يعد الطيب منشد من المناضلين الذين رافقوا العديد من قادة الاتحاد، واولهم الشهيد عمر بن جلون، الذي يكشف لنا الطيب عنه جوانب خفية، انسانية وسياسية ونقابية. كما أنه يعود بنا الى تفاصيل أخرى تمس الحياة النقابية في بلادنا وكل مخاضاتها، باعتباره شاهدا من الرعيل الأول، ومناضلا ومعاصرا للمخاضات التي عرفتها الساحة الاجتماعية. هناك اشياء كثيرة أخرى، ومواقف عديدة تكشفها ذاكرة الطيب لأول مرة.. خلاصة قراءتي الشخصية لمرحلة ماقبل المؤتمر الخامس وما تخلله، أن هناك من دخلوا المؤتمر بخطة تجاوز السي عبد الرحيم، وأن يكون هذا التجاوز عن طريق الديمقراطية، لكن هل كان هؤلاء يتحركون لمصلحة أحدهم أو جميعهم كانوا يخوضون معركة بالوكالة؟ وبفشل هذه الخطة داخل المؤتمر، فإن أمر تجاوز قيادة عبد الرحيم في تقديري لم يسحب وإنما تغير أسلوب تحقيقه ، فقد استبعد تحقيق ذلك عن طريق الديمقراطية فتم اللجوء الى أسلوب الاستيلاء على الاجهزة (مكاتب الفروع، كتابات اقليمية)، وابتدأت التجربة بالدارالبيضاء حيث تم الاستيلاء على الفروع بتنصيب أجهزة صورية لا أحد يعرف كيف وأين تم إنشاؤها، هذه الاجهزة التي لاتربطها بالتنظيمات الحزبية أية رابطة. وقد كان لذلك انعكاس على فعالية الحزب بهذه المدينة، فالاجهزة غير قادرة على تحريك التنظيمات والتنظيمات غير مصدقة ما ترى في تلك الاجهزة، والمقرات الحزبية فارغة من الاتحاديين والاتحاديات الذين أصبحت لاتجمعهم الا بعض المناسبات الحزبية العامة (الاحتفاء بذكريات شهدائنا أو وفاة بعض المناضلين) . تجربة الاستيلاء على الاجهزة، وبعدما لم تجد مقاومة في الدارالبيضاء، ظهرت محاولة تعميمها في بعض المناطق الحزبية الاخرى. ان نتائج المؤتمر الخامس كان لها انعكاس كبير على مسار الحزب، فلأول مرة بعد مؤتمر 1975، ظهر صراع واضح بين قيادات الحزب كانت له تأثيراته على التنظيمات الحزبية في الاقاليم والفروع والقطاعات، وأثار انتباه المتتبعين والملاحظين للشأن الاتحادي. هذا الخلاف جعل اللجنة المركزية تثير هذا الموضوع في كل اجتماعاتها، وتنبه الى خطورة استمراره، الشيء الذي جعل الكاتب الاول المرحوم السي عبد الرحيم يلتزم أمام اللجنة المركزية بإيجاد حل تنظيمي لهذا الاشكال. لكن الخلافات داخل المكتب السياسي لم تساعد في الوصول الى حل لهذه الازمة، حيث كانت هناك وجهتا نظر لحل الاشكالات المطروحة، فهناك من المكتب السياسي من كان يرى أن الحل يكمن في تدابير تنظيمية يعتقد أنها ضرورية، بينما كان يرى البعض الآخر أنه وإن كان لايتفق مع بعض التصرفات التي حدثت بالمؤتمر الخامس، وكادت تحوله الى جنازة للاتحاد، أصحاب هذا الرأي كانوا يرون المدخل لحل الازمة أن يستكمل الحزب تشكيل المؤسسات التي ينص عليها المؤتمر الوطني ، أي تشكيل (الكتابة الوطنية) ثم الشروع في المحاسبة التي يجب ان تكون شاملة لا المحاسبة الانتقائية، وبذلك لم يتمكن المكتب السياسي من تقديم اقتراحات للجنة المركزية لتستمر الازمة تلقي بظلالها على الحياة الحزبية حتى المؤتمر السادس. < قلت إن تفاعلات الازمة الناجمة عن المؤتمر الخامس، ظلت مهيمنة على الحياة الحزبية حتى المؤتمر السادس، هل لرجوع الفقيه البصري الى المغرب تأثير في هذه الازمة، وماذا عن علاقتك الشخصية به ؟ { في اعتقادي إن صورة المجاهد الفقيه محمد البصري بدأت تعود الى الحياة الحزبية قبل المؤتمر الخامس من خلال العلاقات مع بعض المسؤولين الحزبيين، الذين كانوا ينقلون عن الفقيه بعض تصريحاته للصحافة بالخارج، وبعض المواقف التي كان يتبناها حول الحياة السياسية في المغرب، وسيصبح أكثر حضورا عندما حدد موعد رجوعه الى المغرب، هذا الرجوع الذي أضاف عنصرا جديدا للخلافات داخل المكتب السياسي بين من كانوا يعتبرون أنه قائد من قادة الحزب، مكانه في قيادة الحزب وبالتالي على الحزب حسب أصحاب هذا الرأي ان يتجند لتنظيم استقبال يليق بمكانته بهذه الصفة، بينما ترى وجهة النظر الاخرى ان الفقيه سبق له وأن أسس تنظيما آخر، وأنه منذ المؤتمر الاستثنائي لا تربطه علاقات تنظيمية بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولذلك فإن أصحاب هذا الرأي كانوا يطالبون بدعوة اللجنة المركزية للاجتماع باعتبارها الجهاز التقريري لاتخاذ القرار الذي تراه. وبدخوله في هذه الظروف ظلت لقاءاته وتحركاته وتصريحاته جزءا من أزمة الاتحاد، حتى قال البعض انهم سيدخلونه الى المؤتمر السادس محمولا على الاكتاف. أما في ما يتعلق بعلاقتي الشخصية به، فخلال تواجده بالمغرب قبل 1965، عرفته من بعيد في اللقاءات العمومية أو في الاجتماعات الحزبية، بصفة عامة لم تكن لي به علاقة شخصية. في أواسط الثمانينات قال لي أحد الاخوة من مسؤولي الحزب إن الفقيه قال له هو الآخر إنه لايعرف منشد، وأنه يريد ان يراني، وطلب مني هذا الاخ ان أسافر للقائه، خصوصا وأن العديد من مسؤولي الحزب وأطره يلتقون به، قلت له : انا وإن لم تكن لي مشاكل شخصية معه ، فأنا لا أعرفه شخصيا، فكيف أسافر للقائه، لكن اذا تم ذلك عن طريق الصدفة في بعض اللقاءات التي أحضرها خارج المغرب، فلن أتردد في لقائه. وفعلا في سنة 1987، سافرت الى الجماهيرية الليبية لحضور مناسبة ما صحبة عضو من اللجنة المركزية للحزب، هناك أخبرني الاخ سعود الاطلسي الذي كان يحضر نفس اللقاء ويقيم في نفس الفندق الذي أقيم به، أنه التقى المجاهد البصري بالفندق المجاور، حيث سأله الفقيه: هل يوجد وفد يمثل الاتحاد الاشتراكي، فأخبره بوجودي، فبلغه أنه يريد لقائي، أخذت منه رقم الغرفة، وفي مساء نفس اليوم توجهنا الى الفندق فالتقينا بالفقيه لأول مرة ، وجدت معه في الغرفة الاخ سعود الاطلسي وأحد المحامين الليبيين.