بقلم/ سارة السهيل البحث عن السعادة وعن لحظة فرح يجتمع عليها الأهل والأحبة والاصدقاء، يمثل سعي دائم للإنسان في كل مكان كي يجدد حيويته وطاقته الروحية في مواجهة تحديات الحياة اليومية، ولكن تعبيرنا عن هذا الفرح في عالمنا العربي بصفة خاصة يأخذ مظاهر ليست سلبية فحسب، بل خطيرة قد تودي بحياتنا وتقلب أفراحنا الي مآتم وتحيل سعادتنا الي حزن دفين. ونحن نبحث عن السعادة ودفء الاسرة ولمة الاصدقاء تباغتنا الأقدار بدعوة لحضور دعوة لاحد الافراح، نسعد ونرتدي الملابس المبهجة منتشين بسماع الزغاريد، واغاني الاعراس ورقص الشابات والشباب علي ايقاعات مبهجة، وفجأة نسمع دوي طلقات الأعيرة النارية وهي تطلق في الهواء الطلق، فنشعر بازعاج يفسد لحظة الانتشاء بالموسيقي، ويصاحبه شعور بالقبض والخوف من وقوع حادث ما، وفجأة نسمع صراخا اما بمصاب بالطلق ينازع الموت روحه، او مصابا ينزف ويحتاج الي سرعة نقله للمستشفى لإغاثته وتطبيبه، فورا تتوقف الموسيقي وتهوي الزغاريد ويعلو صوت الصراخ والعويل، وبدلا من ان ننشر صور فرحنا بالصفحات الاجتماعية بالصحف والمجلات، يتم نشرها في صفحات الحوادث والجريمة! فسلوكنا في العالم العربي عند التعبير عن الفرح ينحرف كثيرا عن العقل والتعقل الى الاندفاع والمبالغة والافراط الذي يتجاوز حدود العقل الى الجنون والنتيجة خسارة الارواح وذهاب الافراح وطغيان الاتراح، كما ان استخدام هذه الطلقات النارية يمثل عنفا واعتداءا على حريات الآخرين وانتهاكا صارخا لأوقات راحتهم ويفتقر إلى أدنى درجات الشعور بأحاسيس الآخر واحترام خصوصيته. وكم سجلت الصحف العربية العشرات من المآسي التي نتجت عن هذا الانحراف السلوكي عبر استخدام الأسلحة النارية واطلاق أعيرتها في صفوف المدعوين لإظهار البهجة، دون اعمال العقل ولو لحظة على مخاطرها على حياة الانسان وروحه الغالية، وفي مناسبات اجتماعية عديدة منها ليلة الزفاف والصباحية وعند نجاح الولد في التوجيهي (الثانوية العامة) وربما عند عودة الحاج من الاراضي المقدسة ، وقد تمتد الى حفلات أعياد الميلاد الشخصية، وكذلك في ليلة رأس السنة الميلادية. مشكلة إطلاق العيارات النارية بالمناسبات الاجتماعية مشكلة ولها جذور اجتماعية وثقافية في مجتمعنا، ورغم التحذيرات التي تطلقها الحكومات وما تتخذه من اجراءات لردعها، الا ان ظاهرة إطلاق العيارات النارية بالمناسبات الاجتماعية تظل مشكلة مستمرة رغم التنويه بمخاطرها على عمر وصحة الانسان وأمنه وسلامته. ولما كانت الأعيرة النارية من احدى أدوات الحرب، فكيف ننقل اجواء الحرب من ازعاج وضوضاء وقتل وخراب ودمار واهدار دماء بريئة الى الأفراح خاصة في الزواج؟! وللأسف فان، ظاهرة إطلاق الرصاص في الأعراس كانت منتشرة في البوادي والأرياف البعيدة عن المدن فقط، ولكنها انتشرت في المدن بأشد مما هي عليه في الأرياف، وأصبح أصحابها يتفاخرون بالسلاح وأنواعه، وكثرةِ ما يطلقون من الرصاص وأي أسلحة تستخدم، حتى رأينا من يستخدم الأسلحة المتوسطة كالمعدات بعد عقد القران أو في منتصف الليل في زفة العرسان. حكايات ومآسي ففي عام 2015 تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي حادثا مأسويا لطفل في السادسة لقي حتفه من جراء طلق ناري طائش في احد الأعراس وأصيب 25 أخرين، وكأن لا يمكن الاعتراف بالفرح في الأردن الا من خلال الطلق الناري الذي يودي بحياة الأبرياء. ويبرر بعض المواطنين المتمسكين بعادة إطلاق النيران لجوئهم لذلك الي انها جزء من تقاليد أجدادهم، كما أن من لا يطلق الرصاص في الهواء تعبيرا عن