تسارعت ردود الفعل العنيفة، في القاهرة، خلال 48 ساعة الماضية، بسبب تداعيات إقصاء المنتخب المصري لكرة القدم من التأهل إلى نهائيات كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا، والتي بلغت حد استدعاء السفير المصري من الجزائر للتشاور، وإطلاق حملات إعلامية . ولعل الأمر المثير، هو الاستثمار السياسي الداخلي للحدث، بشكل يشتم المستقبل ولا يقيم للعمق الإستراتيجي للعلاقات بين الشعوب العربية أي اعتبار، مما يبرز سهولة العطب في العلاقات البينية العربية - العربية. مثلما أن المثير، هو بروز أسلوب تجييش إعلامي ، بشكل اعتقدنا أنه ولى منذ زمان من سماء العرب، حيث الكلام الانفعالي مطلوق على عواهنه، الذي يتسبب في أعطاب وجروح في الأنفس لا حاجة إليها، بل هي مجانية تماما ولا تخدم المصالح العربية. ولا يملك المرء إلا أن يتساءل: ماذا لو كانت مصر والجزائر لهما حدود برية مشتركة؟! ألن تتطور الأمور إلى مستوى خطير؟!. الحقيقة، إن الأمر يستدعي قراءة هادئة لما يحدث من تطورات. وبعض من هذه القراءة، يستوجب مقاربة سوسيو-نفسية، وقراءة سياسية واجبة، للإعلام دور حاسم فيها. فالنتائج التي وصلت إليها الأمور اليوم، كانت لها مقدمات في الإعلام أسابيع قبل المباراة. وهو أسلوب بدأ يفرض نفسه في الساحة الإعلامية خلال السنوات العشر الأخيرة، تتحول معه أي مباراة رياضية إلى فرصة للتجييش والإرتكان إلى لغة عنيفة، هي في خصومة كاملة مع روح الرياضة، مثلما أن ذات الإعلام يروج لخطاب تعال خطير ومقلق وعجيب. ولقد سجلت مواقف مؤسفة على مستويات عليا. سياسيا، تذهب أغلب التعليقات الغربية، إلى أن ما يحدث يترجم «بؤسا سياسيا»، من خلال سعي النخب الحاكمة لتلهية الناس عن مشاكلهم الحقيقية، ومن خلال فبركة سيناريوهات لا تقوم دليلا ماديا على «جريمة ما» مفترضة، مثلما أنها لحظة لكسب شرعية سياسية، بعيدا عن بناء دولة المؤسسات والتربية على المواطنة، التي تسمح بتنسيب الرؤى وتقوية الحس النقدي البناء، بدلا من أسلوب التجييش الذي لا يقود سوى صوب النتائج السلبية. ذلك ما ذهبت إليه صحف باريس ولندن كمثال، وكلها أجمعت على أنه على قدر ما عزز الفرح الجماعي لحمة المجتمع، خاصة الأجيال الجديدة، وبث فيها روحا جديدة للانتماء للوطن، على قدر ما كان فرصة لتعزيز صورة النخبة الحاكمة، من خلال خرجات إعلامية منظمة. إن المؤسف هو هذا المسعى لتذويت هزيمة كروية، عادية على كل حال وعابرة. وسيكون من المثير للانتباه تأمل ما قالته الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي،: «اليوم نحن نضخم الأشياء الصغيرة بعد أن صغر ما كان كبيرًا في حياتنا». مضيفة، في السياق نفسه: «زمن القوميّة ولّى والمؤامرة أكبر من أن نعيها لأنّنا داخلها.. ولأنّنا وقودها وبإمكان إسرائيل أن تتفرّج الآن علينا.. وقد غدونا العدو البديل لبعضنا البعض (...) وأيًّا كان الرابح، عليه أن يتقاسم فوزه مع إسرائيل التي حققنا لها في أيام أمنيات تتجاوز أحلامها الأبدية منذ نصف قرن. فما جدوى أن نكسب كأسًا (لن نذهب بها بعيدًا في جميع الحالات) إن كنّا سنخسر بعضنا البعض كعرب لزمن طويل»..؟