حموشي يستقبل المفتش العام للشرطة بالنيابة بوزارة الداخلية لباكستان    رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا يجدد التأكيد على دعم المجموعة الثابت لمغربية الصحراء    السفير يوسف العمراني يشارك في مراسيم تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب    السياحة الداخلية.. تسجيل 8.5 مليون ليلة مبيت بالفنادق المصنفة خلال سنة 2024    المنصوري تؤكد عزمها "رئاسة حكومة المونديال" بعد انتخابات 2026    تدابير استباقية بتاوريرت لمواجهة موجة البرد وتساقط الثلوج    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" بستايل رومانسي رفقة سكينة كلامور    بوعيدة يثير زوبعة بين نواب الأغلبية إثر حديثه عن شعوره ب"الملل من البرلمان"    موعد رحيل "مكتب هالا" عن الرجاء    الخزينة العامة تكشف عن تراجع عجز الميزانية إلى 64.4 مليار درهم    وزير الفلاحة: نعمل على إحصاء القطيع الوطني وإيجاد حلول للإنتاج    اتحاد نسائي: تعديلات المدونة مخيبة    جهة طنجة تشيد بالحصيلة وتقر اتفاقيات    ترامب يؤدي اليمين الدستورية ويعد بعصر ذهبي لأمريكا "يبدأ الآن"    الناظور تحتضن بطولة للملاكمة تجمع الرياضة والثقافة في احتفال بالسنة الأمازيغية    مأساة مؤلمة: رضيع اليوتيوبر "عبير" يلحق بوالدته بعد عشرة أيام فقط من وفاتها    الفريق أول المفتش العام للقوات المسلحة الملكية والسيد لوديي يستقبلان رئيس أركان القوات المسلحة بجمهورية إفريقيا الوسطى    عمر نجيب يكتب: غزة أثبتت للعالم أنها قادرة على تحمل الحرب الشاملة وعدم التزحزح عن الأرض..    الوزير بنسعيد يعلن عن تعميم خدمات جواز الشباب على الصعيد الوطني    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات تطلق حملات لقياس جودة الخدمة المقدمة لزبناء شبكات الإنترنت    بعد غزة.. هل تستمر الهدنة في لبنان؟ ترامب: على إسرائيل الانسحاب من جنوب لبنان قبل ال26 من يناير    إعادة انتخاب فلورينتينو بيريس رئيسا لريال مدريد    إضراب الأطباء بالمستشفى الحسني بالناظور لمدة 5 أيام    الأرصاد الجوية تحذر من رياح قوية    "بريد المغرب" يحظى بالثقة الرقمية    غياب الشفافية وتضخيم أرقام القطيع.. اختلالات جمعية مربي الأغنام والماعز تصل إلى البرلمان    الكشف عن عرض فيلم اللؤلؤة السوداء للمخرج أيوب قنير    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. 116 وفاة و25 ألف إصابة ودعوات لتحرك عاجل    تحذير من رياح عاصفية بدءا من الاثنين    تقرير: المغرب يلعب دورا مهماً في المجال الصناعي الصاعد في القارة الإفريقية    1000 يورو لمن يعثر عليها.. بدر هاري يستعيد محفظته    المغرب وفلسطين: الدعم اللامشروط لا ينتظر "لا جزاء، ولاشكورا"    أغنية «ولاء» للفنان عبد الله الراني ..صوت الصحراء ينطق بالإيقاع والكلمات    طنجة .. ثلاثيني يضع حدا لحياته بعد هجر زوجته له    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ترامب يستعد لتسلم مهامه ويصبح الرئيس الأمريكي الأكبر سنا لحظة دخوله البيت الأبيض    أمن البيضاء يفتح تحقيقا في ملابسات اعتداء على بائعة سمك    المنتج عبد الحق مبشور في ذمة الله    نهضة بركان تنهي دور المجموعات باكتساح شباك ستيلينبوش بخماسية نظيفة    عبوب زكرياء يقدم استقالته بعد خسارة الدفاع الحسني الجديدي أمام الوداد    ابتسام الجرايدي تتألق في الدوري السعودي للسيدات وتدخل التشكيلة المثالية للجولة 11    سعر "البتكوين" يسجل مستوى قياسيا جديدا بتخطيه 109 آلاف دولار    تنظيم أول دورة من مهرجان السينما والتاريخ بمراكش    أنت تسأل وغزة تجيب..    "تيك توك" تعود للعمل بأمريكا وبكين تدعو واشنطن لتوفير بيئة منفتحة للشركات    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    منها ذهبية واحدة.. جيدو المغرب يحرز 11 ميدالية    إسرائيل تفرج عن 90 معتقلا فلسطينيا ضمن المرحلة الأولى من صفقة التبادل مع حماس    إبداع النساء المغربيات في أطباق البسطيلة المغربية يبهر العالم    فريق كوري يبتكر شبكة عصبية لقراءة نوايا البشر من موجات الدماغ    إسدال الستار على فعاليات الدورة ال3 من المهرجان المغربي للموسيقى الأندلسية    الجزائر.. فيروس ينتشر ويملأ مستشفيات البلاد بالمرضى    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آبار الفحم القاتلة بمدينة جرادة !
