ما قد يعجز عن فهمه القارئ وهو يقرأ ما جاء في عنوان هذا المقال، هو كيف لهذا السؤال أن يوجه إلى النقابة وهي التي تعرضت للإقصاء، ولِمَ لا يوجه نفس السؤال مباشرة إلى الذين قاموا بإقصائها .. أجل، هذا هو الذي يتبادر في أول وهلة، لمن تقع عيناه على العنوان أعلاه، غير أننا في الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، تعمدنا هذه البداية، لأن الذين تعاقبوا على تدبير الشأن العام المغربي منذ مطلع العام 1999، وبالضبط بداية من يوم 29 يناير، تاريخ إطلاق أول زغرودة تم بها الإعلان عن ميلاد النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، وحتى يوم الناس هذا، أصبح وجودهم لايعتبر، وهم أقل من أن يخاطبوا، وأدنى من أن يوجه لهم أي سؤال كيف ما كان نوعه، وذلك لعدم قدرتهم على الجواب .. لهذا لما يوجه السؤال للنقابة، وتجيب هذه الأخيرة بأن لا ذنب لها فيما حدث ولازال يحدث خلال أيامنا هذه، سوى أنها استطاعت منذ تأسيسها خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي أن تثبت جذورها في قلوب فئات عريضة من سكان هذا الوطن، وذلك بفضل سياسة صحافة القرب التي اتخذتها كشعار لها .. إذ ذاك، يكون في جوابها هذا إهانة للذين هم مسؤولون عن كل ما عانته هذه النقابة .. وهذا هو المقصود الأسمى من العنوان، المراد منه في نفس الوقت توجيه الإهانة لأولائك الذين أوكلت لهم مهمات تدبير الشأن العام للبلاد، على اختلاف مسؤولياتهم ومستوياتهم، الذين آثروا بتعنتهم دفع النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، إلى المواجهة مع صور شتى من الإجراءات التعسفية .. الذين لم يتفضلوا في يوم من الأيام بالنزول من أبراجهم العاجية ليدبروا حلولا مناسبة لقضية هذه النقابة، التي تحدوها الرغبة في خدمة المشهد الصحافي والإعلامي ببلادنا، والدفاع عن المصالح العليا للوطن حسب المستطاع، والتي أبهرت الجميع بجرأتها في اتخاذ المواقف الصعبة، أو لينصتوا لصوت أعضاء الأمانة العامة، الذين تعبت حناجرهم من النداء والمطالبة بحقوقهم، تحت لواء نقابة تمتلك الشرعية القانونية، ورغم هذا الإقصاء والتهميش، ورغم الأزمات التي اخترقت صفوف النقابة، ظلت الأخيرة حاضرة بقوة وممانعة، وظل أعضاء أمانتها الذين أعطوا قيمة مضافة ونفسا جديدا للحقل الإعلامي بكل مكوناته، وعلى امتداد أربعة عشرة سنة، ظلوا متشبثين بمبادئهم .. مدافعين عن حقوقهم .. ولم ينحنوا أبدا أمام الأمواج العاتية، التي لطالما وقفت في طريقهم، بغية تدمير البناء الشامخ، ويجدر بنا هنا، سرد بعض أنواع الإقصاء الذي نحن بصدد التحدث عنه، فمنذ تاريخ التأسيس، لم تحظ أنشطة النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي تروم إلى التعريف بأوراش الإصلاح الكبرى، التي يعرفها بلدنا، تحت القيادة النيرة لملك البلاد، دام له النصر والتمكين، باستثناء تغطية القناة الأولى لأشغال المؤتمر التأسيسي، وبعض تغطيات الإذاعة الوطنية الباهتة، رغم المراسلات المتعددة المرفوعة من لدن النقابة إلى القناتين (الأولى والثانية) من أجل تغطية الأنشطة المقامة بمختلف المناسبات الوطنية، مع ما يواكب ذلك من إغلاق أبواب وسائل الإعلام العمومي في وجه أعضاء الأمانة العامة للنقابة وحرمانهم من حق معلوم، رغم أن المرحلة الراهنة لم تعد تقبل بمثل تصريف هذه السلوكيات التي تتناقض وشعارات العهد الجديد، وتطلعات