حينما يغرق الكثيرون في الهلع غير المبرر، خوفا من الإصابة بعدوى انفلونزا الخنازير لعدم وضوح الرؤية العلمية السليمة والصحيحة لدى المواطنين، فإن الخيال والوهم يسيطر على التفكير بما يؤدي إلى سوء التدبير إزاء التعامل المنطقي والمفيد مع خطر انتشار وباء إنفلونزا الخنازير في المغرب. لحد الآن، فإن مناطق الإصابة محدودة في المكان والعدد على رؤوس الأصابع وبالتالي فإننا لم نصل بعد إلى مرحلة الوباء والخط الأحمر. قبل شهر أو أكثر عقدت لقاءات جهوية وتم دق ناقوس الخطر بأن عدم احتواء الوباء يعني الكارثة، تم تقديم أرقام مخيفة عن عدد الإصابات المحتملة بالوباء في المغرب والتي قدرت بالملايين وتم التكهن بتجاوز عدد حالات الوفاة نتيجة المرض بالآلاف، إحصائيات وتقديرات رسمية لاغبار عليها أصدرتها مصالح طبية مختصة وليست من نسج الخيال. لكن ما الذي جعل هذه المصالح تتنبأ بمثل هكذا عدد من الإصابات والوفيات ببلادنا إلى حد يفوق الدول التي انطلق منها الوباء؟ هل لأن المصالح الطبية لن تتمكن من توفير اللقاح لجميع المواطنين؟ أمر ممكن ! أم لأن الظروف العامة في المغرب ستساعد على تفشي المرض بشكل واسع؟ تفسير وارد ولعله هو التبرير المنطقي لمثل هذا المستوى من حالة التأهب ببلادنا، ويمكننا عرض الأسباب التي تسير في اتجاه هذا الطرح. على مستوى التعليم أعطيت التعليمات في الأكاديميات والنيابات التعليمية بالتبليغ اليومي بإحصاء دقيق وبالأسماء لكل ظاهرة غياب فردي أو جماعي، سواء تعلق الأمر بالتلاميذ أو بهيئة التدريس مع الإحاطة بسبب الغياب، فإن كان السبب مرضا يجب معرفة طبيعته وتدوينه. وعلى المستوى الطبي تم إحصاء جميع العاملين في القطاع الطبي من ممرضين ودكاترة وأطباء وتم تسجيل بياناتهم في انتظار الالتجاء إليهم في حال تطورت الأمور إلى مستوى أكبر حيث ستكون عملية مواكبة المصابين في مكان إقامتهم. ترتيبات معقولة وسياسة طبية يتوخى من خلالها مواجهة الآتي من الأيام العصيبة التي يتنبأ بها البعض، لكن هناك نقط تحتاج إلى غير قليل من التوضيح. التدابير الاحتياطية التي ينصحون المواطنين باتباعها للوقاية من العدوى أو عند ظهور أعراض الوباء لايمكن اتباعها بالنسبة للعديد من المواطنين لأسباب معقولة تتعلق بالوضع المجالي الذي يعيشون فيه وأيضا وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية. يقولون لنا بأنه في حال إصابة شخص ما بأعراض الإنفلونزا دون وجود عوامل خطورة الإصابة بالمرض، ما عليه سوى البقاء في المنزل، ويجب عليه تغطية الأنف والفم عند العطس أو السعال بالمنديل ثم التخلص منه على الفور مع غسل اليدين جيدا في كل مرة مع عدم وجود شخص آخر سليم معه في نفس الغرفة وهذا لوقاية المحيطين به من العدوى، بمعنى أن العلاج سيكون في مقر السكنى نظرا لعدم تمكن المستشفيات من استيعاب عدد المصابين في حالة انتشار الوباء، وهذا أمر منطقي لايمكن مناقشته، لكن علينا مع ذلك إبداء مجموعة من الملاحظات المنطقية والمعقولة ونحن نعيش فترة خوف وهلع بعد أن تسرب الوباء إلى المغرب. ليس كل المغاربة يتوفرون على الظروف الملائمة للعلاج في أماكن إقامتهم، وليس كل المغاربة يتوفرون على شروط السلامة الصحية وترتبط منازلهم أو دواويرهم بشبكات الماء الصاح للشرب أو شبكات التطهير السائل وإن توفرت فإن الأغلبية الساحقة تعيش في منازل لاتتجاوز مساحتها الخمسين مترا مربعا ويبيت في الغرفة الواحدة أكثر من أربعة أفراد في حالات عديدة، بل هناك من العائلات من تعيش في غرفة واحدة فقط تستغل للطبخ والنوم والسمر الحميمي، فكيف سيتم التعامل مع وضع هؤلاء في حال تسربت أنفلونزا الخنازير إلى محيطهم؟ الأكيد أن الإحصائيات التي تتحدث عن وفيات محتملة بين المصابين تخص هذه الفئات وليس أولئك الذين في استطاعتهم توفير فضاءات تزيد مساحتها عن الألف متر لأبنائهم في حالة الإصابة. الآن يمكننا دق ناقوس الخطر والعمل على تفادي تسلل الوباء إلى الأحياء الشعبية والدور الصفيحية، الآن يمكننا فهم حقيقة الأرقام التي صرحوا لنا بها، فالآتي من الأيام في حالة التهاون قاتم...