تنتشر في بعض الأحياء الصفيحية والهامشية بالدارالبيضاء العديد من المظاهر القروية، حيث لا يخلو حي صفيحي أو هامشي من تربية الدواب والمواشي كالخيول والبغال والحمير والأبقار، والأغنام والدجاج، وقد نجد حتى أمكنة للأرانب، اضافة إلى الكلاب. وأرجع مهتمون هذه المظاهر إلى طبيعة الهجرة القروية نحو المدن، خاصة العاصمة الاقتصادية التي تعرف أكبر نسبة المهاجرين الداخليين منذ عقود، حيث كان القرويون يفضلون العمل بالمصانع البيضاوية على الاشتغال بالفلاحة التي قد تعطي محصولا هزيلا بعد نهاية السنة الفلاحية، خاصة في فترات الجفاف التي تعرف نزوحا كبيرا نحو المدينة بحثا عن «حياة أفضل». وقد ربط متخصصون في علم الإجتماع المواظبة على تربية البهائم بين بعض الأسر بنوعية المساكن التي يقطنها المربون، إضافة إلى ضعف المداخيل المادية، مما يدفعهم إلى الاستعانة بمردودية بهائمهم بعد تعليفها، وبيعها لتحصيل مداخيل اضافية، وفي نفس الوقت شراء أخرى للاستمرار في سلسلة المزاوجة بين العمل الأساسي، وبين مدخول البهائم. وعبر عدد من المواطنين عن استيائهم لما آلت إليه مدينة المال والأعمال في القرن الواحد والعشرين، حيث لم تراوح بعض الأحياء مكانها، ولم تتغير أنشطة سكانها في غياب تدخل صارم من السلطات المعنية التي يبدو أنها لا تهتم بالمشاكل إلا بعد استفحالها، ولا تكثرت باستئصالها من الجذور. وأفاد مهتمون بمجال السكنى والتعمير بأن أغلب النشطين في مجال تربية البهائم بالمدار الحضري، والذين يقطنون بالبراريك، يقلعون عن ذلك بمجرد نقلهم إلى منازل وشقق سكنية في إطار محاربة دور الصفيح، لكن الغريب في الأمر أن بعض من استفاذوا من هذا البرنامج، لم يتخلوا عن عادتهم القروية، فنقلوا معهم دوابهم وبهائمهم، كما نقلوا أمتعتهم، مع فارق بسيط يتمثل في استحالة عيش الدواب معهم في شققهم كما في السابق، لكن بتركها في أماكن مخصصة ودفع إتاوات لبعض المسؤولين ليتركوهم في حالهم مادامت المسألة عامة. يبدو أن مدينة الدارالبيضاء بدأت تتحول تدريجيا إلى مدينة فلاحية بامتياز، فهذه الصور لا تنتمي إلى إحدى البوادي المغربية. الأمر هنا يتعلق بأحد الأحياء التابعة لولاية الدارالبيضاء الكبرى، فدوار «الحفاية» الذي شهد قبل أيام حريقا في أحد «الهنكارات» الخاص بإحدى شركات الصباغة، يضم تربية الأبقار والأغنام والدجاج، وكل الأنشطة القروية، وقد كاد الحريق يسبب في كارثة «حيوانية»، بأن يأتي على حضائر الأبقار والمواشي المنتشرة دون مراقبة ودن رخص (في الغالب)، كما هو الشأن لوضعية العديد من «الهنكارات» التي تسبب في انتشارها كالفطر أحد المسؤولين السابقين.