يعد الطيب منشد من المناضلين الذين رافقوا العديد من قادة الاتحاد، واولهم الشهيد عمر بن جلون، الذي يكشف لنا الطيب عنه جوانب خفية، انسانية وسياسية ونقابية. كما أنه يعود بنا الي تفاصيل أخرى تمس الحياة النقابية في بلادنا وكل مخاضاتها، باعتباره شاهدا من الرعيل الأول، ومناضلا ومعاصرا للمخاضات التي عرفتها الساحة الاجتماعية. هناك اشياء كثيرة أخرى، ومواقف عديدة تكشفها ذاكرة الطيب لأول مرة.. في خريف 1972، حيث كان الأخ الأموي مختبئا بالدار البيضاء، بعد تجمع مدرسة المعلمين بالرباط والاعتصام بوزارة التريبة الوطنية، زارني بمنزلي الأخ محمد زغباط الاتحادي والمناضل النقابي بقطاع البريد، كان ذلك يوم جمعة، قال لي الأخ زغباط إن منزلك مطوق برجال الأمن، قلت له إن ذلك منذ مدة طويلة، بعد ذلك، أخبرني أن الأخ الأموي ينتظرنا بمنزل بعين الشق بالدار البيضاء، قبلت الفكرة، لكني لاحظت نوعاً من الاضطراب على الأخ زغباط، لذلك قلت له أكل ذلك لأن المنزل مطوق ولاحظوا دخولك عندي؟ قال، لا، إنما حول زيارتنا للبيضاء حيث سيرافقنا شخص ثالث لم يذكر لي اسمه، قلت له من هو؟ قال إنه صديق لي وللأموي، وزوجته توجد الآن بمنزلي، ونوبير يوصي بأن نأتي به معنا، قلت لزغباط أنا غير مستعد للسفر مع شخص لا أعرفه، خصوصاً ونحن سنزور مناضلا مختبئاً، ألح علي زغباط كثيراً، بقيت متمسكا برأيي، قال لي طيب، سآخذ معي أحد الإخوان الآخرين (وهنا يقصد الأخ باحدو أو خروج)، قلت له لا أقبل لغيري من المناضلين ما أرفضه أنا، طيب سأرافقك، اتفقنا على السفر بعد نصف ساعة. وصلت المكان المتفق عليه، وجدت الأخ زغباط راكبا سيارة الأخ الأموي (بوجو) ومعه الشخص الثالث، حيث لم تتم عملية التقديم... بعد وصولنا البيضاء، استقبلنا الأموي وهو في حالة انشراح، كان يتكلم مع كل واحد منا على انفراد، تحدثنا عن النقابة والحزب، وسأل عن العديد من المناضلات والمناضلين، ودعناه أنا والأخ زغباط في الساعة الخامسة مساء حيث بقي معه الشخص الثالث، امتطينا الستيام ، وافترقت مع الأخ زغباط في الساعة 7 مساء بالرباط، وتوجهت الى مقر الحزب لحضور المجلس الاقليمي الذي كان منعقداً ذلك المساء. وصباح اليوم الموالي في الساعة 6 صباحا، فوجئت بعبد اللطيف الإبن البكر للأخ زغباط يطرق باب المنزل وهو في حالة سيئة، أخبرني أن الشرطة اقتحمت منزلهم في الساعة الواحدة صباحاً، وبعد تفتيش جد دقيق للمنزل، اعتقلوا أباه.... صاحبته الى المنزل، فوجدت أثاثه في تبعثر تام، والأرائك كأنها مزقت بسكين، بل لم يسلم من التفتيش حتى كيس الفحم... المفاجأة الثانية في ذلك اليوم، كانت زيارة الأخ الدويري لي بمنزلي (مناضل اتحادي وأحد مؤسسي النقابة الوطنية للتعليم) أستاذ آنذاك بمدرسة للا حسناء بسلا، قال لي إن زميلا له بالمؤسسة يسكن بحي ديور الجامع بالرباط اختطف من طرف أربعة عناصر في الساعة السادسة والنصف صباحاً، ادخلوا رأسه في كيس للشمندر وحملوه في سيارة، بعد ذلك طافوا به بأربعة مراكز بالرباط بدون أن يتحدثوا معه، وفي أحد المراكز وهو غير معصب العينين، بدأ استنطاقه من طرف «أصحاب الحال» طلبوا منه الإفصاح عن هويته، قال إسمي محمد الزناتي، قالوا له لا أنت تكذب، أصر على اسمه.... قالوا له أين تشتغل؟ قال لهم بإعدادية للا حسنا بسلا، قالوا له أنت تكذب إنك تشتغل بالرباط، وبعد أخذ ورد وأمام إصراره على أن اسمه محمد الزناتي ومكان عمله سلا، طلبوا منه بطاقة التعريف، وما إن هم بإخراج البطاقة من محفظته حتى انقض عليه ثلاثة من «أصحاب الحال» لمنعه من فتحها!! وهنا سألوه، كم عملية جراحية أجريتها على عينك، قال، صحيح إن بصري ضعيف، لكني لم أجر أية عملية جراحية، اقترب منه أحدهم ونزع عنه النظارة الطبية، وبدأ يتفحص عيني الزناتي، وبعد التأكد من عدم وجود أي أثر للجراحة، بدأوا في الاعتذار حيث قالوا له إنهم يبحثون عن شخص خطير يشبهه، نحيل الجسم، ويحمل نظارات طبية دائماً، لكن بدون تسميته، طالبين من الأخ الزناتي إخبارهم بأي معلومات عن هذا الشخص إن هو صادفه أو عرف عنه أي شيء. الأستاذ الزناتي حكى القصة لزملائه بالمؤسسة، ففهم الأخ الدويري أن المعني بالأمر هو منشد، لذلك جاء ليخبرني ذلك المساء. تساءلت أمامه، كيف يمكن للشرطة أن تأخذ شخصاً آخر مكاني وهم يحرسون البيت ليل نهار، ويرافقونني إلى العمل ذهاباً وإياباً، قال لي الدويري، على كل حال بلغتك ما حصل. بعد ثلاثة أيام أو أربعة، زارني الأخ باحدو عبد الجليل، عضو الكتابة الاقليمية للحزب بالرباط آنذاك، وأستاذ بمدينة سلا، بدأ يحكي لي نفس القصة التي حكاها لي الأخ الدويري، وكان مصدره كذلك الأستاذ الزناتي الذي التقاه بسيارة للأجرة، حيث استنتج الأخ عبد الجليل أن المقصود من العملية هو أنا. نعود لمحمد الزناتي، فهو في الحقيقة جار لي، أسكن وإياه نفس الطابق بالعمارة، رجل جد محدود في علاقاته وتحركاته، لا يعرف إلا عمله وبيته... هو من أصل رباطي ابن حي (الجزاء) بالمدينة القديمة، ففي اللحظة التي كان الأخ باحدو يحكي لي القصة التي سمعها من الأستاذ الزناتي، فإذا بهذا الأخير يطرق باب منزلي، فتحت له الباب ووجد عندي باحدو، بدأ يعتذر ويصيح« أنا ساذج، لم أفهم الأمر إلا منذ بضعة دقائق، حيث رأيت من نافذة المنزل أحد رجال الأمن وهو ابن (الجزاء) وقد سبق أن رأيته أمام العمارة أياما من قبل، لكن لم أعر اهتماما لذلك، فسألت السعدية زوجتي عن سر وجود الشرطة بباب العمارة، فقالت لي (واش نتا فوق الأرض وإلا تحتها) إنهم أكثر من شهرين وهم مرابطون هنا من أجل جارنا منشد، فأدركت آنذاك أن الشخص النحيف صاحب النظارة والشخص الخطير هو أنت!!» فيما بعد، علمت أن الأخ الأموي اعتقل معية أحد أفراد عائلته وهو رجل تعليم اسمه بوشعيب والشخص الثالث الذي تركناه معه أنا والأخ زغباط، في الليلة التي اعتقل في صباحها زغباط واختطف في صباحها الزناتي. حكى لي الأخ الأموي بعد خروجه من المعتقل أنه كان يقول لهم (أصحاب الحال) خلال الاستنطاقات أن علاقته بمنشد لا تتجاوز مشاكل الحزب والنقابة، ورغم الصداقة الكبيرة والثقة التي كانت تجمعنا، فإنني لم أسأل الأموي عن التهم التي كانت توجه إليه لسببين: إما خوفاً من أن أمارس ما لم أكن مقتنعاً به، أو أن أضطر لقطع علاقاتي بالأموي.. أما زغباط بعد خروجه قال لي (أصْحَيبي كليت عليك واحد التعليقة الله أعلم بها) قال سألوني عنك مراراً، قلت لهم أعرفه، أين تعرفه، في الحزب والنقابة، أين يسكن، قلت لا أعرف. هنا (علقوني واعطوني واحد القتلة، وأكلت ما أكل الطبل يوم العيد حتى أغمي علي، تركوني أستريح، ثم عاودوا علي نفس السؤال قلت لهم (والله ما كانعرف) قال كبيرهم (علقوا الكلب...) هنا تذكرت يوم زرتك حيث كان البيت مراقباً، فقلت لهم إنه يسكن في العنوان الفلاني، بعد ذلك سألته عن الشخص الثالث، فأخبرني أنه حارس بالسجن المركزي بالقنيطرة، فسأله عن علاقة هذا الشخص بالأموي، فقال لي بالحرف: «كانت هناك شي تخربيقة اسمها عملية اختطاف أمقران من سجنه...)