الجميع في إقرار المجتمع الديمقراطي الحداثي، الذي يمارس فيه الإعلام الرسمي واجباته بكل ما يتطلبه من وطنية ونزاهة وجرأة ومساواة. وكل هذا ناتج عن عدة اعتبارات، نقف عند بعض منها على سبيل المثال -والأمثلة كثيرة في هذا المجال- أن أعضاء الأمانة العامة للنقابة، اختاروا الاستقلالية، ونظموا جهازهم المستقل عن أي توجهات، وغير خاضع لأي حزب أو تنظيم، وذلك ليضمنوا له مساحة واسعة من الحرية وتبني الأفكار الخاصة، كما أنهم أخذوا على عاتقهم حمل هموم خدام مهنة المتاعب والاطلاع على قضاياهم المهنية، والذود عن حقوقهم، وقيادة نضالهم لمستقبل أفضل، والدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية، الذي هو في نفس الوقت دفاع عن حرية الصحافة والإعلام، وإيصال صوتهم إلى الدوائر المعنية، دون أن يفوتهم محاربة وجود الصحافيين ذوي الأقلام المأجورة، والدخلاء الذين يسيؤون بكتاباتهم المسمومة إلى الحقل الصحافي .. هذه الأسباب وغيرها جزء من الواقع المر، الذي تتخبط فيه باستمرار النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي لم يعط أعضاء أمانتها العامة الفرصة للذين يتلذذون بتهميش الفاعلين النشيطين .. هؤلاء الأعضاء، الذين يؤمنون أشد الإيمان بأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، الذين بعد أن سدت كل الأبواب في وجوههم، وضاقوا ذرعا من التصرفات التي لاتمت بأي بصلة للمسؤولية، وبعد أن وصل عامل التهميش والإقصاء الممنهج ضدهم وضد نقابتهم أوجه، وظهر بوضوح في تعامل كل المسؤولين بدون استثناء، وبأسلوب غير حضاري وبعيد كل البعد عن الديمقراطية، بحيث بلغ الأمر بكل من دقت النقابة أبوابهم حد عدم الاستجابة، وعدم إيلاء العناية الواجبة للتوجيهات الملكية السامية، لكافة الوزارات والمصالح الحكومية، القاضية بضرورة " توسيع مجال اللقاءات، وتعميق التواصل مع جميع المواطنين المغاربة "، وبعد كل هذا وذاك، لجأ أعضاء الأمانة العامة في وقت سابق إلى خيار وضع قضيتهم التي عمرت لسنين طويلة، بين يدي جلالة الملك محمد السادس الكريمتين، طالبين تحكيم ملكي، راجين من جلالته اتخاذ ما هو تحقيق للمشروعية، وللعدالة وللقانون في شأنها، لأنهم لا يطالبون الدولة بامتلاك النجوم، ولا بأي امتياز، و إنما يطالبونها فقط بحق مشروع يكفله دستور المملكة. وبعد تدخل السدة العالية بالله في الأمر، سارعت الوزارة الوصية على قطاع الاتصال بدعوة النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، عبر الهاتف إلى ضرورة إمدادها ببعض الوثائق، وقد كانت النقابة كعادتها في الموعد، ولبت دعوة الوزارة، ومدتها بكل ما طلبت، رغم أن رفوف مكاتب الأخيرة تعج بالوثائق الخاصة بالنقابة التي تعرف بها كجهاز فاعل نزيه .. ذو حضور نقابي قوي .. وبعد ذلك الحماس المفاجأ، عادت الأمور إلى سابق عهدها، وكأن شيئا لم يكن، بحيث لم تظهر في الأفق أي بواد انفراج للأزمة، مما دفع الأمانة العامة للنقابة إلى إرسال استفسار بتاريخ 14 أبريل 2011 إلى السيد وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، الذي رد برسالة يطلب فيها اقتراحات النقابة حول مشروع قانون الصحافة، وقد بادرت من جديد النقابة بالرد على رسالة الوزارة الوصية برسالة مضمونة الوصول تحت عدد 43/ن.م.ص.