فرحه يغتابه الناس بالبخل! غير ان هذا الحادث المؤلم للطفل آثار غضب جلالة الملك عبد الله الثاني، وقال الملك في لقطات مصورة إنه لن يكون هناك تسامح مع إطلاق النار أثناء الاحتفالات، كما أصدر الأمن العام في الأردن قرارا بمنع اطلاق العيارات النارية في جميع المناسبات وقال مدير الامن العام " ان العريس سيقضي شهر العسل في السجن في حال اطلاق العيارات النارية في فرحه"، مع رفع شعار حملة لا تقتلني بفرحتك. وفصل الصيف في تونس يعد موسما للأعراس والأفراح، ويقوم بعض الفرسان بإطلاق الأعيرة النارية في الأعراس بواسطة بندقية الصيد التقليدية التي تسمى «المقرون» أو «المكحلة» فهذه يتم ملؤها بنوع من البارود اسمه «الكسكسي» وتطلق عالياً في الفضاء تحت زغاريد النسوة. ولما كانت بنادق الفرسان مرخصة من الجهات الحكومية باعتبارها بنادق صيد يطلقها الفارس وهو على جواده وهو يجري في سباق فني، وفجأة قد تنفجر البندقية في يد مستعملها، وتبتر يده ، بينما يصيب فارسا أخر عين أحد الاطفال ويجعله أعور لأنه صوّب تحت على الترا ب. وتشهد الجزائر، العديد من حكايات الموت، وانقلاب الفرح لحزن ومأتم، فهذي طفلة بالغة من العمر 11 عاماً تتلقى رصاصة طائشة قاتلة على مستوى الرأس خلال حضورها حفل زفاف جماعي، فيما أصيبت والدتها ومدعوان اثنان بجروح، بمسدس تعود ملكيته لأحد أفراد الشرطة قام شقيقه باستخدامه في العرس. بينما لقيت سيدة في ال35 من عمرها وأم لثلاثة أطفال، حتفها برصاصة طائشة هي الأخرى بمدينة قايس عندما كانت تراقب موكب عرس من شرفة منزلها. وتفيد التحقيقات الأمنية بالجزائر، أن الأعراس التي تشهد أكبر حالات إطلاق للرصاص العشوائي يكون إما العريس ينتمي لأحد أجهزة الأمن، حيث يعبر أصدقاؤه من المدعوين عن ابتهاجهم بإطلاق الرصاص من مسدساتهم الآلية، أو يكون أحد أقربائه، إضافة إلى العرسان من الوسط المعروف بالنفوذ والمال والسلطة، وكذا أصحاب المسؤوليات والمناصب والوظائف المميزة. ليلة زفاف في السجن وفي مصر خاصة في مناطق الصعيد يعتبر إطلاق النار الغزير في مناسبات الأفراح عادة قديمة وما زالت دليل الوجاهة والعزوة، وتكشف سجلات الشرطة المصرية في محافظات الصعيد العديد من المآسي لهذه العادة، حيث لا يفرق الرصاص العشوائي بين طفل وامرأة ورجل. وترتبط هذه الظاهرة في مصر بطابع يحاول البعض من خلالها ابراز التفاخر بالنفوذ والمال، وان امتلاكهم للسلاح بمثابة استعراض للقوة. ولكن هذه القوة والنفوذ لم تحمي عريسا يقضي ليلة عرسه في سجن قسم الشرطة بمصر، بعد ان احتفى بزفافه واطلق بكل جنون الطلقات النارية في الهواء مصيبا أربعة مدعوين بجروح من بينهم طفل، وبدلا من ان يزف العريس على عروسه، تم اقتياده لقسم الشرطة وقضى ليلته هناك! وتستقبل المستشفيات العراقية عشرات الاطفال المصابين بحروق شديدة و اصابات بالغه من جراء استخدام الأعيرة النارية و الرصاص من المسدسات و الكلاشنكوفات في الافراح والمناسبات الاجتماعية و الأتراح و العزوات و ايضا عند استقبال الضيوف من امراء القبائل و الشيوخ و والوجهاء فهل ينقصنا ضحايا و حروب واصوات بنادق الا تكفي الحروب و المجازر في حق اهلنا التي تخطف كل يوم أرواح الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ و الشباب الذي يضحي بدمه من أجل وطنه فهل نكمل الآلام و الفقد بالأفراح ايضا الا يستحق الناس قلبلا من السلام قليلا من الفرح و راحة البال فتجد الرصاص في كل المناسبات و الطلقات الطائشه تودي بحياة المواطنين الأبرياء في المآتم و الاعياد و الأعراس تماما كما