بتنظيم من جمعية النور للتنمية وجمعية الفرس الأصيل بالمذاكرة، أحيت قبائل المذاكرة في الفترة ما بين 14 و18 يوليوز 2009 الدورة الثانية لموسم العكلة، تحت شعار أصالة وثقافة وتراث، وكانت قبائل المذاكرة تحيي هذا الموسم قبل ستة عقود مضت، إلا أن الظروف المناخية وحالات الجفاف التي اجتاحت المنطقة كباقي مناطق المغرب خلال العقود الثلاثة الأخيرة، جعلت سكان قبائل المذاكرة يوقفون موسمهم، فلم يعد هناك ما يحتفلون به. الجفاف هلك الحرث و الزرع والماشية، مما دفع الكثير من السكان للانكماش في دواويرهم معتمدين في معيشتهم على ما قد تجود به الطبيعة من حين لآخر أو ما يرسله الأبناء الذين هاجروا الدواوير في اتجاه المدينة أو ديار المهجر. ويرجع الفضل في إحياء هذا التراث الثقافي والحضاري إلى أبناء المنطقة الذين عقدوا العزم على إعادة الروح لهذا الموسم، مستحضرين البطولات التي عاشها أبناء المنطقة ابان فترة الاستعمار الغاشم وما قدمه فرسان قبائل المذاكرة من تضحيات في سبيل استقلال المغرب، كما أن إحياء هذا الموسم جاء بعد المحصول الجيد الذي عرفته المنطقة هذه السنة والسنة الماضية، وقد شارك حوالي 250 فارسا في هذا الموسم الذي عرف مشاركة أصغر فارس حيث لا يتجاوز سنه ست سنوات ونصف، كما كان كذلك مناسبة للاحتفاء بتلاميذ وتلميذات المنطقة المتفوقين في دراستهم. كان المضمار أو «المحرك» الذي أعد لتباري الفرسان فسيحا وسط حقول يكسوها تبن أصفر ينبئ بموسم حصاد جيد، تحف جنابته (المحرك) خيام فرق الخيالة المشاركة في الموسم، ولم تمنع الحرارة المرتفعة التي عرفتها المنطقة خلال أيام الموسم من توافد العديد من أبناء المنطقة لحضور الاحتفال بعادة ظنوا أن النسيان قد طواها. أمام الخيام المنصوبة بعناية فائقة، تجد خيولا مربوطة تنتظر ساعة الصفر لتنطلق تسابق الريح، تقرع بها الأرض بحوافرها.وداخل الخيام تجد الفرسان مجتمعين يستعدون للحظة امتطاء الجياد، هذا يلبس جلبابه وسلهامه، وهذا يسوي ويثبت عمامته، وهذا يمسح سيف الزينة الذي يتقلده الكل يقوم بتهييء نفسه للساعات القادمة التي ستعرف استعراض «التبوريدا»... وبينما هم كذلك تجد المساعدين يقومون بحشو «لمكاحل» بالبارود، وآخرين يسرجون الخيل ويعدونها، مما يعني أن ساعة الصفر قد اقتربت كثيرا، وفي حلقة للفرسان داخل الخيمة تقرأ آيات من الذكر الحكيم، وترفع أكف الضراعة لله بالدعاء، للجميع بالسداد والتيسير والحفظ من أي مكروه قد يصيبهم أثناء امتطائهم الجياد أو يصيب غيرهم... وفي الجهة الأخرى المقابلة للخيام الرسمية يجلس شيوخ القبائل والضيوف. تصطف فرق الجياد وفرسانها- وهو ما يصطلح عليه ب «الصربة» أو «العلفة»- يقود كل «سربة» التي قد يناهز أفرادها الثلاثين «المقدم» الذي يختلف عن باقي الفرسان في لباسه وبعض الإكسسوارات الإضافية الخاصة بالجواد التي تعطيه هيبته وسط المجموعة، كما أن «المقدم» هو الآمر والناهي في فريقه... وبعد أن تتجمع العديد من الفرق تتقدم «سربة» بعد «سربة» لتحية الجمهور، تم تعود إلى خلف مجموعة الفرسان التي تنتظر دورها في تقديم التحية، ثم تبدأ عملية استعراض مهارة كل مقدم مع فريقه، حيث إنه على كل «سربة» أن تتقدم في خط مستقيم وكأنها متلاصقة وتنطلق بنفس السرعة، والأهم هو أن يطق الفرسان جميعهم البارود طلقة واحدة، وإن تم ذلك فإن المقدم ومن معه «العلفة» تجدهم مزهوون بذلك، حيث يعتبر ذلك بمثابة الانتصار على الأعداء زمن الحرب، كما أن الجمهور الحاضر يملأ الفضاء صياحا وتصفيقا. ولا تنتهي الفرجة حتى ينتهي البارود لدى الفرسان أو يرخي الليل بظلامه، وهكذا تستمر العملية طوال أيام الموسم، لتنتهي بتوزيع الجوائز على الفرق الفائزة.