عادة ما اقترن مفهوم كحل الرأس في المتخيل الشعبي وفي الذاكرة الرمزية لأغلب المغاربة، بصفات ذميمة مثل انعدام الثقة والغش والتلاعب، ولا علاق لذلك بالمفهوم الفيزيولوجي,,,, وبلغة إخواننا المصريين الضحك على الذقون، وذلك الى حد الرسوخ وبتعبير آخر الشمتة، لدرجة أن المغاربة أضحوا يسلمون وإلى مستوى الاعتقاد بمسلمة مشهورة أصبحت من الحكم المأثورة عندهم ومجملها: قا لو شمتك قال لو عرفتك، ومرادفه : قرصاتك وداخلت الغار، فكحل الراس رديفا بنيويا لكل ماهو شاذ في اللاعقل أو اللامعقول ، بل اصبح مدخلا بنيويا للتمييز بين المنطق والعبث في المعاملات والتصرفات وردود الفعل، وبتعبير أوضح فهو لصيق للعرب ، وليس المقصود به التمييز بين أشقر وأسود الرأس، وبتعبير أدق، فكل استثناء في العالم وفي الدول العربية التي منها المغرب تسقط عليها عبارة إنه كحل الراس : فحينما يقع هجوم ارهابي في الهند أو السند أو أمريكا أو حتى داخل بعض الدول العربية والإسلامية، فلا ينسب إلى الألوية الحمراء أو الجيش الجمهوري الارلندي، بل إلى كحل الراس,,, وحينما تغتال شخصية عالمية وتصفى جسديا، فإنه ولو طارت معزة كحل الراس وراء التصفية. فكحل الراس أصبح في هذا السياق كابوسا مزعجا واشارة سلبية لكل ماهو شاذ في الحياة . ومايقع من اقتتال دموي حاليا بين الصوماليين والباكستانيين فهو من اختصاص كحل الراس . وحينما يتم السطو على الوكالات البنكية ووكالات تحويل الاموال كما يقع عندنا حاليا في المغرب فهو من اختصاص كحل الراس . ومن غير كحل الراس اللي يقدر يسطو على تاريخ النقابات ويخوصصها، وعلى عرق فقراء العمال والموظفين في التعاضديات وهو يتصبب من الجهد الشريف وتتحول إلى أرصدة برن وجنيف السرية، غير كحل الراس ؟ ومن ينهب المال العام ويبتلع الصفقات ويزور سندات الوعاءات العقارية كما حصل في فاس وحاليا في لفقيه بن صالح..سوى كحل الراس.. ؟ ومن يستولي على أموال الأبناك والمصارف ووكالات تحويل الأموال عبر العالم بالسيوف والسواطير ومختلف الأسلحة غير كحل الراس..؟. ومن يتسلل ليلا لرمي أزبال بيته ونفايته أمام بيت جاره أو في الشارع العام لعقدة نفسية أو.... أو سياسية سوى صاحبنا ذو الشعر الأسود؟ - السطو على تاريخ البلاد وجلد كرامة شهدائها والتحقير بهم بلغة الخشب السلسيوني الضارب في عمق الجهل السياسي... وهي مواقف لا يؤمن بها عندنا إلا كحل الراس وزبانيته، التي تسافر مجانا فوق بساط الريح من فاس الى ردهات محاكم الرباط، من أجل إخراس التاريخ الناصع للمغاربة. ومن اغتال النضال وأعدم رموزه وسفك دماءهم كعمر بن جلون والمهدي بنبركة ..سوى كحل الراس؟ ومن لم يشارك إلى جانب الملك الراحل الحسن الثاني ورموز الحركة الوطنية في بناء طريق الوحدة الوطنية سوى كحل الراس؟ و هل سمعنا ونسمع بساسة الدنمارك أو السويد أو تايوان ...غيروا جلدهم السياسي حينما تقترب محطة انتخابية ورحلوا عن ثقة الشعب وثقة أحزابهم هاربين فوق صهوة حصان أو تراكتور أوو فيل .. وربما غدا حمار ..؟ من الأكيد أنك لن تسمع به إلا عندنا ومع كحل الراس ولا شئ غير كحل الراس؟ تهريب على الطريقة الهيتشكوكية لمؤسسة جامعية من مدينة لأخرى ليس حبا في تقريب العلم من الطلبة، بل حبا في سواد عيون مول من يعد المغاربة بسبع صنايع والرزق ضايع.. ؟ واش كاين شي واحد في العالم ولو كان العميل 007 أو مخيلة أغاتا كريستي وبكل أساليب الجاسوسية المتطورة يمكن ليه يهرب المادة 5 من قانون الأحزاب الى فضاء اللاقانون سوى ..؟ من المسؤول عن تلوث محطاتنا الطرقية وارتفاع حدة الضجيج والاستفزاز بها ، وعن اكتظاظ حافلاتنا الى درجة أن أصبحت مثل الاصطبلات، حاشكم، بدون رقيب ولا حسيب، سوى كحل الراس؟ من شجع ثقافة الكيف وتقرقيب الراس عندنا في هذا البلد السعيد؟، ومن يقترح على مغاربة الريف التداوي بعشبة الكيف لفوائدها الجمة وليذهب مخطط المغرب الأخضر إلى الجميع...؟ إن صفة كحل الراس تعني في المفهوم السياسي من يمتلك الضحك على الناس واستغفالهم من معتقد أنه وحده يملك الحقيقة: حقيقة الوهم السيزيفي الذي سيمكن المغاربة غدا من الزيت والسكر بالمجان أو بالتخفيظ ، وسيعفيهم من أداء فواتير الماء والكهرباء كما سيعفى معطليهم من الإحتجاج أمام البرلمان فالشغل موجود لكل المغاربة تعلموا أو لم يتعلموا، كما أن الدقيق والخبز متوفر وسيوزع عليهم وباستمرار بالمجان ، ولينتظر المغاربة معجزة كحل الراس لما بعد 12 يونيو المقبل لعل السماء تمطرهم رغيفا ولحما وشغلا وعلاجا بالمجان وسفر إلى أروبا بدون تأشيرة ... إن المدقق بواقع المشهد الديمقراطي في المجتمعات العربية سيلمس أن الجانب المؤسساتي الشكلاني للسلطة و وجود انتخابات ودستور ومجلس تشريعي ومنظومات قانونية تتحدث عن الحقوق والواجبات- والخطاب السياسي المدجج بشعارات الديمقراطية ،كان لهما الغلبة في توصيف المشهد بالديمقراطي أكثر من توفر ثقافة الديمقراطية ومن انعكاس الديمقراطية حياة كريمة للمواطنين. ما يجري من سلوكيات وأنماط تفكير وتطبيقات للديمقراطية يتطلب إعادة النظر سواء بمفهوم الحرية كشرط ضرورة لأي ممارسة ديمقراطية أو بالنسبة للديمقراطية كثقافة أو بالنسبة لعلاقة السلطة بالمعارضة وبالمثقفين وبالحريات بشكل عام وحتى بالنسبة لمقولة أن الشعب يريد الديقراطية. لا نروم من خلال القول بإعادة النظر، التخلي عن الديمقراطية بل إعادة النظر بفهمنا وبممارستنا للديمقراطية والابتعاد عن محاولات استنساخ التجربة الغربية أو الجري وراء أوهام الدلالة اللغوية للكلمة،وأن نأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي تطرأ على علاقة النظم السياسية بالخارج و بالمتغيرات التي تطرأ على المشهد الثقافي في مجتمعاتنا وخصوصا ظاهرة المد الأصولي والعنف السياسي أو الإرهاب وبروز الجماعات الطائفية والإثنية ،التي كانت تشكل ثقافات فرعية غير مسيسة وبالتالي لم تكن حاضرة كقوى سياسية عندما بدأت النخب السياسية العربية تتعامل مع ظاهرة الديمقراطية قبل عدة عقود. من خلال تجربة العقود الأربعة الماضية في البحث عن مخارج ديمقراطية لأزمات مجتمعنا العربي ،ومن خلال ما يجري على الأرض اليوم من حراك سياسي يستظل بظل شعارات الديمقراطية، أو ما يجري في فلسطين و العراق من إقامة أنظمة (ديمقراطية) في ظل الاحتلال وفي ظل وجود جماعات وشعب مسلح ،من خلال كل ذلك فأن الحاجة تدعو لإعادة النظر إما في مفهوم الديمقراطية المتعارف عليه أو في توصيف ما يجري بأنه تحول ديمقراطي. إن سؤال: هل توجد ديمقراطية في العالم العربي أم لا؟أصبح متجاوزا أو من الصعب الإجابة عنه انطلاقا من المقاييس والمؤشرات التقليدية حول وجود أو عدم وجود ديمقراطية. الديمقراطية الموجودة في غالبية الأنظمة العربية القائلة بها ليست تعبيرا عن إرادة الأمة بقدر ما هي استجابة-بالمفهوم الإيجابي والسلبي للاستجابة- لاشتراطات خارجية وتحديات داخلية ليست بالضرورة تعبيرا عن توفر ثقافة الديمقراطية.باستثناء أربعة أنظمة - العربية السعودية وليبيا وعمان والسودان- لا تدعي بأنها ديمقراطية،فبقية الأنظمة العربية تصنف نفسها بأنها ديمقراطية أو تسير نحو الديمقراطية أو لا تعارض الانتقال الديمقراطي وفي جميع الحالات سنجد ما يربط كل نظام سياسي بآلية ما أو مظهر ما من مظاهر الديمقراطية كوجود انتخابات أو دستور عصري أو مؤسسات تشريعية أو تعددية حزبية الخ ،ومع ذلك يبقى السؤال: أية ديمقراطية توجد في هذه الأنظمة؟ قد نبدو مبالغين إن قلنا بأن لكل نظام عربي تصوره وتطبيقه الخاص للديمقراطية ،ولكن واقع الحال يقول بوجود عدة مداخل أو نماذج للديمقراطية وبعضها غير مسبوق تاريخيا ويعتبر اختراعا عربيا بجدارة ،وفي هذا السياق يمكن التحدث عن الأنماط أو الأشكال التالية: 1- أنظمة ديمقراطية تحت الاحتلال (ديمقراطية خارج السياق) وهذه تمثل سابقة فلأول مرة يُطرح التحدي الديمقراطي على مجتمع وهو تحت الاحتلال ،فالاحتلال نفي لإرادة الأمة فكيف يمكن لشعب أن يؤسس نظاما ديمقراطيا دون أن يكون حر الإرادة.هذا الشكل من الديمقراطية يعتبر خارج السياق ،خارج سياق حركة التحرر حيث يفترض توحد الشعب في مواجهة الاحتلال وليس صراع الشعب والأحزاب من اجل سلطة تحت الاحتلال ،وخارج سياق لعملية الديمقراطية بما هي شكل من أشكال حكم الشعب الحر والمستقل الإرادة. فلسطين والعراق نماذج على ذلك. يتبع