يجمع البلاط السلطاني بين عشرات الأعوان والجلساء المجندين لخدمة السلطان. وكل واحد منهم، يعتقد في أهميته، ويتطلع إلى "القرب" من حضرته، فيحتدم الصراع بين "رجال البلاط" : هذا "كاتب" يسعى "لإيقاع بوزير، وذلك "والي" "يشي" بقاضي ... وقد يعي السلطان هذه "الصراعات"، ويحافظ عليها، إن لم يغذيها أحيانا بشكل يحافظ على قوته، ضاربا هذا بذاك. في هذا السياق، يقدم لنا مسار حياة كل من ابن رضوان خديم المرينيين و صاحب كتاب "الشهب اللامعة في السياسة النافعة"، ولسان الدين بن الخطيب خديم النصريين بغرناطة و صاحب كتاب "الإشارة إلى آداب الوزارة" ، صورتين متعارضتين لما يمكن أن ينجم عن "صحبة السلاطين". قضى ابن رضوان اثنتي وأربعين سنة في خدمة المرينيين، واشتغل مع ثمانية سلاطين، وهي مدة كافية جدا لإصابته ب "مكروه سلطاني" أو الإيقاع به في دسيسة من دسائس الحاشية السلطانية و ما أكثرها في زمانه. و مع ذلك ظل على الدوام حيا يرزق، والسر في ذلك حسب تقدير الباحث إحسان عباس يكمن في طبيعة شخصيته، إذ كان على ما استقر في نفسه من طموح، يعرف متى يقف بطموحه عند حد لا ينفذ إليه منه الأذى. و من جهته يرى سامي النشار محقّق "الشهب اللامعة" أن ابن رضوان وصل إلى ما يصبو إليه لكونه "رجل دين وخلق، لم يذكر أحد من المؤرخين أنه اشترك في مؤامرة أو سعى لأحد بوشاية، إنه من الأفراد القلائل في هذا العهد المضطرب القاتم المليء بالدسائس الذي توصل إلى مكانته الكبرى عن جدارة واستحقاق". مقابل ذلك، نجد ابن الخطيب الذي تدرج من "الكتابة" إلى "الوزارة" مع ما لا يقل عن ثلاثة سلاطين، والذي اختبر "صحبة السلاطين" في أحلك أيامها، يعاني الأمرين من سعاية حساده ضده، وتعرض لأكثر من " نكبة "، بل واتهم بالخروج عن الدين، واستغلال النفوذ، والاستبداد بالأمر دون السلطان ... الخ ليس زائدا إذن أن ينبه ابن الخطيب "الوزير" ويقول : "واعلم أنه قلّ ما يخلو من حلّ محلك من علو القدر وعزة الأمر من قرين يعانده، أو حاسد يكابده أو متطلع يمت إلى الملك بقربى ... كما أنه يخصص "ركنا" من الأركان الستة التي تتكون منها الإشارة ل "سيرة الوزير مع من يتطلع لهضبته ويحسده على مرتبته". وعموما يمكن الحديث عن نوعين من السلوك لمواجهة هؤلاء "الحساد": الأول وقائي والثاني عملي. يتمثل السلوك "الوقائي" في اجتناب الوزير "الزيادة في الاستكثار من الضياع والعقار والجواهر النفيسة والأحجار..." لأنها تقدم الفرصة لمن في قلبه ضغينة ف "يحصى" عليه ما جلبه الحظ إليه. واجتناب الاستكثار من الولد والحشم (...) فإن الحاسد يراهم بدخا ونعمة. و يتمثل السلوك العملي في أن "يجاهد الوزير هذه الجماعة ويقمع منها الطماعة، وذلك باستمالتهم أولا ب "فضائله الذاتية"، ومقابلة "حسدهم" بالإنعام عليهم، ثم باصطناع أضدادهم، وخاصة بعدم الركون لأحد، وحسن اختيار من "يصطنعه لخدمته" غير أن مختلف هذه النصائح لن تجدي كاتبها نفسه الذي صدر في حقه أمر سلطاني بالقبض عليه، وفتوى تقضي بإعدامه، فقتل خنقا في محبسه. لا يتساءل الكاتب-الأديب عن مدى مشروعية العمل مع السلطان، فهو أولا و قبل كل شيء رجل سياسة يمارس وظيفة من الوظائف السلطانية أو خطة من الخطط الدينية، أو هو، في أقل الأحوال، رجل سياسة "افتراضي" يطمح لمكان ما قرب السلطان، وما يكتبه هو في حد ذاته مجموعة من النصائح والقواعد تصب كلها في أمور تدبير الدولة السلطانية. مقابل ذلك، يظل هاجسه الأكبر هو النجاة و السلامة حالما تنقلب الأحوال.