البابا بنديكتوس السادس عشر الذي حيته جموع في آخر يوم من حبريته قبل استقالته غدا الخميس, سيذكره العالم كحبر اعظم عالم في اللاهوت ومتحفظ ودقيق يحرص على توضيح رسالة الايمان الكاثوليكي وحازم ازاء انقسامات وفضائح غير مسبوقة. والبابا الالماني الذي اتخذ القرار التاريخي بالاستقالة, هو اول حبر اعظم يقرر بملء حريته الاستقالة خلال سبعة قرون. وقد اعلن في 11 فبراير ان قواه الجسدية لم تعد تساعده على القيام بمهماته في مواجهة تحديات يواجهها عالم مضطرب. وهذا المفكر المتحدر من بافاريا تربع على كرسي القديس بطرس فيما كان معروفا بانه محافظ متشدد.لكنه عرف على مر السنين كيف يخفف من هذا الصيت. وقد اضطر لادارة اشد ازمة واجهتها الكنيسة المعاصرة مع كشف مسلسل الفضائح المتعلقة بالتحرش الجنسي باطفال من قبل اعضاء في السلك الكهنوتي زادها تفاقما "قانون الصمت" الذي التزمت به الهرمية الكنسية. واعتبر البابا "ان اكبر اضطهاد" للكنيسة يأتي منها بالذات من خلال خطاياها وطلب "الصفح" من الضحايا في يونيو 2010 ودعا الى عدم التسامح في هذا الخصوص. وفي العام 2012 واجه داخل حاضرة الفاتيكان فضيحة تسريب وثائق سرية ادت الى توقيف كبير خدمه باولو غابرييلي, في دلالة على استياء وانقسامات في الادارة البابوية. وتميزت حبرية جوزف راتسنغر الذي خلف البابا يوحنا بولس الثاني في 19 ابريل 2005 فيما كان في الثامنة والسبعين من العمر, بالدفاع عن القيم المسيحية لاوروبا وانشأ هيئة ل"التبشير الجديد بالانجيل" في المجتمعات التي ابتعدت عن الدين المسيحي. وحلل بنديكتوس السادس عشر عذابات مجتمع "مائع" فقد معالمه واعتبر انه ما زال من الممكن ان تجذب المسيحية التي تعود الى ما هو اساسي الاجيال اليافعة. ويعتقد انه يمكن ان تعود اوروبا القديمة الى الانجيل من خلال ورع وشجاعة كنائس الجنوب الجديدة وسعى في مئات من خطبه الى توضيح "جمال" الرسالة المسيحية التي لا يتوجب ان تتكيف مع الافكار الرائجة. وهذا ما دفع منتقديه الى القول انه يعيش في صومعة. وهو معروف بطبعه المنزوي الخجول حتى في سلوكه, وسفرياته اقل من سلفه البابا يوحنا بولس الثاني وكذلك اطلالاته الاعلامية. دافع عن مفاهيم العائلة التقليدية ولم يحد عن الخط الثابت للكنيسة المعارضة للاجهاض والموت الرحيم. لكنه ترك اثرا عميقا في نوفمبر 2010 عندما اقر في كتاب مقابلات بعنوان "نور العالم" باستخدام الواقي "في بعض الحالات" لتجنب مخاطر العدوى. وهذا الانفتاح غطى على عبارة اخذت عليه عندما قال في العام 2009 ان توزيع الواقيات الذكورية يزيد من خطورة مشكلة الايدز. الا انه لم يسمح باي تعديل بشأن عزوبية الكهنة و رسامة نساء, كما انه لم يجر اي اصلاح للادارة البابوية ما خيب الكثير من الامال. وهو متمسك بعناد بوحدة الكنيسة ونصير طقوس متقنة وقام بخطوات عديدة تجاه المتشددين التقليديين بدون نتيجة. واوضح موقفه من تطبيق المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-65) الذي يرفضه الاخيرون. وشدد على وجوب اعتماد مقررات المجمع كلها, وان تكون النصوص التي تبناها الاباء المشاركون فيه المعايير الوحيدة للاصلاحات. وهي طريقة بالنسبة للبابا الحريص جدا على العقيدة لوضع حد لاولئك الذين يعتقدون ان المجمع كان بمثابة ثورة تقطع مع التقليد.وفي ظل حبريته تم تصحيح مالية الفاتيكان وكذلك تشديد المعايير لتعيين اساقفة. ولد البابا بنديكتوس السادس عشر في 16 ابريل 1927 في بافاريا لاب دركي وعائلة كاثوليكية تقليدية مناهضة للنازية, ودخل الى المدرسة الاكليركية في 1939.وسجل لاحقا في الشبيبة الهتلرية الأمر الذي كان الزاميا.وندد البابا ب"لاانسانية" النظام النازي. وفي العام 1951 رسم كاهنا. وعلم اللاهوت في فرايسينغ وبون ومونستر وراتيسبون.ويعتبر من علماء اللاهوت المؤيدين للانفتاح. لكن في 1968 صدم بانعكاسات مايو 1968 بما في ذلك على الكنيسة, واتخذ منحى محافظا اكثر تشددا. واثناء مجمع الكرادلة في 1978 تعرف بشكل اكبر على كارول فويتيلا اي البابا يوحنا بولس الثاني. وفي 1981 عينه الاخير رئيسا لمجمع العقيدة والايمان في الفاتيكان. وشارك في عملية البابا الراحل يوحنا بولس الثاني لضبط اللاهوتيين من دعاة التحرر في اميركا اللاتينية واولئك الذين يبحثون عن صيغة تمزج بين الافكار الحديثة والعقيدة القديمة. وشهدت حبريته جدالات عدة. اولها في 2006 عندما اثار موجة استنكار في العالم الاسلامي بعد تنديده بالعنف باسم الدين, في تلميح غير مباشر الى الاسلام. والجدل الثاني اندلع في اواخر يناير 2009 بعد قراره رفع الحرم الكنسي عن اربعة اساقفة اصوليين متشددين بينهم ريتشارد وليامسون الذي انكر المحرقة اليهودية. واقر البابا بعد ذلك بانه ارتكب خطأ. وقد عبر بنديكتوس السادس عشر عن اعجابه بشعب التوراة ومشى على خطى ومبادرات يوحنا بولس الثاني تجاهه. وهو يحب الموسيقى الكلاسيكية ويعزف على البيانو. وله مؤلفات عديدة, منها ثلاث رسالات بابوية ونحو اربعين كتابا بينها "يسوع الناصرة".