في أسبوع الموضة في باريس ، وبعد عرض للازياء القصيرة القرنفلية والبنفسجية اللون، في شقة أنيقة قرب القصر الرئاسي، يدفع رجل حاملا «علق» عليه نوع مختلف تماما من التصميمات.. العباءات السوداء. تلك العباءات التي ترتدى عادة مع الحجاب من أعمال مصمم الازياء ادم جونز ، الذي يتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرا له وأنتجها خصيصا مستهدفا السوق السعودية. وفيما تبحث فرنسا حظر النقاب والبرقع حيث قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انهما غير مرحب بهما ، قد يكون مستغربا أن تصبح البلاد من كبار مصدري العباءات لمشاهير مصممي الازياء. لكن هذا ليس سوى واحد من تناقضات كثيرة كشفها أحدث صدام بين العلمانية والدين في الدولة التي توجد بها اكبر جالية مسلمة في اوروبا. ويقول مصمم الازياء ستيفان رولان الذي صنع الكثير من العباءات لعملاء من الشرق الاوسط لرويترز في الكواليس عقب عرض لأزيائه الذي أقيم في باريس «اذا قال لي أحد (صمم لي عباءة) فلم لا. انا فخور بهذا. إنه مجرد لباس » . ولدى سؤاله عن الجدل الأوسع نطاقا بشأن ما اذا كان الحجاب علامة على التبعية ويجب حظره بدا أقل ثقة. وقال «لا أريد الحديث عن الدين فهذا موضوع آخر. لكنني لا أريد أن أغطي المرأة. وا أسفاه.لا أريد التفكير في هذا.» وفي حين يتودد المصممون الفرنسيون للعميلات السعوديات في صالات العرض فإن الصورة على الجانب الاخر من البلدة في حي بيلفيل الذي تسكنه الطبقة العاملة تبدو مختلفة تماما. وتقول اكرام الصالحي (20 عاما) وهي طالبة كانت تقف خارج متجر (زينة بريه ابورتيه) الذي يبيع أوشحة الحجاب والسترات الطويلة والعباءات «اذا ارتديت الحجاب تتعرض للاهانة والهجوم طوال الوقت وتوصفين بالارهابية». وترتدي الصالحي حجابا بني اللون لكنها لا ترتدي نقابا. وتود لو تستطيع ارتداء النقاب لكن ارتداءه محظور في الكلية التي تدرس بها. وقد غيرت مجال دراستها المفضل وهو التمريض واتجهت لدراسة اللغات وعلم الاجتماع لان الممرضات لا يسمح لهن بارتداء الحجاب. كانت الصالحي قد قررت ارتداء الحجاب قبل ثلاث سنوات بينما اتخذت ايتشاتو درامي التي ترتدي حجابا ابيض هذا القرار قبل أسبوعين فحسب. وعارضت أسرتاهما حجابهما خوفا من أن يعرضهما للمتاعب. وترى الكثير من الناشطات في مجال حقوق المرأة - ليس في الغرب فحسب - أن الحجاب تعبير عن ايديولوجية آخذة في الانتشار تريد إخفاء النساء وإسكاتهن وإلغاء سنوات من النضال من أجل حقوق المرأة. وقالت الصالحي التي كانت ترتجف غاضبة «السبب الحقيقي في هذا هو الخوف من الاسلام (اسلاموفوبيا)... هناك عدد أكبر من الاخوات يرتدين الحجاب الان. اذا كان النقاب محظورا سيمكثن في منازلهن او يهاجرن الى الولاياتالمتحدة او الى بريطانيا او المغرب » بالنسبة لهن المشكلات الرئيسية التي تواجهها النساء المسلمات ليست الحجاب لكن التمييز والبطالة بين الشابات من أسر المهاجرين. ولا تنشر فرنسا بيانات عن البطالة التي تعانيها جماعات عرقية معينة لكن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أوضحت في مايو أن التمييز ضد الشبان الذين ترجع أصولهم الى شمال افريقيا او افريقيا السوداء يمثل مشكلة كبيرة في سوق العمل بفرنسا. ويرى آخرون في «الحجاب» مشكلة في حد ذاته. ووصفت منظمة (لا عاهرات ولا خاضعات) التي تروج لحقوق المرأة في ضواحي فرنسا التي تسكنها أعراق متنوعة البرقع بأنه «سجن في الهواء الطلق» وقالت ان المتطرفين يحتجزون جسد المرأة رهينة. وقال رؤساء بلديات في مدن فرنسية مختلفة ان عددا متزايدا من النساء المحجبات يحضرن مراسم زفاف او يذهبن الى المدارس لأخذ اطفالهن ويرفضن كشف وجوههن للتحقق من هوياتهن. وليست هناك احصاءات رسمية لكن الادلة الشفهية كانت كافية لتدفع البرلمان الفرنسي هذا الشهر الى بدء تحقيق يستمر ستة اشهر في انتشار النقاب والبرقع. وقال جان فرانسوا كوبيه العضو البارز في حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الحاكم في مقابلة مع صحيفة لو باريزيان «من المؤكد أن البرقع جدل سياسي وليس دينيا. المتطرفون يختبرون الجمهورية مرة أخرى » . ويريد العديد من أعضاء حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الحاكم حظره. ويعيد هذا الخلاف الى الاذهان الجدل الذي ثار حول ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية وأسفر عن حظره عام 2004 بناء على مبدأ الفصل بين الدين والدولة. ومثلما حدث انذاك تجاوز الجدل المشكلة التي أثارته بكثير. فالبرقع الافغاني بلونه الازرق الفاتح والذي يغطي المرأة من أعلى الرأس الى أخمص القدمين نادر هنا ، بل من النادر رؤية النقاب. في متجر زينة (بريه ابورتيه) تقول البائعة ان عددا قليلا جدا من النساء يشترينه رغم انها تخرج نقابا طواعية وتعرض كيفية ارتدائه بسهولة اما طبقة واحدة تغطي الوجه تاركة فتحة للعينين او طبقتان بحيث تختبيء العينان وراء شاش اسود. لكن حتى الذين يجدون هذا الزي قبيحا لا يعتقدون بالضرورة أن الحظر هو الطريق الامثل للتخلص منه. في أفغانستان حيث فرضت حركة طالبان على النساء ذات يوم ارتداء عباءة تغطي كل الجسم تقول ثريا باكزاد المديرة التنفيذية لمنظمة (صوت النساء) انها تتفق مع وجهة نظر ساركوزي بأن البرقع شيء سيء لكنها تختلف مع استنتاجه. وقالت لرويترز «انا ضد فرض البرقع بالقوة. لكن ما يقوله السيد ساركوزي هو نوع آخر من الفرض بالقوة على النساء. يجب الا يتمكن أحد من اجبار شخص على ارتداء الملابس بطريقة معينة». ( رويترز )