يعد الطيب منشد من المناضلين الذين رافقوا العديد من قادة الاتحاد، واولهم الشهيد عمر بن جلون، الذي يكشف لنا الطيب عنه جوانب خفية، انسانية وسياسية ونقابية. كما أنه يعود بنا الى تفاصيل أخرى تمس الحياة النقابية في بلادنا وكل مخاضاتها، باعتباره شاهدا من الرعيل الأول، ومناضلا ومعاصرا للمخاضات التي عرفتها الساحة الاجتماعية. هناك اشياء كثيرة أخرى، ومواقف عديدة تكشفها ذاكرة الطيب لأول مرة.. { من المفيد اليوم أن نتكلم عن أجواء المؤتمر الاستثنائي، كيف عشت 1975 والحزب خارج في تلك الفترة من فترة الاعتقالات والمحاكمات (1973) ، وتهييء اللجنة المركزية التي اتخذت قرار تغيير الاسم واستراتيجية النضال الديمقراطي؟ ماهي الذكريات الاساسية في تلك الفترة؟ > في الحقيقة مرحلة 1975 هي مرحلة هامة في مسار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. قبل هذه السنة الاتحاد كان حزب شعارات مهمة، ولكن تبقى شعارات يختلف مضمونها من مسؤول حزبي لآخر أي انه حزب بدون مضمون ايديولوجي وسياسي واضح، كما ان التركيبة الاتحادية متناقضة اجتماعيا، فهو يضم فئات معدومة الدخل (نموذج المرحوم آبا مبارك هذا المناضل المتميز ) إلى جانب فئات جد ميسورة كما فيه أعضاء المقاومة وجيش التحرير والمثقفون وصغار التجار والفلاحين والحرفيين وباقي المهن الحرة كالاطباء والمهندسين والصيادلة... ومن الناحية المذهبية فهناك الماركسيون والفقهاء والبعثيون، والناصريون الذين كانوا يشكلون الاتجاه السائد داخل الحزب. فالاتحاد بهذه التركيبة وهذا الوضع منذ نشأته وهو يصارع في جبهات متعددة. وتعرض خلال مساره وقبل 1975 لعدة موجات من القمع في محاولة للحد من نفوذه وعزله في المشهد السياسي المغربي. إن القمع الذي كان مسلطا على الاتحاديين على فترات تكاد تكون متقاربة، والمضايقات الدائمة التي كانوا عرضة لها، جعلت التنظيم الاتحادي أفقا وعموديا لا يغطي المجال، لكن فعاليته كانت عالية كما أن المواجهة الدائمة مع الاجهزة الادارية ومع القيادة النقابية والخصوم السياسيين جعلت اللحمة بين الاتحاديين جد متينة ، وحولت التنظيمات الاتحادية إلى قوة حقيقية صلبة ومتينة. وإذا كان الصراع مع أجهزة الدولة صراعا واضحا، فإن الصراع مع الجهاز البورصوي لم يكن دائما كذلك، لأن هذا الاخير لم تكن له رسالة اجتماعية معينة ينافسه الاتحاد من أجلها، وإنما كان يعرقل مسيرة الاتحاد نيابة عن جهاز الدولة. من هنا اجمع الاتحاديون، قيادة وقواعد، على التخلص من هذا الطابور الخامس الذي يعرقل مسيرة الاتحاد من الداخل، فكانت قرارات 30 يوليوز الشهيرة والتي أبعدت القيادة النقابية ومن يرتبط بها عن التنظيم الاتحادي، وأن ما قام به الآخرون من إصدار بيانات تفيد أنهم الممثلون الحقيقيون للاتحاد الوطني للقوات الشعبية unep، ولو أن هذه المجموعة لم تكن فاعلة ولم يكن لها تأثير على أرض الواقع، فإنها بعملها ذلك حاولت تسهيل مهمة أجهزة الدولة التي بدأت تنظر لانقسام الاتحاد الوطني إلى جماعتين، جماعة الرباط وجماعة الدارالبيضاء. وخلال هذه الفترة كان الحديث يدور بين الاتحاديين ولو بطريقة الهمس حول تغيير الاسم. ان ما عرفه المغرب من أحداث بعد 30 يوليوز والقمع الشامل الذي تعرض له الاتحاديون والاتحاديات واستغلال تلك الاحداث لغرض حظر نشاط الحزب، وظهور مشكل الوحدة الترابية... هذه المعطيات مجتمعة ومنفردة فرضت على الاتحاد الدخول في مرحلة جديدة، هي مرحلة المؤتمر الاستثنائي بعد ظهور انفراج نسبي في العلاقة بين الحزب والنظام على إثر تطورات القضية الوطنية. بدأ الاتحاد في الاستعداد لعقد المؤتمر، هذا الحدث كان مسبوقا باجتماع للجنة المركزية التي اتخذت قرارا بتغيير الاسم وإعطاء الانطلاقة الرسمية للدخول في التحضير للمؤتمر الاستثنائي الذي نضج التفكير في عقده بين الاتحاديين داخل السجون وفي المعتقلات. إن تغيير اسم الحزب من الاتحاد الوطني، للاتحاد الاشتراكي لم يكن بالقرار السهل. ورغم أن حمولة الاتحاد الاشتراكي هي أقوى وأوضح من حمولة الاتحاد الوطني، فإن التحديات التي واجهت الاتحاد منذ تأسيسه، جعلت المناضلين والمناضلات يرتبطون عاطفيا، باسم الاتحاد الوطني، أكثر من ارتباطهم به ايديولوجيا وسياسيا، ذلك ان اسم الاتحاد الوطني ارتبط في أذهان المناضلات والمناضلين بمواجهة كل الخصوم الذين واجههم الحزب (أصبح الاسم رمزا)، لكن ضرورة رفع الخلط والقطع مع ازدواجية القيادة، سهل اتخاذ قرار تغيير الاسم. السي عبد الرحيم الله، وعلى سبيل المثال لم يكن متحمسا بخصوص صراعات مع الغير على المقرات، معتبرا أن من يتمكن من التدبير الجيد للعنصر البشري سوف يتوفر على أحسن المقرات، أي أن المقرات لا تصنع المناضلين لكن المناضلين هم من يصنعون المقرات ونفس الشيء بالنسبة للاسم. فكما كان اسم الاتحاد الوطني رمز للتحرير ومواجهة الاقطاع والرجعية وخدام الاستعمار الجديد، فإن الاتحاد الاشتراكي يقول عبد الرحيم، إذا ما تم تدبير التنظيم، التدبير الجيد سوف يصبح رمزا للتحرر والاشتراكية والديمقراطية. وبصفة عامة فإن الظرفية التي اجتمعت فيها اللجنة المركزية وشراسة القمع الذي مورس على الاتحاديات والاتحاديين، والثقة في قيادة عبد الرحيم ورفاقه سهلت حصول اجماع على تغيير الاسم. انطلق التحضير للمؤتمر في حماس منقطع النظير. لم تؤثر فيه بعض المنشورات القادمة من الخارج في شكل رسائل أو بيانات، وخلال هذه الفترة كان توجيه القيادة في الداخل بزعامة السي عبد الرحيم، أن المؤتمر يجب أن يتجه إلى تحصين الحزب وتدقيق اختياراته الايديولوجية والسياسية، دون الوقوف أمام ما جرى في الماضي ولا كيف جرى ولا من دفع إلى ما جرى على أساس أن ذلك الماضي هو ملك مشترك لكل الاتحاديات والاتحاديين والاخطاء فيه وان كانت متفاوتة، فهي مشتركة وليس المهم كيف ارتكبت تلك الاخطاء ومن ارتكبها ، ولكن الاساسي ألا تتكرر وهو ما يستلزم وحدة القيادة خلال فترة الاعداد.