.. هم نجوم طبعوا الأغنية المغربية بإبداعاتهم الرائعة، وتميزوا بإسهاماتهم وبأفكارهم وعملهم الفني النير، منهم شعراء وزجالون، ومنهم ملحنون ومطربون وموسيقيون ومغنون .. هؤلاء الرواد تركوا علامات بارزة في التاريخ الفني الموسيقي المغربي منذ بداية انطلاقته في بداية الثلاتينات من القرن الماضي . لقد صنعوا المجد لوطنهم ورسخوا معالم الأغنية المغربية بصفة عامة والأغنية الأمازيغية والشعبية و العصرية بصفة خاصة ، ومزجها بعضهم بفن العيطة التي هي مكون أساسي من مكونات تراث غنائي شعبي أصيل . كما يوجد من بينهم نجوم في الموسيقي الأمازيغية التي لها مسار فني غني بتجربة متميزة. ومنهم من أسس لأغنية مغربية عصرية وارتقوا بها إلى مستوى عال .. ومنهم من حافظ على مكانة الموسيقى الأندلسية (طرب الآلة) بالمغرب التي هي متميزة بمدارسها الثلاثة الرئيسية : مدرسة عبد الكريم الرايس بفاس، مدرسة أحمد الوكيلي بالرباط، ومدرسة محمد العربي التمسماني بتطوان . ثم فن السماع والملحون والإيقاع ... هؤلاء النجوم قدموا للفن الموسيقي وللأغنية المغربية وللحن خدمات جليلة ، استطاعوا بأعمالهم الجميلة حمل مشعل التراث الفني الأصيل للأغنية واللحن والموسيقى بالمغرب، ومن ثمة إيصال هذا التراث الفني إلى الأجيال الصاعدة، وربطوا الجسور مع الأجيال المقبلة ، قبل أن يودعونا ، تاركين لنا أجمل الأعمال الخالدة. والتي من الصعب أن نجد رجالا بقيمة الرواد الأولون. ادريس بنجلون التويمي (1897 1982 ) مؤسس جوق «أصدقاء زرياب » ولد بفاس سنة 1897 ، تلقى تعليمه الأولي بالعاصمة العلمية ، وكانت موهبته الفنية تدفعه إلى الإهتمام بالفن وهو لايزال صغير السن . أخذ يتعلم على يد مجموعة من رجال الموسيقى وفنون الإنشاد والعزف من بينهم محمد بن العربي ابن جلون ، ومحمد البريهي ، وعمر الجعيدي ، ومحمد المطيري ، والمنشد أحمد زويتن ، وعندما بلغ سنه 17 سنة انتقل إلى مدينة الدارالبيضاء حيث تابع تعليمه الثانوي .. اهتم الحاج ادريس بالموسيقى الأندلسية ، فكان من المؤسسين لجمعية هواة الموسيقى الأندلسية سنة 1937 . في سنة 1958 عمل ادريس بنجلون بتعاون مع مجموعة من الفنانين على عقد مؤتمر وطني للجمعية ، شارك فيه هواة من مختلف المدن المغربية ، وكان لهذه الجمعية إشعاع فني كبير ، تمثل في تأسيس مدرسة لتعليم موسيقى «الآلة » كما أنشأ جوق «أصدقاء زرياب» . ترك الباحث والفنان ادريس بن جلون أعمالا جليلة في مجال التعريف بمستعملات الموسيقى الأندلسية وتعليمها واستكمال ميازينها. ومن أعماله : تأليف كتاب الدروس الأولية للموسيقى الأندلسية في جزأين ، الذي قررت الوزارة المكلفة بالشؤون الثقافية تدريسه بالمعاهد الموسيقية . وتحقيق كناش الحايك وإصداره كتاب تحت عنوان : التراث العربي المغربي في الموسيقى ، وكان ذلك سنة 1981 ، كما عمد ادريس ابن جلون إلى تلحين أغلب صنعات تلك الميازين . لقد حضر المؤتمر الدولي للموسيقى العربية المنعقد ببغداد سنة 1964 ، وكان من بين الموقعين على المذكرة التي رفعها المؤتمر إلى جامعة الدول العربية لحثها على إنشاء المجمع العربي للموسيقى . كما مثل المغرب في مؤتمرات المجمع منذ تأسيسه ، وشارك في دوراته الخمس : 1 - في يناير 1971 بطرابلس ، 2 - فبراير 1972 بالقاهرة ، 3 - يوليوز 1973 بالجزائر ، 4 - فبراير 1974 ببغداد ، 5 - أكتوبر 1977 بالرباط . أنجز مجموعة من الدراسات والأبحاث حول الموسيقى الأندلسية ، وقد كرمه المؤتمر السادس المنعقد بطرابلس في أبريل 1981 . ظل نشيطا في سبيل خدمة رسالته الفنية إلى أن وافته المنية في 16 نونبر 1982 عن عمر يناهز 85 سنة.