عبر التاريخ، وفي كل زاوية من العالم، أرغم الناس على الهروب من البلدان التي ولدوا فيها وذلك بحثاً عن الأمان من الاضطهاد و/أو العنف السياسي و/أو النزاع المسّلح. ولكن الدول لم تعترف بأن حماية اللاجئين تتطّلب عملاً عالميا منسقاً سوى في بداية القرن العشرين. فكلما وقعت كارثة طبيعية أو انفجرت حرب في أي مكان في العالم, تنقل وسائل الإعلام العالمية مآسي نزوح مئات الآلاف من اللاجئين من منطقة الخطر. وبعد هدوء العاصفة وانشغال وسائل الإعلام بحدث جديد في بقعة ثانية على الكرة الأرضية, تبتعد عدسات الكاميرات والتقارير الصحافية عن المشردين, وتتركهم يلملمون اجزاء ما تبقى من حياتهم المحطمة. وتختلف تفاصيل قصة كل مهجر عن الآخر, لكن المأساة تبقى نفسها: انعدام الأمان اليوم والخوف من المستقبل المجهول. ومنذ عام2001 أقر مجلس الأمن في الأممالمتحدة بأن يكون 20 يونيو يوماً للتذكير بشؤون اللاجئين والاحتفال بصمودهم وانجازاتهم. وفي عامه الثالث، تركز «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» في هذا اليوم على أهمية إعطاء كل مهجر ولاجئ «مكاناً يدعى الوطن». ويقر ناطقون باسم المنظمات الإنسانية من المفوضية السامية إلى منظمة العفو الدولية أن من أكبر المشاكل التي تواجه المهجر من وطنه هو الشعور بالضياع والحاجة إلى مكان جديد يدعى «الوطن», بما يعنيه ذلك من أمان واستقرار. في العالم اليوم أكثر من 70 نزاعاً مسلحاً تغطي 52 دولة وتمس حياة الملايين وكرامة عيشهم. وتبيّن الإحصاءات أن 90 في المائة من ضحايا الحروب والنزاعات مدنيون. وفيما يستطيع البعض العيش تحت ظروف القصف أو الاضطهاد, يجبر آخرون على الفرار من منازلهم وأوطانهم, باحثين عن مأوى جديد لهم بعدما يصبح العيش مستحيلاً في قراهم أو دولهم. وبعد الحرب العالمية الثانية, وما شهده العالم خلالها من مآسٍ وتشريد على نطاق واسع, خصوصاً في أوروبا، أقرت «اتفاقية الأممالمتحدة الخاصة باللاجئين» عام 1951 لحماية اللاجئ الذي عرّفته بأي شخص «بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد لأسباب تتعلق بالعرق أو الديانة أو الجنسية أو الانتماء لفئة اجتماعية معينة أو رأي سياسي ما، يكون خارج بلد جنسيته ولا يستطيع أو لا يود, بسبب هذا الخوف, أن يستفيد من حماية ذلك البلد، أو يكون، لعدم تمتعه بجنسية ولكونه خارج بلد إقامته المعتادة السابقة... لا يستطيع أو لا يود, بسبب هذا الخوف، أن يعود إليه...» (المادة 1 من اتفاقية الأممالمتحدة الخاصة باللاجئين 1951). وبعد مرور 58 عاماً على هذه الاتفاقية، يعتمد الملايين عليها من أجل توفير ابسط الحقوق الأساسية لضمان حمايتهم. ولكن ليس كل من فر من مكان إقامته يعتبر «لاجئاً»، إذ توجد مصطلحات قانونية مختلفة لتصف هؤلاء، من بينهم «النازحون داخلياً» الذين لم يعبروا الحدود الدولية خارج بلدانهم ولكنهم اضطروا إلى الفرار من منازلهم. كما يوجد فرق مهم بين «اللاجئ» و»طالب اللجوء» الذي لم يبت النظر في حالته أو لم يقبل طلبه بعد. ويبين آخر الإحصاءات المتاحة بأن هناك أكثر من 20 مليون شخص يدخلون في نطاق اهتمام المفوضية العليا للاجئين، المعترف بها عالمياً