عندما أراد الله أن يخلق آدم قال للملائكة: «إني جاعل في الأرض خليفة». فتساءلت الملائكة: - ربنا من هو هذا الخليفة؟ فأجاب: - سيكون له أبناء يفسدون في الأرض، ويشعرون بالغيرة اتجاه بعضهم، ويتقاتلون. فقالوا: -أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك». فقال: «إني أعلم ما لا تعلمون». فبعث الله جبريل في الأرض ليأتيه بقبضة طين منها، لكنه حين نزل إلى الأرض ليمتثل إلى أمر ربه، قالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني شيئا يكون غدا قوتا لنار جهنم. فرجع ولم يأت بشيء. وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتها. فبعث الله ميكائيل إلى الأرض ليأتيه بقبضة منها، وحين هم بتنفيذ الأمر، استعاذت منه بالله فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل، وقال: - رب إنها عاذت بك فأعذتها ولم أجرؤ على الاقتراب منها. فبعث الله ملك الموت إلى الأرض ليأتيه بقبضة منها. فعاذت منه، مثلما فعلت مع الملكين السابقين. فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره. فقبض منها قبضة من جميع الأركان الأربعة، غبارا وصلصالا وتربة بيضاء وحمراء وسوداء، من من قمة الجبل والتلال. وهكذا خرج بنو آدم مختلفين، ما بين طيب وشرير، وما بين صالح وطالح، وما بين جميل وقبيح. ثم صعد ملك الموت الى السماء بكل ما حملته يداه. فأمره الله أن يصنع منه عجينا. فخلطه بماء مر وماء عذب وماء مالح، إلى أن استوت طينا لازبا. وهكذا صارت المخلوقات.. فأمر الله جبريل أن يأتيه بقلب الأرض الأبيض، الذي كان مشرقا وساطعا، ليخلق محمد. فنزل إلى ملائكة الملأ الأعلى، فأخد من مكان قبر النبي قبضة من تراب كانت بيضاء صافية وممزوجة بماء التسنيم، حيث اتخذت القبضة شكل جوهرة بيضاء. فنقعها بمياه كل أنهار الجنة. وحين خرجت من المياه، نظر إليها تعالى ترتجف من خشيته. فاستخرج منها أربعة وعشرين قطرة، وخلق من كل قطرة نبيا. وهكذا خرج كل الأنبياء من ضوء محمد. وطافت الجوهرة البيضاء على السماوات والأرض، فتعرفت عليها الملائكة على محمد قبل أن تتعرف على آدم. ثم عجن طين محمد مع طين آدم وترك العجنة أربعين سنة إلى أن أصبحت العجنة صلصالا، ثم تركها أربعين سنة إلى أن صارت فخارا يابسا إذا ضرب باليد يصدر صوتا. ثم جعل منها جسدا وألقاه على الطريق الذي تغادر منه الملائكة السماء وترجع، وتركه هناك مدة أربعين سنة. خلق الله رأس آدم وجبينه من تراب الكعبة، وظهره من تراب القدس، وفخديه من تراب اليمن، وساقيه من تراب مصر، وقدميه من تراب الحجاز، ويده اليمنى من تراب المشرق، واليسرى من تراب المغرب. ثم ألقى الجسد على باب الجنة. فكان كل سرب من الملائكة يعجب من جمال صورته وطول قامته، لأنهم لم يكونوا رأوا مثله، لكن إبليس حين مر أمامه، قال: - أتساءل لماذا خلقت؟ ثم ضربه على يده، فاكتشف أنه أجوف، ودخل من فِيه وخرج من دبره، وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإنه أجوف، ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. ثم أضاف: - ما أنتم فاعلون إذا فضل هذا عليكم. فردت عليه الملائكة: - نطيع ربنا ولا نعصيه. فقال ابليس: - أقسم بالله لئن فضل علي هذا المخلوق لاعصينه ولان فضلت عليه لأهلكنه. وقيل إن جسد آدم ظل ملقى أمام باب الجنة أربعين سنة.