م المؤرخة ب.24 مايو 2011، تحمل النقاط الثمانية الاقتراحية، التي تمثل الرغبة الأكيدة في إصلاح الحقل الصحافي والإعلامي بالبلاد .. ولكن، وبدون أدنى شك أن هذه الاقتراحات الثمانية هي التي كانت السبب الرئيسي، الذي أدخل النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة إلى عنق الزجاجة، بل وحجبها عن الأنظار، عقابا لها على جرأتها -المبالغ فيها- في نظر القائمين على تدبير شأن قطاع الصحافة والإعلام. هذه بعض من الوقائع التي عانت منها النقابة قبل 25 نونبر من سنة 2011، لكن شاءت الأقدار أن يتجدد مشهد الإقصاء والتعنت وبشدة - نسطر على كلمة بشدة - مرة أخرى مع وجود الحكومة الجديدة، التي أفرزتها صناديق الاستحقاقات ما بعد دستور 2011، بحيث لما ضاقت النقابة ذرعا مرة أخرى من سياسة الإقصاء على إثر اجتماع السيد رئيس الحكومة مع بعض الفاعلين في المجال الصحفي، وخصوصا منهم المقربين، بادرت إلى طلب حقها في اللقاء مع السيد بن كيران بواسطة رسالة رقم 47/ن.م.ص.م ، ثم في غياب أي جواب، عاودت الكرة يوم 01 فبراير 2012، بواسطة رسالة عبارة عن تظلم لنفس المسؤول الحكومي، بالإضافة إلى الرسالتين المبعوثتين تباعا للسيد وزير الاتصال دائما في شأن المقابلة، ولما أعياها انتظار الرد، فقد حسمت الأمانة العامة للنقابة في الأمر وأعلنت في وقت سابق عن سحب طلب المقابلة مع السيد الوزير، وسَلْك سبيل مقاطعة جميع الأنشطة التي تنظم من لدن وزارة الاتصال، احتجاجا على تجاهلها لتواجد النقابة النشيطة في الساحة الصحافية، التي هي ملك لجميع المغاربة، كما مع السيد رئيس الحكومة، الذي لم يعر هو الآخر أي اهتمام لطلبات النقابة المتوالية، الرامية إلى الجلوس معه من أجل وضعه في الصورة الحقيقية لهذه النقابة، التي تمتلك الشرعية القانونية، مثلها في ذلك مثل باقي المنظمات النقابية التي تشتغل على أرض المغرب، (انظر الرابط التالي: http://www.almassaia.com/ar/news.php?action=view&id=5889) وللتذكير، حتى كتابة هذه السطور لم تستطع النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، الوصول إلى سبب هذا التجاهل، مع العلم أنها لا تطالب بالمعجزات، بل فقط تناضل من أجل الحق المشروع.
وهكذا يحق للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن تتساءل من جديد عن سر هذا الحصار المضروب عليها من لدن مختلف الجهات المسؤولة بالمغرب على العموم، والجهة الوصية على قطاع الصحافة والإعلام ببلادنا على الخصوص، إن على مستوى الدعم المادي الذي تقدمه الدولة للمنظمات النقابية، أو على حق استعمال وسائل الإعلام العمومي، قصد المشاركة في البرامج الحوارية وغيرها، أو على مستوى تغطية أنشطتها التثقيفية والتنويرية التي تنظمها اعتمادا على إمكانياتها الذاتية المحدودة، في غياب الدعم الذي تنعم به نظيراتها من النقابات، الشيء الذي يفسر أن هذا يعد تعاملا لا يمت للديمقراطية بصلة، ولا يخدم الصالح العام في شيء، ولا يحترم بالمرة الفصل السادس من الدستور الصريح في هذا الباب، الذي نص على ما يلي : " القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع أشخاص ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له "، ويفسر أيضا أن المالكين لزمام المبادرات العدائية، يخططون دائما من وراء ستار لوضع العصا في عجلة النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة لحاجة في نفوسهم. الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة