الفوسفاط، كثروة وطنية يتميز بها المغرب، كان ولازال يشكل ملفا من الملفات الوطنية العامة التي تستأثر باهتمام المتتبعين والمهتمين والباحثين وعموم أفراد الشعب بالنظر لطبيعة هذه المادة، ولدورها الاقتصادي والاجتماعي، ولحضورها في المخيلة الاجتماعية بشكل قوي جراء عوامل مختلفة. ومن الإشكاليات التي يطرحها هذا الاهتمام القوي شروط وطنية مثل الفوسفاط، مثل ما هو عليه الحال بباقي الثروات في مختلف تجلياتها، سؤال كيفية استغلالها؟ هل تدبير استخراج وصناعة الفوسفاط يرقى الى مستوى يجعل مداخيله في تطور مستمر، وذات أهمية على مستوى المساهمة والرفع من الانتاج الوطني الخام؟ أم أن نوعية «الحكامة» المنتهجة في تدبير ملف الفوسفاط، «تقزم» من الدور، الذي يفترض أن يضطلع به، إن ماليا أو اقتصاديا أو طاقيا وطنيا ودوليا؟ العديد من المؤشرات تفيد بأن ملف الفوسفاط كان يدار سابقا بطرق أقل ما يقال عنها أنها ملتمسة ولا تخضع لحكامة قوامها الجودة والنجاعة والفعالية والشفافية في التدبير، وهو الأمر الذي جعل الأسئلة تتناسل في أوساط المتتبعين والفاعلين في شتى المجالات حول طبيعة التدبير بهذا المجال الحيوي، وقد أفضت مختلف هذه التوجسات بالعديد من الباحثين الى وصف إدارة الفوسفاط ب «دولة داخل الدولة»، بسبب عوامل مختلفة منها أساسا صد الأبواب عن المعرفة ولو الجزئية لدقائق الأشياء يحول ثروة الفوسفاط. ما الكمية التي تستخرج؟ وكيف ندير عملية استخراج وصناعة الفوسفاط؟ وهل نكتفي ببيع الفوسفاط كمادة خام وبثمن بخس دون العمل على استخراج الأورانيوم كمشتق فوسفاطي ذي أهمية طاقية استراتيجية كبرى؟ وكيف ندير الشراكات بين الدول المستوردة للفوسفاط وكذا سعر بيع هذه المادة؟ وما المداخيل الحقيقية للفوسفاط...؟. من العناصر التي تؤكد ضمن أخرى على أن إدارة ملف الفوسفاط كان الغموض ميزتها الأساسية في مختلف المناحي، سواء أتعلق الأمر بكيفية التعاطي مع مادة الفوسفاط، أو في عملية تدبيرها كملف له بعد اجتماعي واقتصادي واستراتيجي كبير، هو أنه سبق لنا خلال الفترة الممتدة من 1984 و1985 أن قمنا بمعية بعض الزملاء الطلبة ببحث حول دور القطار في حركية واقتصاد الدارالبيضاء، وهو البحث الذي فرض علينا منهجيا النبش في كل «تفاصيل» نقل المسافرين والبضائع، ذهابا وإيابا، من العاصمة الاقتصادية صوب مختلف النقاط بالمغرب التي يمر عبرها القطار، والعكس بالعكس. ومن بين البضائع التي ارتكز عليها اهتمامنا في هذا البحث، اعتبارا للحجم المهم الذي ينقل مها من مراكز الانتاج (مناجم خريبكةواليوسفية مثلا..) نحو ميناء الدارالبيضاء، أو مؤسسات ذات صلة بإعادة، إنتاج الفوسفاط وتصنيعه ليصبج أسمدة وبذورا مختارة. وقد حاولنا في هذا الإطار، الحصول على معطيات من إدارة الفوسفاط المحلية حينئذ بالميناء. غير أن أحد المسؤولين بها رفض الإدلاء لنا بأن شيء، بل إنه سألنا عن كيفية دخولنا الى حيث يوجد، وأكد لنا بعد أن حال دون دخولنا باحة الإدارة، بأن لا أحد سيفصح لنا عن أي معلومة بكمية الفوسفاط المنقول عبر القطار سنويا، ولا عن كلفة نقله. وفي محاولة منا لرفع تحدي الكشف عن بعض المعطيات والحقائق، استطعنا أن نخلص بعد قراءتنا لبعض محتويات أرشيف البضائع المنقولة عبر القطار ذهابا وإيابا الي الدارالبيضاء بأن الكميات المنقولة لا يصرح بها كلية، وهو الأمر الذي أكده لنا وقته أحد المسؤولين بالمكتب الوطني للسكك الحديدية، كما ان كلفة نقلها وما الى ذلك يضرب عليها حصارا تاما، وتخضع لنوع من السرية، والنتيجة هي أن هذا النوع من التدبير والتعاطي مع ثروة وطنية هي ملك للجميع، جعلتنا آنئذ نتساءل: إذا كان نقل الفوسفاط من والى البيضاء تحاط به سرية شبه تامة، فهل يشكل ذلك سببا كافيا لطرح كل الاسئلة الممكنة حول عملية تدبير ملف الفوسفاط برمته؟ هذه بعض من المعطيات والوقائع التي تكشف عن كيفية تدبير ملف الفوسفاط في فترات سابقة، وهي وقائع تبرز الى أي حد كان بعض القيمين على بعض الإدارات الفوسفاط يرفضون الحديث عن أبسط الأشياء تهم مادة وطنية وبالأحرى الحصول على معلومات «مقارنة» تهم كيفية استغلال الثروة. لكن وبالرغم من هذا وذاك فإن المعلومات التي تمكنا من الحصول عليه الآن من مسؤولين ومهندسين من اليوسفيةوخريبكة، تُجمع في مجملها على تغيير طرائق ومناهج التدبير بالمكتب الشريف للفوسفاط (الذي صار الآن يشتغل في إطار شركة مجهولة الاسم منفتحة على الاستثمار الأجنبي)، وهذا ما تؤكده الأرقام التي أصبحت في المتناول، فقد تطور رقم معاملات المؤسسة في عهد الإدارة المالية من مليار دولار الى 8 مليارات دولار، أي بارتفاع بلغت نسبته 700 % تقريبا، وانتقل بيع الطن الواحد من الفوسفاط من 44 دولارا قبل الإدارة الجديدة الى 400 دولار سنة 2008 أي بزيادة تقدر ب حوالي %800، لكن ألم يكن بالإمكان تطوير هذه العائدات الفوسفاطية الهامة، لو تم تحويل الفوسفاط الى أورانيوم وغيره من المشتقات ذات الاهمية المادية والاستراتيجية الكبيرة؟ مصادرنا من اليوسفية أوضحت لنا في هذا السياق أن مشروع تحويل الفوسفاط الى أورانيوم، سبق أن شرع العمل فيه في عهد كريم العمراني حين كان مديرا عاما للمكتب، بيد أنه سرعان ما تم توقيف العمل فيه بعد اكتشاف مناجم حام للأورانيوم ببعض الدول الافريقية مثل الكونغو وهو الاكتشاف الذي جعل تكلفة استغلاله رخيصة جدا قياسا مع عملية تحويل الفوسفاط الى أورانيوم بالمغرب التي تتطلب تكلفة باهضة تحد بشكل مطلق من نجاعته الاقتصادية وأشارت ذات المصادر الى أن التساؤل الأساسي الذي يطرح في هذا الصدد، ونحن نتحدث عن كيفية استغلال ثروة الفوسفاط ببلادنا، ونستحضر كل المعطيات المذكورة، لماذا أضاع المغرب 40 سنة في سوء تدبير ثروة وطنية ذات بعد اجتماعي واقتصادي واستراتيجي كبير، وهذا الأمر الذي أفقد بلادنا عشرات إن لم نقل مئات ملايير السنتيمات كان من الممكن أن توظفها في استثمارات تهم، إقامة بنيات تحتية مختلفة، وتجهيزات عمومية وغير ذلك؟؟