«نايضة... نايضة»، حينما يهتف أو يصرخ الشباب المغربي بهذه العبارة الرائجة موسمياً، والمنتشرة عبر كل التراب الوطني، فإنهم لا يتحدثون عن نهضة ولا عن صحوة ولا عن استفاقة أو عودة الوعي، فأغلب هؤلاء، يكونون في حال أشبه بالغياب وهم يصرخون «نايضة.. نايضة»، إنهم ببساطة يقصدون أنها شاعلة، ويعنون أنها شاخدة، إذن نحن أمام نار تعتمل وتشتعل وتلتهب. لكن أية نار هذه التي يتحدث عنها الشباب هنا؟! بالطبع، فالأمر لا يتعلق بتوقد الفكر واشتعاله فقد قلنا إن حالة العقل هنا هي حالة أشبه ما تكون بالغياب، وإلاّ كنا تحدثنا عن نهضة أو صحوة، لنقل بنفس البساطة، إنها نار الجسد، وبالفعل ثمة أكثر من تلاقٍ دلالي بين النار المتراقصة التي تعلو وتشرئب وتتراجع جُحْمَتُهَا، وبين الجسد المتراقص، إن «نايضة» المقصودة هنا، تعني اشتعال الجسد وإخراج ما في قمقمه، ونهوض هذا الذي في قمقم الجسد لهباً وشُعلا وألسنة نار، نحن هنا أمام طريقة تعبير نارية بامتياز. لكن يجب ألا ننسى أن البرد والصقيع عادة هما ما يستدعيان النار، ويُنهضان ألسنتها، لنستمع إلى السجال والاحتجاج في الأفراح الذي يحرض على «النهوض»: «باردة باردة... والله ما باردة...» ، «ما شطحتوا ما غنيتوا... غير جيتوا وتبندتوا...» فضد أي صقيع تحتج نار الجسد؟ بالطبع، تمة أولاً صقيع العقل وبرد الفكر، والعقل هنا ليس بالضرورة عقلانياً، مثلما الفكر ليس بالضرورة مفكراً، إذ يمكن الحديث عن الهم فقط، وعن صقيع الرتابة وبرد الانتظار. وهذا الذي لا يتغير في عالم سريع التغير، مما يُنهض نار الاستعجال ونار الرقص ونار العنف الجسدي. لنبتعد قليلاً عن عنف الرقص، ولنذهب رأساً الى بعض فضائح المغاربة في بلدان الصقيع: الفضيحة الأولى بطلها إمام مغربي يؤم المسلمين بمدينة أونفيرس ببلجيكا، يستغل «معرفته» بالدين، وحرمة المسجد ليغتصب بالقوة شابات مسلمات قصدن المسجد للتعبد. والفضيحة الثانية لرئيس «جمعية نور الله» تفجرت بمدينة «أفينيون» الفرنسية، وهو أيضاً إمام مغربي يؤم المسلمين بمسجد المدينة، إلا أن هذا الإمام تبين أنه يؤم أيضاً ويقود شبكة للدعارة رفقة أبنائه الثلاثة! هكذا، وأمام الصقيع المثَلَّج والمثلث، أولاً لدور الإمام، وثانياً لحرمة المسجد، وثالثاً لصقيع الغرب، يأبى هذان الإمامان إلا أن يُشعلانها «نايضة.. نايضة» نهوضاً حتى تخوم الانتصاب! ولأننا في الصيف الآن، والصيف يُشعل الحرائق رغم أنف العطلة، والصيف يُعبر بألسنة النار، فإننا نرى الشباب وهو يُشعلها «نايضة نايضة» في أكثر من مهرجان، ويلهبها «نايضة نايضة» في الأعراس وفي الأفراح. لكن هذه الأجساد التي تلتهب في الصيف يبدو وكأنها تحيى داخل ثلاجة التجميد طيلة السنة، ولا يذوب ثلجها، ليذوب عرقها إلا في الأصياف. إن التعبير بألسنة النار يكاد يكون الطريقة الوحيدة المتاحة أمام شرائح واسعة من الشباب المغربي اليوم، من ملاعب كرة القدم، حتى المهرجانات حتى الأعراس، وحتى على رمال الشواطىء. إننا في عطلة من العقل، طوال صقيع السنة وطوال صهد ونار الصيف. هكذا، تبدو الأيام المغربية راكدة جامدة فاسدة كمياه مستنقع، لا تصلح كي يسبح فيها رجال الغد، أيام «ما نايضاش.. ما نايضاش غير زيد الحمل عليها». لنقل إننا أمام شباب منفتح على الخارج، كما لم تنفتح أجيال من قبل، لكنه شباب يعاني من عزلة الداخل، إنها الصقيع الأشد بلبلة وزلزلة للكينونة التي لا تجد من وسيلة للتعبير سوى حمم البركان. ولكي لا نقول إن الشباب يفجرون حممهم البركانية في الملاعب وفي الأعراس والمهرجانات فقط، فنغفل عن فضاءات وأحداث ومناسبات أخرى، علينا أن نتأمل كيف أشعل الشباب الانتخابات الأخيرة، وجعلوها «نايضة» وشاخدة بالدم والعنف وإضرام النيران أيضاً. لكن لنبصر خلف هذا الاشتعال الشبابي والشباب دوماً عنفوان وقوة مندفعة ودافعة هذه المفارقة: أن يفرض الواقع على مثل هذا الشباب أن يرقص بإيقاع غير إيقاعه، وعلى موسيقى جنائزية! والآن، لنعد إلى السؤال الذي لا نبتغي الإجابة عنه: هل هي نايضة؟! يبدو أن الفياغرا وحدها تستطيع أن تحول الوضع القاتم والنائم إلى وضع قائم!!