ذهب أغلب الباحثين و رجال السياسة إلى وجود مشاركة فعالة للعديد من المفكرين الأجانب. وهنا يمكن طرح مجموعة من الاسئلة بخصوص هذه المشاركة والتي يمكن رصدها كالتالي: ما هي الأسباب الاساسية المفسرة لهذه المشاركة في صياغة النص الدستوري؟ ما هي نتائج هذه المساهمة على النص الدستوري؟ ما هي الشخصيات الأجنبية المشاركة في هذه الصياغة، و القيمة المضافة للبعض منهم؟ هل لذلك علاقة باستمرار المصالح الفرنسية في المغرب مع سعي فرنسا الى الحفاظ عنها خاصة في ما يتعلق بالنظام الاقتصادي والتوجه الاقتصادي الليبرالي للسلطة التأسيسية؟ هل لذلك علاقة بإعجاب الملك الحسن الثاني بدستور الجمهورية الفرنسية الخامسة وشخصية الجنرال دوغول مهندس هذا الدستور؟ وهل لذلك فعلا علاقة بعدد من العناصر الاساسية للنظام السياسي الفرنسي (النظام الرئاسي): عقلنة البرلمان، سلطات رئيس السلطة التنفيذية... من الصعب التمييز بين مساهمة الفقهاء الأجانب في وضع الدستور المغربي لسنة 1962 أو غيره، ومساهمتهم في بلورة النظام السياسي المغربي كما تم تحديده بواسطة الدستور. ولعل أوضح مثال على ذلك الاستشارة التي طلبها الراحل الحسن الثاني من ذ. موريس دوفرجي حول طبيعة نمط الاقتراع الذي يجب إعماله بالنسبة لنظام حزبي مغربي لا يعرف الحزب الوحيد، ولا التعددية الحزبية كما هو الحال بالنسبة للديمقراطية، بل يعرف الحزب المهيمن (حزب الاستقلال) على حد تعبير دوفرجي. إضافة إلى دوفرجي، نجد هناك ميشيل روسي ثم جورج فيديل؛ هؤلاء هم من يمكن أن نسميهم الشخصيات الفرنسية ذات التأثير البارز على بلورة النظام السياسي المغربي أو«الموظفون الدستوريون» عند الراحل الحسن الثاني. ويرجع جل المحللين سبب «توظيف هؤلاء» إلى العنصرالمرتبط بالأسباب الذاتية.. حيث تم اعتبار السلطة التأسيسية اختصاصا ملكيا صرفا فسح المجال لعدد من الاعتبارات يمكن رصدها هي الأخرى كالتالي: * إعجاب الحسن الثاني بدستور الجمهورية الفرنسية الخامسة وشخصية الجنرال دوغول مهندس هذا الدستور. * متابعة الحسن الثاني لدراسة بكلية الحقوق ببوردو و تأثره بعدد من فقهاء القانون الدستوري ونظرياتهم الدستورية، دون أن ينفي ذلك بروز عناصر خاصة بالنظام السياسي المغربي تجد جذورها في القانون العام الإسلامي، والتقاليد المغربية الضاربة في القدم، مما دفع بالباحثين إلى اعتبار وثيقة الدستور المغربي تتكون من طبقتين، طبقة محفوظة للمجال التقليدي والطبقة الثانية متأثرة بالمرجعية الغربية وتمتح مباشرة من دستور الجمهورية الخامسة بفرنسا . موريس دوفيرجي: منظر «فشل الملك» و «غدا الجمهورية» ولد في 15 يونيو بانغوليم، قاض، خبير في العلوم السياسية وأستاذ للقانون متخصص في القانون الدستوري، منذ سنته الخامسة عشر، عرف موريس دوفيرجي كأحد الوجوه البارزة في صفوف مجموعات اليمين المتطرف ببوردو. سنة 1937 انتخب مسؤولا للاتحاد الشعبي للشباب الفرنسي ببوردو. وباعتباره عضوا في الحزب خلال الاحتلال، قبل موريس فيرجي