لرعاية المهجرين، أكثر من نصفهم يحملون صفة لاجئ. وتهتم المنظمات غير الحكومية بلفت انتباه المسؤولين الحكوميين إلى معاناة هؤلاء، خصوصاً في يوم اللاجئ العالمي. وقال الناطق باسم منظمة العفو الدولية ل»الحياة» ان أهمية مثل هذا اليوم وفعالياته «إنه يبين المساهمة الايجابية للاجئين في بلدانهم الجديدة، كما يساعدنا في ابراز الأسباب وراء لجوئهم من الأساس». تم إنشاء المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أجل توفير الحماية الدولية للاجئين، والوصول إلى حلول حاسمة لمعاناتهم. وفى بعض الأحوال، يكون من المتوقع أيضاً أن تقوم المفوضية بحماية ومساعدة من هم في وضع اللاجئين، بمن في ذلك فاقدو المأوى داخل أوطانهم، وطالبو اللجوء السياسي، والعائدون (والمقصود بهم اللاجئون العائدون إلى أوطانهم). وتعد الاتفاقية التي تم إبرامها عام 1951 بشأن وضع اللاجئين، والبروتوكول الخاص بها الصادر عام 1967 هما الأساس الشرعي، الذي يحدد، حتى يومنا هذا معايير التعامل مع اللاجئين. وتمثل الاتفاقية والبروتوكول الخاص بها الآلية الشاملة على الإطلاق دولياً لحماية الحقوق الأساسية للاجئين، وتنظيم أوضاعهم داخل الدول التي يستوطنونها. وتواصل المفوضية جهودها لترويج هذه الآلية. كما تبذل مساع حثيثة لدعم نظام الحماية الدولية برغم ما قد تواجهه من تدخل على المستويين المحلى والدولي. وتنصب جهود المفوضية أيضاً على التأكد من التزام الحكومات بالقانون الدولي للاجئين، ليس نصاً فحسب، وإنما روحاً أيضاً. كما تتضمن مسؤوليات المفوضية منع حالات التشريد خارج الأوطان والحد منها، فضلاً عن حماية من لا وطن لهم. ويأتي الوفاء باحتياجات الضعفاء والمشردين كأول وأهم ما تعنيه حماية اللاجئين. وتتركز أنشطة تلك الحماية في ضمان الاعتراف باللاجئين وغيرهم ممن يحتاجون حماية دولية، ومنحهم الملجأ، والتأكد من أن حقوق الإنسان الأساسية الواجب توفيرها لهم محل احترام وفقاً للمعايير الدولية. ومن أجل تحقيق ذلك، تمارس المفوضية عملها في الدول التي يخرج منها اللاجئون، وأيضاً في الدول التي توفر لهم الملجأ. ويتيح العمل في مناطق الحدود، والمعسكرات، والمطارات، ومراكز الاحتجاز، الفرصة لموظفي المفوضية لرصد وتناول المشاكل المتعلقة بحماية اللاجئين، والتي عادة ما يواجهونها أثناء هروبهم، وما يعقب ذلك من عمليات البحث عن ملجأ، وتستمر مسئولية المفوضية أيضاً خلال فترة محدودة بعد عودة اللاجئين إلى أوطانهم. وتتمثل إحدى أهم أنشطة الحماية التي توفرها المفوضية في ضمان حصول طالبي اللجوء السياسي على ما يضمن تطبيق إجراءات تحديد الوضع الجديد لهم، بحيث لا يتم رفض دخولهم على الحدود، وأن تتم حمايتهم، هم واللاجئون، من أن يجبروا على العودة إلى مواطن الخطر. وعادة، ما تقدم المفوضية المساعدة للدول لإرساء إجراءات تحديد وضع ملائمة للاجئين. كما أنها تتولى في بعض الأحوال، القيام بذلك بصورة مباشرة. وفى حالات التشرد الطارئة التي تتسم بالتعقيد، والتي عادة ما يتدخل فيها العديد من نجوم التمثيل المهتمين بالأنشطة الإنسانية، وعدد متزايد من المنظمات الأهلية، بل وحتى قوات الجيش، تلعب المفوضية العليا لشئون اللاجئين دوراً محورياً للتنسيق بين هذه الأطراف. ويتضمن هذا الدور ما يصل إلى توفير مقومات الحياة (من مأكل ومأوى ورعاية طبية ...