نشر في الجسور يوم 29 - 12 - 2017

يقر الكثير من المغاربة اليوم بما لحقهم من إحباط وخيبة أمل كبرى، جراء تولي إسلاميي حزب "العدالة والتنمية" مسؤولية تدبير الشأن العام، مستغلين مطالب الحراك الذي قادته "حركة 20 فبراير" خلال عام 2011، إذ ثبت افتقادهم للمؤهلات الضروية في معالجة قضايا وهموم المواطنين، واتضح جليا أنهم لم يكونوا في مستوى كسب رهان التغيير وترجمة وعودهم إلى حقائق ملموسة، وأن شعاراتهم وبرامجهم الانتخابية لم تكن إلا حزمة أوهام في بحر الظلام. حيث أن مظاهر الفساد تفاقمت وازدادت أحوال الناس تأزما، بضرب قدرتهم الشرائية والإجهاز على مكتسباتهم، وارتفاع معدلات البطالة والأمية والهدر المدرسي واتساع رقعة الفوارق الاجتماعية والمجالية.
ذلك أنه تبعا للخيارات اللاشعبية والقرارات الارتجالية وغياب المنهجية التشاركية، وما ترتب عنها من اختلالات في كافة القطاعات، صرنا نعيش على وقع الاحتجاجات الغاضبة والمنددة بما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من تدهور رهيب، من إقليم الحسيمة إلى إقليم الصويرة إلى إقليمي بني ملال وزاكورة ووو… ثم إقليم جرادة. فلا تكاد تخبو احتجاجات منطقة وتفتح بشأنها تحقيقات لتحديد المسؤوليات حول ما يقع من أحداث متفاوتة، حتى تلتهب في أقاليم أخرى، يوحد بينها فشل النموذج التنموي المعتمد وتعثر المشاريع. لاسيما بعد أن بدأت أرواح الفقراء تتساقط تباعا كأوراق الخريف، بسبب الفقر والهشاشة والتهميش والإقصاء. فبعد "حراك الريف" الذي انطلقت شرارته الأولى يوم 28 أكتوبر 2016 بمصرع السماك محسن فكري "شهيد الحكرة"، الذي قضى مطحونا في قلب شاحنة لطحن النفايات بإقليم الحسيمة. تلته فاجعة جماعة سيدي بولعلام بإقليم الصويرة، على خلفية وفاة 15 امرأة يوم 19 نونبر 2017 عقب عملية تدافع أثناء توزيع معونات غذائية بئيسة.
وقبل حتى أن تجف دموع عائلات الشهيدات ال15 وينال المسؤولون المقصرون جزاءهم في إطار "الزلزال السياسي"، الذي أراده ملك البلاد أن يكون تفعيلا لمبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة" الدستوري، نستفيق مرة أخرى صباح يوم 22 دجنبر 2017 على فاجعة مدينة جرادة الجريحة والملتحفة بالسواد، ذهب ضحيتها شقيقان في أحد الآبار العشوائية للفحم الحجري. حيث خرجت الساكنة عن بكرة أبيها يوم 25 دجنبر 2017 في موكب مهيب لمرافقة "شهيدي الفحم" إلى متواهما الأخير، متحدية حصار قوات الأمن، مرددة شعارات قوية ضد المسؤولين والسلطات المحلية التي كانت تسعى إلى دفن الضحيتين في جنح الظلام، وكأنهما إرهابيان لا تجوز إقامة صلاة الجنازة عليهما. ولمكر الصدف أن تحدث هذه المآسي، في وقت يتحمل قياديون من الحزب الإسلامي الحاكم مسؤوليات وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، وزارة الشغل والإدماج المهني ووزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة.