بالتدريس في معهد الدراسات الطائفية والاجتماعية الذي تأسس في عهد الماريشال بيتان لغرض تكوين اطر الثورة الوطنية. سنة 1942، عين موريس دو فيرجي أستاذا بكلية الحقوق ببواتيي، فأستاذا بكلية الحقوق ببوردو سنة 1943 ، وأخيرا بجامعة باريس سنة 1955 و 1985 . ويعتبر من المؤسسين لقسم العلوم السياسية بجامعة السوربون سنة 1969. كان يعاب على موريس دو فيرجي باعتباره عضوا في الحزب الشعبي الفرنسي (أقصى اليمين) وباعتبار قربه من نظام فيشي، كان يؤاخذ عليه مقالة مثيرة للجدل حول التقنيات التشريعية المتعلقة بوضعية اليهود. وبعد تقربه من المقاومة، تحول، بعد الاستقلال والى الثمانينيات من القرن الماضي، الى كاتب افتتاحيات مسموع الكلمة بجريدة لوموند الفرنسية، والتي كان من مستشاريها السياسيين. كما نشر مقالات كثيرة بال باييس ، بريد دي لا سيرا ولونوفيل اوبسرفاتور. كما شغل منصب نائب مستقل بالبرلمان الاوربي عن لائحة الحزب الشيوعي الايطالي. موريس دوفيرجي هو مؤسس جمعية العلوم السياسية والمجلة الفرنسية للعلوم السياسية، وباعتباره من المساهمين في اعطاء العلوم السياسية استقلاليتها بكل ما في الكلمة من معنى خلال سنوات السبعينات، عين موريس دوفيرجي مديرا لمعهد الدراسات السياسية لبوردو. ألف موريس دوفيرجي عددا كبيرا من الكتب حول القانون الدستوري والعلوم السياسية ، وفي أحد كتبه الكلاسيكية«الاحزاب السياسية» برهن كيف يفضي نظام الاقتراع النسبي على النمط الايطالي مثلا الى تكاثر الاحزاب وتعددها، في مقابل تقاطب الحزبين الذي ينتجه نظام الاقتراع بالأغلبية من دور واحد الذي تعتمده بريطانيا والولايات المتحدةالامريكية. في إحدى مقالاته حول موضوع فصل السلط، يرى موريس دوفيرجي أن عملية فصل السلط تميز شكلين أساسيين بالديمقراطيات الغربية، تبعا للعلاقة بين البرلمان من جهة، وبين الحكومة من جهة اخرى. وهما النظام البرلماني والنظام الرئاسي. غير أن هذه التسميات ترتكز بشكل خاص على العلاقات القانونية بين البرلمان والحكومة في تجاهل تام للحقائق السياسية وخصوصا دور الأحزاب. بهذا الشكل تكون الأغلبية البرلمانية هي نفسها أغلبية الحكومة التي تتحول الى مجرد أداة للسياسة البرلمانية، في هذه الحالة يكون الحديث عن فصل السلط بين البرلمان والحكومة مجرد حديث بلا معنى. وحسب موريس دوفيرجي الفصل الحقيقي للسلط يكون بين الأغلبية وبين الأقلية سواء نتجوا عن تحالفات أو العكس، بهذه الشكل، ومن داخل كل مؤسسة، يقوم الحزب أو تحالف أحزاب الأغلبية بتمرير القرارات، فيما تحاول الأقلية وقفها. أبدع موريس دو فيرجي مفهوم النظام الشبه الرئاسي الذي يجمع بين أنظمة حكم مختلفة تمتح مجموعة من المواصفات من النظام البرلماني ومن الأنظمة الرئاسية، كما هو الحال بالنسبة لأنظمة فيمار بألمانيا من 1919 الى 1933، وبفنلندا، فرنسا الجمهورية الخامسة إسلندا، إيرلندا، البرتغال وأغلب الدول الأوروبية التي خرجت من الشيوعية خلال تسعينيات القرن الماضي. هذا