وما إلى ذلك)، إضافة إلى توفير الحقوق في الحياة مثل الأمان والحرية، وذلك من خلال طرق القنوات الدبلوماسية مع الحكومات، وتعبئة عدد آخر من نجوم التمثيل على المستويين المحلى والعالمي، أو من خلال التدخل الذاتي، كأن تقوم المفوضية بنقل اللاجئين إلى أماكن أكثر أمناً، أو إعادة توطينهم في دولة أخرى. إن التفويض الذي تضطلع به المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة هو مواصلة حماية اللاجئين حتى يتم الوصول إلى حل دائم وقابل للتطبيق لأزمتهم. والحل الأمثل في عموم الأمر هو إعادة هؤلاء اللاجئين طواعية إلى أوطانهم بصورة تنطوي على الأمان وتحفظ الكرامة. وعندما يتم ذلك، فإن المفوضية تركز جهودها في ضمان احترام الحقوق الأساسية للاجئين أثناء عملية عودتهم. وبعد عودتهم تواصل المفوضية عملها مع الدول المعنية، والأشخاص العائدين، والمجتمعات كافة لبعض الوقت، حيث تقوم برصد المعاملة التي يلقاها العائدون، وبدعم إعادة إدماجهم في مجتمعاتهم. غير أنه لا تزال هناك بعض الحالات التي لا تتحقق فيها العودة في ظروف مرضية. ولذلك، يتعين الوصول إلى حل آخر طويل المدى، مثل أن يتم إعادة إدماج اللاجئين محلياً في الدول التي يستوطنونها، أو إعادة توطينهم في بلد ثالث، ويكتسب هذا الأمر أهمية متزايدة في الأوقات التي تواجه فيها الدول تحديات كبيرة تفرضها محاولاتها للتوفيق بين التزاماتها المفروضة عليها بموجب الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين من جهة، والمشكلات الناتجة عن طبيعة حركات الهجرة المختلطة، وسوء استغلال نظام اللجوء السياسي، وتزايد ارتفاع النفقات، والنضال من أجل إظهار التضامن الدولي لحل أوضاع اللاجئين من الناحية الأخرى. وتولى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين اهتماماً كبيراً بدعم القدرة على توفير الحماية لدى جميع إدارات مكتبها الرئيسي. وقد تم مؤخراً منح اهتمام خاص للمكاتب الموجودة في مواقع الأحداث، من أجل مساعدتها على تطوير قدراتها الإدارية، ومسئوليتها عن الأعمال التي يتطلبها توفير الحماية، ومن بينها إعادة التوطين. وفى هذا الإطار، تم تطوير أدوات بعينها من أجل اللجوء إليها بصورة منتظمة، ومن بينها مجموعة «مؤشرات حماية» من شأنها أن تمنح الموقع فرصة أفضل لمراقبة أدائه بشأن توفير الحماية. وسوف ينصب تركيز المفوضية المتواصل على احتياجات الحماية الأكثر إلحاحاً للاجئين من النساء والأطفال (وسوف يتم تحديد أفضل نموذج لتعميم تطبيقه). ونظراً لأن إعادة التوطين تمثل أداة لتوفير الحماية وإيجاد حل دائم لمشكلة اللاجئين، فإنها تعد عاملاً رئيسياً ضمن الإستراتيجية العامة لتوفير الحماية، التي تتبناها المفوضية. ولذلك، يواصل المكتب الرئيسي للمفوضية جهوده من أجل تنويع عدد الدول التي يتم إعادة توطين اللاجئين بها، ودعم البرامج التي يجرى تطبيقها في هذه المناطق من أجل استخدامها على نحو أكثر تنظيماً واتقاناً سعياً للوصول إلى حلول دائمة لمشكلات اللاجئين. وقد