعد استهتارا بمصيرهم .. و أمام الأوضاع الاقتصادية المأزومة خاصة في العديد من الدول العربية و الإسلامية التي تستشري بين أوساطها الفقر و الهشاشة بنسب جد مرتفعة كالمغرب الذي أصبح فقراءه يهيمون على الأرض بحثا عن سد الرمق من القمامات و مطارح النفايات ، نبه العلماء في بلاد الإسلام إلى أن إخراج زكاة النفط و البترول و الثروات المعدنية كالفوسفاط و الدخل من منتوجات البحار لا تبفي فقيرا على أرض العرب و المسلمين و يرى خبراء في الاقتصاد أن الزراعة بأرض السودان تكفي العالم العربي شر الفقر .. فهل يتفاءل الفقراء و المساكين العرب خيرا بأن لهم إخوانا إغنياء يرفلون في نعيم النفط و البترودولار بإمكانهم الإحساس بمعانات جوعى المناطق العربية الأخرى الأكثر فقرا في سياق التكافل الاجتماعي الذي يحث عليه ديننا الحنيف ..؟ و يبدو أنه من الضروري إجراء إصلاحات جريئة لوقف ارتفاع الأسعار بحكمة و تعقل حتى لا تستفحل الأزمة الاقتصادية في مختلف بلداننا العربية و الإسلامية و ذلك بإحداث ثورة زراعية للتعامل مع الأزمة الغذائية كجدار لوقف ما أسماه إقتصاديون ب"تسونامي صامت"..؟