لمفهوم الذي يجمع بين دول تمارس سياسيات متناقضة أحيانا تعرض لانتقادات من طرف متخصصين في القانون الدستوري كجون جيكيل، جون لويس كيرمون وكذلك أوليفيي ديهام. عين موريس دوفيرجي عضوا بالأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، وبأكاديمية العلوم الفنلندية، له مجموعة من الإصدارات المتميزة «فشل الملك» سنة 1951 ، «المؤسسات السياسية والقانون الدستوري» سنة 1970 ،«غدا الجمهورية» سنة 1958،«دساتير ووثائق سياسية» و«مدخل الى السياسة» سنة 1964 . جورج فيديل، عميد القانون العام ولد جورج فيديل يوم 05 يوليوز سنة 1910 بايش وتوفي يوم 21 فبراير سنة 2002. كان استاذا للقانون العام. والده عسكري من مازاميت، درس بالثانوية الفرنسية لمايونس، وبثانوية تولوز، بجامعة الحقوق والآداب بتولوز، حصل على شهادة التبريز في القانون العام سنة 1936. حسب كاركاسون وديهامل، فقد اعاد جورج فيديل تأسيس للقانون العام ، عين استاذا بكلية بواتيي سنة 1937، بكلية تولوز سنة 1939، ثم بباريس خلال الفترة الممتدة من 1949 الى 1979 كما درس في معهد الدراسات السياسية في باريس والمدرسة المنجمية . كان العميد ماقبل الأخير لكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بباريس خلال القترة الممتدة من 1962 الى 1967 . ألف كتابا حول القانون الدستوري سنة 1949 وآخر حول القانون الاداري، حيث طبعا مسار أجيال من القضاة ورجال القانون. عرف اساسا بنظريته حول الاسس الدستورية للقانون الاداري او ما يصطلح عليه بوحدة القانون العام الفرنسي. ميشيل روسي: مؤسس القانون الإداري المغربي بعد مسار دراسي بثانوية شامبري ، سلك الشاب ميشل روسي مسارا دراسيا بجامعة غرونوبل. حاز على إثره دبلوم معهد الدراسات السياسية ، شهادة تبريز ودكتوراه في القانون . عين ميشيل روسي كاستاذ مكلف بالدروس بكلية الحقوق لغرونوبل، قبل ان يلتحق بكلية الحقوق بالرباط. تقلد ميشيل روسي منصب مدير المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط خلال الفترة الممتدة من 1966 الى 1972 ، قبل أان يعين استاذا وعميدا بجامعة غرونوبل للحقوق. إحساسه الكبير بالواجب وكفاءاته التي لا تناقش ، يسرت لميشيل روسي المتعطش للمعرفة، سبل التعيين كأستاذ بكلية الحقوق لغرونوبل ثم رئيسا شرفيا لجامعة العلوم الاجتماعية بغرونوبل كذلك. كما برهن روسي عن كفاءاته الدبلوماسية خلال فترة انتدابه كعضو بالبعثة الفرنسية بمنظمة اليونيسكو خلال الفترة الممتدة من 1985 إلى 1990 . زيادة على شغله لمنصب قاض بصفته عضوا بديلا بالمحكمة العليا لموناكو . ألف روسي مجموعة من الكتب في مجال القانون حول المغرب، « الإدارة المغربية « سنة 1970، « تكريم للحسن الثاني : رؤية على تحديث الدولة» سنة 2001 ، « الديمقراطية المحلية بالمغرب « سنة 2004 . يعتبر ميشيل روسي من رجال القانون البارزين الذين وضعوا أسس نظرية واضحة في العلوم الإدارية عموما، وفي صلة بالقانون الإداري المغربي على وجه الخصوص.