تحول المغرب كبلد للعبور، وكذا كنقطة أخيرة نحو دول الشمال وما ترتب عن هذه الظاهرة من إشكالات اجتماعية وثقافية وسياسية لحماية اللاجئين إلى المغرب من دول إفريقية جنوب الصحراء، ومن دول آسيوية هروبا من الأوضاع الاجتماعية والسياسية المتأزمة، كالحروب الأهلية، المجاعة، والفقر والمرض لأجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية في دول الاستقبال... ونجد أن الكثير من بلدان العالم ومنها المغرب ،تتخذ بعض التدابير التقييدية على نحو متزايد لردع اللاجئين ،وقامت الكثير من البلدان بالتنسيق فيما بينها لغايات الحد من قدوم اللاجئين ،دون أن يرافق ذلك التنسيق بحث الأسباب التي دفعتهم إلى اللجوء ،حتى أدت تلك السياسات إلى وصم اللاجئين بأنهم أناس يحاولون التحايل على القانون. ولمعالجة هذه التحديات يحب على المغرب ، أن يدرك أن ملتمسي اللجوء والنازحين دفعتهم أخطار وأسباب خارجة عن إرادتهم للبحث عن مكان آمن، وانه معني بتطبيق الالتزامات المفروضة على عاتقه بموجب الاتفاقيات الدولية ، الأمر الذي يقتضي التعامل مع قضية اللاجئين بأبعادها الإنسانية بعيدا عن المتغيرات السياسية ،سيما وان أرقام اللاجئين وصلت في الفترة الأخيرة إلى مستويات لايمكن المرور عليها مرور الكرام ،بل لا بد من التعامل معها بجدية أكثر،الأمر الذي يفرض تفعيل الآليات الدولية بشكل أفضل وان تقوم الدول بما هو مفروض على عاتقها بموجب التزاماتها الدولية. 1- إن غياب مسطرة وطنية واضحة بمنح نظام اللاجئ له نتائج سيئة على ضمان حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء، فالتشريع المعمول به حاليا - المرسوم رقم 2-57-1256 الصادر في 29 غشت 1957 و القانون 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير الشرعية- مفرغ من محتواه القانوني لأنه لا يمنح المعني بالأمر بطاقة الإقامة والحقوق الأخرى.وقد قامت المفوضية والعديد من المنظمات الغير الحكومية بالمغرب، بسد هذا الفراغ القانوني، لكن هذا لا يشكل حلا مرضيا من وجهة نظر اجتماعية وقانونية. إن التطبيق السليم للاتفاقيات الدولية الموقعة من طرف المغرب لها أهميتها لضمان فعال لنظام اللاجئين المقيمين فوق التراب المغربي بشكل يتلاءم والمعايير الدولية المتعلقة بحماية اللاجئين. المغرب له حق سيادي في مراقبة دخول الأجانب واستقرارهم فوق ترابهن لكن هذا الحق يجب ممارسته مع احترام الاتفاقيات الدولية ودون الإضرار بمصالحه الوطنية. ويبدو أن هناك خللا وظيفيا يتجسد في سوء التدبير من المفوضية فيما يخص تحديد صفة اللاجئ بالمغرب، منها غياب الدقة في معالجة ملفات طالبي اللجوء، عدم تمتع الوثائق التي تصدرها المفوضية بالمصداقية، انحراف في مسطرة منح اللجوء، بطء المسطرة الخاصة بالتحقق من الملفات التي تؤول في النهاية بإبقاء طالبي اللجوء في وضعية اقتصادية هشة وغير مستقرة مدة طويلة. من الأفضل وضع حد للاختلال الحالي وإصلاح الإطار التشريعي والمؤسساتي بعد أكثر من نصف قرن، ويبدو أن هذا الإصلاح يجب أن يندرج في الإطار العام لسياسة الهجرة حتى يمكن مواجهة التحديات وتحولات هذه الظاهرة في علاقاتها مع اللاجئين على المستوى الدولي.