لمن لايعرف معنى «توتا أبسولوتا» فهو إسم الحشرة التي ألهبت أسعار الطماطم ، قامت باجتياح الحقول وأتلفت الغلة وتسببت في حرمان آلاف الأسر من لذة هذه «الفاكهة» المنتمية إلى صنف الخضر عندنا. لقد اختارت الدودة توقيتا مناسبا لكي تقوم «بغزوتها الكبرى » في حقول الطماطم، فكان السبيل الوحيد لمحاربتها هو إعدام المحاصيل وتدمير الحقول الأمر الذي سيجعل أسعار الطماطم لاتنزل إلى المستوى المعقول على الأقل إلى غاية نهاية شهر أكتوبر القادم بحسب المنتجين والتجار. لكن يبدو أن هناك «توتا أبسولوتا» من نوع آخر في بلادنا، نوع لاعلاقة له بالحقول والغلات الفلاحية، إنه نوع مسجل « ماركة مغربية» اجتاح الإدارات العمومية والمجالس المنتخبة، بل وحتى بعض المقاولات الخاصة، نوع خطير يتسبب في إصابة المواطن المغلوب على أمره بالإكتئاب والهذيان، نوع يحول حياة المواطن إلى معاناة يومية، ليله كنهاره، فكيف ذلك؟ لقد فعلت «توتا أبسولوتا» فعلتها في مجال العقار فألهبت أسعاره في ذروة التراجع العالمي للمواد الأولية وتراجع أسعار العقار في جميع الدول! فلأن «توتا أبسولوتا» تسللت إلى القطاع فلا مفر لأي كان إلا أن يرضخ للأمر الواقع ويقبل بمنطق النوار تحت أنظار المسؤولين ، فلايحق لأحد أن يحتج، إنه زمن أبسولوتا.. تسللت إلى قطاع الصناعات الغذائية فحققت غزوة كبرى ليس بعدها غزوة، حطمت الرقم القياسي في الزيادات في أسعار الزيوت، أنقصت من الوزن القانوني في علب الحليب، مزجت الغاز بالماء في قنينات غاز المطبخ، تلاعبت بالمواد الدهنية: نباتية، حيوانية أو صناعية، فحولت الزبدة إلى مجرد مرهم لدهن البشرة ليس إلا، فرخت لنا جيلا من المطففين في الميزان في المخابز فانتقل الخبز من وزن العجين إلى وزن الريشة! كل هذا من دون أن تتدخل الدولة بالصرامة المطلوبة لمحاربة «توتا أبسولوتا» وإجهاض أحلامها في إنشاء مملكتها الخاصة بها. «توتا أبسولوتا» ماكانت لتتغلغل في بلادنا لولا غزوتها الأولى في الإدارات العمومية والقطاعات الوزارية، ماكان لها أن تفعل فعلتها هاته لولا يقينها بأنها قد تمكنت من مراكز القرار في إداراتنا محليا ومركزيا، ماكان لها أن تتحرك بين جميع القطاعات لولا يقينها بأن الصنف البشري من فصيلتها يؤمن لها الفضاء والجو الملائمين للعمل بحرية. لقد تمكن الصنف البشري من «توتا أبسولوتا» من أن يتحكم في دواليب إداراتنا ومجالسنا لدرجة استشرى الداء لدرجة لاتتصور فَشُلَّتْ يد الإدارة وتحركت «الحاجة كرمومة» بين مكاتبها، والنتيجة.. ترك المواطن المسكين وحيدا في مواجهة لهيب الأسعار وتلاعب المضاربين، ترك حيث هو في مواجهة مافيات «النوار» إنه زمن «توتا أبسولوتا» في المغرب!