في لحظة بهاء صافية صاغتها لغة الموسيقى اختتم معهد سرفانتس مراكش فعاليات ربيع الأندلس الثقافي الأول الذي استنفذ شهري ماي و يونيو الأخيرين في أنشطة متنوعة شملت كل صنوف الإبداع و الفن المجسدة للتجربة التاريخية و الثقافية لإقليم الأندلس الإسباني . و اختارت إدارة المعهد أن يكون الاختتام حفلا موسيقيا كبيرا بمسرح دار الثقافة مساء الأحد 21 يونيو 2009 في تزامن مع احتفال العالم بيوم الموسيقى . حيث أهدت الجمهور المراكشي الذي حج بكثافة سهرة من الفن الراقي أحيتها الفرقة النحاسية " إيل كينتيتو " التابعة لأكاديمية الدراسات الأركسترالية التي تعد أول مشروع لمؤسسة " باريمبويم سعيد " . الفرقة عزفت على مدى ساعتين أعذب ما يتضمنه عليه ريبرتوارها الغنائي من مقاطع من تاريخ الموسيقى إضافة إلى نماذج لموسيقيين غير معروفين من القرن العشرين . الباحثة و المترجمة ماريا د ولوريس لوبيز أونامورادو مديرة معهد سرفانتس مراكش أكدت و هي تعلن اختتام هذه التظاهرة على إصرار المؤسسة على الحفاظ على ربيع الأندلس الثقافي كتقليد سنوي . " لقد عشنا معا تقول السيدة دولوريس حلما مشتركا نسجته عوالم إبداعية مختلفة مكنتنا من الإنصات إلى انتمائنا المشترك لتاريخ وضعنا فيه تجاربنا مع الحياة و الامل و تقاسمنا شغفنا بالفن و الجمال .. و سنعمل في السنة المقبلة على تقوية برمجة هذا التقليد السنوي الذي يراهن على تمتين روابط التفاعل الثقافي بين المغرب و إسبانيا ... " الأسبوع الأخير من ربيع الاندلس الثقافي عرف تنظيم أنشطة مكثفة كان أبرزها تقديم كتاب " دليل المسافر : المسالك الثقافية للمرابطين و الموحدين " المنجز من معهد الشغل و التنمية السوسيو اقتصادية و التكنولوجية بقاديس. ويقدم هذا العمل الذي يقع في 190 صفحة ويعبر مدن طنجة و القصر الصغير و سبتة و تطوان و شفشاون و القصر الكبير و العرائش و أصيلا ، واحدا من المسالك الثمانية للمرابطين و الموحدين . و ينطلق من الصحراء الموريطانية حيث تتقاطع طرق القوافل التجارية للذهب و الملح و العبيد . و يتتبع آثار الملثمين كما كان يلقب محاربي القبائل الرحل لصنهاجة. ويقترح الكتاب الذي تؤثثه صور موثقة لخصوصيات هذه الفضاءات و وصف لمناظرها و تاريخها و اللغات والأصناف الموسيقية المنتشرة بها و فن الطبخ ... وتعميما للفائدة و نظرا لأهمية هذا العمل و قيمته الثقافية أهدت إدارة معهد سرفانتس بمراكش بالمجان لكل الحاضرين نسخا منه. وفي نفس الأسبوع أهدى سرفانتس مراكش ساكنة المدينة عرضا متميزا لفرقة " لوس إينفونكونديبيس " القادمة من إشبيليا بفضاء باب فتوح بالمدينة العتيقة . و هو عبارة عن توليفة رائعة و هزلية بين السيرك و الفكاهة و الموسيقى التي تمزج بين الفلامينكو و الأنغام الكلاسيكية و الروك . و كان من اللحظات القوية في ربيع الاندلس الثقافي الأول بمراكش معرض " ألبوم الحرية " الذي حظي باهتمام كبير من قبل الجمهور الثقافي . حيث قدم صورا حافلة بتفاصيل مدهشة عن التطورالذي عرفته منطقة الأندلس الاسبانية من عهد الديكتاتورية إلى الديمقراطية، والمطبوعة مفارقاته و ضغوطاته و أحلامه في وجوه الناس وحركاتهم وإيماءاتهم . وفيها نعثر على مفاجآت معبرة كصور بعض الشخصيات المؤثرة في التاريخ الإسباني المعاصر و في تطوره الأدبي و السياسي كالكاتب الكبير خوان غويتصوللو الذي يظهر في صورة تعود إلى فترة السبعينيات شابا يافعا بأحد الأحياء الفقيرة بألميريا بمناسبة كتابته عن ظروف البؤس في هذه المدينة على عهد الديكتاتورية ، و صورة الملك الإسباني خوان كارلوس و عقيلته شابين أيضا في قلب حشود من الجماهير المتطلعة للعهد الجديد الذي تلوح ملامحه معهما و صورة الشاب الحالم فيليبي غونزاليس الذي سيصبح فيما بعد رئيسا للوزراء يتوسط عددا من رفاقه . و من الصور المؤثرة التي يقترحها ألبوم الحرية صور وجوه أندلسية تقرأ باهتمام و دهشة خبر وفاة الديكتاتور فرانكو في الجرائد المعلقة باحد الأكشاك و تقاسيم وجوهها تعلن شكلا غامضا من الحزن المتفائل ، حزن على ما مضى مع هذا الرمز القاتم لفترة من المعاناة و تفاؤل لما سيأتي مع هذا الحدث الذي يدل على انقضاء عهد من الاضطهاد و النضال الشجاع من اجل الحرية. كما استضاف معهد سرفانتيس مراكش في إطار نفس التظاهرة فرقة سيركوتو التي قدمت عملها المسرحي "الرغبة " و يحكي هذا العمل الفني عبر السيرك الحركي لقاء بين عاشقين سابقين مشمول بلحظات غضب و فرح و أمل و حلم و حنان و رغبة .و اقترح على جمهور المدينة سهرتين للفلامينكو و ورشات في تدبير الثرات و السياحة الثقافية و في رقص الفلامينكو ناهيك عن معرض لكتب الأطفال و معرض محمية المحيط الحيوي المتوسطي و دورة السينما لأندلسية والعالمية ..