تخطف أرواحهم بالحروب و القتال ويعاني أهلنا في لبنان من اطلاق العيارات النارية في الهواء من مختلف أنواع الاسلحة في الأفراح والأتراح وغيرها من المناسبات، متجاهلين أهمية أمن الناس وما يشعرون به من قلق وذعر في نفوس المواطنين خاصة الاطفال والعجزة والمرضى . وهذه العادة السلبية تنتشر في لبنان مخلفة ورائها العديد من الحوادث والضحايا، فالشباب يستخدمون مواكب سيارة ونوافذها ليطلقون النار ب"رشاش" طوال مرافقتهم لموكب العريس او في حال مرور جنازة ما. وفي اليمن كانت عادة اطلاق الأعيرة النارية في الأعراس مقتصرة على بعض الأرياف لكنها مع الوقت امتدت للمدينة، وضحاياها في ازدياد، فقد يعثر البعض على زوجته او أحد أفراد عائلته وقد لقي حتفه من جراء رصاصة طائشة خرجت من طلقات أحد الاعراس ودخلت منزله، ودون معرفة من أطلقها، وبذلك تصبح الطلقات النارية مصدرا لحصد ارواح الناس ومبعث للحزن لا للفرح. ولا تكاد تخلو دولة عربية من ظاهرة اطلاق الأعيرة النارية في الافراح والمناسبات بدواعي اجتماعية مغلوطة أو الفخر المكذوب والتباهي بهدف التعالي على الاخرين واظهار العظمة وهو أمر من ا لمنظور الشرعي منهي عنه، كما ان الشرع نفسه يحرم أذية الناس والجيران بأي شكل من أشكال الضرر، وناهيك عن أية ضرر هنا، انه حياة الانسان التي تنقضي بطلقة طائشة قد تيتم طفلا، وترمل زوجة وتقضي على أمان عجوز، وفرحة عروس. وفي تقديري ان عادة اطلاق الرصاص في المناسبات والأفراح عادة جاهلية لأنها لا تراعي حرمة الانسان وحياته، ولا تلتزم بحقوق الانسان في الأمان والسلامة الاجتماعية، ولذلك أرى فيها جاهلية وابتعاد كلي عن التحضر والانسانية، وأي عمل يحول أفراحنا الى مآتم، لهو عمل همجي وغير اخلاقي وغير ديني وقد نهانا رسولنا الكريم محمد صل الله عليه وسلم عن ترويع الآمنين كما في حديثه الشريف : "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" طبعا و غير مسلم و كما دعى يسوع المسبح الى السلام و المحبة و عدم أذية الناس حتى امتد سلامه لاعداءه فكم أطفال فزعوا من الصوت المدوي لطلقات الرصاص، وكم من كبار السن الذين قد يستيقظون مذعورين من صوت الرصاص،؟ وكم من مريض اشتد عليه الألم عندما فزعه صوت الرصاص؟ ولذلك فقد نهى النبي – صل الله عليه وسلم – عن الإشارة بالسلاح إلى غيره خشية أن تزل يده بنَزْغٍ من الشيطان الرجيم، كما في حديثه الشريف : "لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّار" مكافحة مجتمعية وفي تصوري، ان ظاهرة العيارات النارية تعد مشكلة اجتماعية لها ظلالها الأمنية الخطيرة، ولذلك فان مكافحتها أمنيا بحملات على الاسلحة المرخصة وغير المرخصة، بقدر ما هو ضرورة، وكذلك تغليظ العقوبات الرادعة وأهميتها، لكن يبقي دور المجتمع نفسه في المواجهة والمكافحة باعتباره الممارس لهذه العادات الاجتماعية السخيفة وهو ايضا الذي يعاني من مخاطرها. فهذه الأعيرة النارية تعد مظهرا اجتماعيا وثقافيا للتباهي والتفاخر، وهو ما يعني ان المؤسسات الثقافية والاعلامية والدينية والمجتمع المدني مطالبة بوضع خطط عملية لنشر الوعي بمخاطر هذا التباهي الاجتماعي وتغيير هذه المفاهيم المغلوطة الثقافية والاجتماعية للتفاخر بين الناس، مع ابراز مخاطرها الصحية والأمنية على الفرد والمجتمع معا. غيران هذه الحملات لابد وان تنطلق في وقت واحد من جانب هذه المؤسسات وان تستمر لفترة من الزمن حتى تنجح في تحقيق رجع الصدى المرجو منها وهو تنفير الناس من استخدامها حتي تتلاشي وتختفي من المجتمع تدريجيا وتصبح في حكم العدم.