وجدير بالذكر أن مدينة جرادة المتوالية جراحاتها وانكسارات أبنائها، كانت قد حظيت باهتمام ملكي في خطاب رسمي من مدينة وجدة بتاريخ 18 مارس 2003، أعلن الملك من خلاله عن مبادرة وطنية لتنمية الجهة الشرقية، دون أن يواكب ذلك أي مجهود مشهود في اتجاه النهوض بأوضاعها، حيث قال: "…فإنه يتعين وضع برنامج لتنمية وحماية النجود والواحات، في كل من عين بني مطهر وبوعرفة وفكيك، ومدينة جرادة، التي حرصنا على إدراجها واستفادتها، من برامج وكالة تنمية الأقاليم الشمالية، تجسيدا لعطفنا الملكي الفائق عليها". فأين نحن من هذه التوجيهات السامية؟ وماذا أعدت الحكومات المتعاقبة للحد من آثار الفقر والتهميش، من مخططات تنموية حقيقية وحلول بديلة بعد إقدام السلطات في عام 2001 على إغلاق مناجم الفحم، التي كانت تعد المصدر الوحيد لعيش الساكنة؟ ففي غياب البنيات التحتية والمرافق الصحية ومراكز الاستثمار وانعدام فرص الشغل، ظلت المدينة تندب حظها التعيس وتضاعفت معاناة أبنائها العاطلين من مختلف الأعمار وهم كثر، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى المجازفة بأرواحهم في سبيل تأمين لقمة العيش لذويهم، متحدين شبح الموت بالتنقيب العشوائي وسط "الحواسي" أو "السندريات" أو آبار استخراج الفحم، غير مبالين بمخاطر انهيار الصخور وارتفاع منسوب المياه، كما حدث للشهيدين الأخيرين، اللذين لا يتجاوز عمر أكبرهما سن الثلاثين.
فمدينة جرادة تعتبر عاصمة الفحم وموطن مرض السيليكوز بامتياز، لكونها مؤثتة بعديد الآبار الشبيهة بالقبور العميقة والمفتوحة في وجه أبناء المنطقة، حفرت لتعويض المناجم المغلقة بوسائل بدائية وبشكل عشوائي دون وقاية ولا رقابة السلطات المحلية. حيث صارت تتوفر على حوالي 3000 بئر يصل عمق بعضها إلى 80 مترا حسب البعض، ورغم خطورتها يرتمي الفقراء داخلها بحثا عن الرزق. وحتى من لم يمت اختناقا وسط المياه الغامرة وتحت الأنقاض، فإنه سيموت لا محالة بداء السيليكوز اللعين بعد بضع سنوات، دون أن تكون له القدرة على علاج رئتيه. بينما المسؤولون منفصلون عن الواقع المزري، ولا يقدمون أدنى أسباب الحماية لهؤلاء المستضعفين، الذين يمتص دماءهم كبار المحتكرين لرخص الاستغلال، من خلال الاستيلاء على الفحم بأبخس الأثمان…
فأن يتم الإقرار بلسان مستشار عن فريق الحزب الحاكم، أثناء الجلسة الشهرية المنعقدة بمجلس المستشارين حول "السياسات العمومية المرتبطة بمعالجة التفاوتات المجالية" يوم 26 دجنبر 2017، بأن الاحتجاجات المتزايدة بمختلف الأقاليم، انتفاضة حقيقية ضد الاختلالات الصارخة في توزيع الثروة، وتعبير صادق عن غياب الخدمات الاجتماعية التي من شأنها حفظ كرامة المواطن. ليس له من معنى عدا إخفاق سياسة الحكومة، التي بات لزاما عليها إنجاح ورش الجهوية الموسعة، باعتبارها رافعة أساسية للتنمية ومدخلا حقيقيا للحد من البطالة والفقر والتفاوتات المجالية والفوارق الاجتماعية…
اسماعيل الحلوتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.