جاءت تصريحات أوباما يوم الثلاثاء الماضي حول الانبعاثات التي تطلقها عوادم السيارات لتؤكد التزاماً قديماً للإدارة الأميركية الحالية يتعدى مجرد إعادة تنظيم صناعة السيارات. فالخطوة تندرج في إطار استراتيجية شاملة للبيت الأبيض تستهدف التصدي للاحتباس الحراري من جهة، وجعل الوظائف المرتبطة بالطاقة البديلة ركناً أساسياً في الاقتصاد الأميركي. وبالنسبة للأميركيين العاديين قد تكون مثل هذه التغيرات المصاحبة لسياسة البيت الأبيض حاسمة، حيث إنه من المتوقع أن تصبح السيارات الخفيفة أكثر شعبية وتوجه الضرائب لدعم تكنولوجيا الطاقة، ولسنوات قادمة سيجد خريجو الجامعات أن فرص العمل الجديدة تكمن في المساعدة على إبطاء الاحتباس الحراري والحفاظ على سلامة كوكب الأرض. وفي تصريح أوباما يوم الثلاثاء الماضي الذي أعلن فيه عن خططه للحد من انبعاث الكربون من السيارات الأميركية، وذلك لأول مرة، قال: «إن الاتفاق الذي توصلنا إليه اليوم هو جزء من جهد أكبر» وبمقتضى الخطة سيتعين على السيارات الوصول إلى معدل استهلاك للوقود في حدود 35.5 ميل للجالون الواحد بحلول عام 2016 . كما دعا أوباما أيضاً إلى «استثمارات تاريخية في اقتصاد الطاقة النظيفة». وتمثل الاستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها أوباما مبادرة جريئة وطموحة لبلد يعيش ركوداً اقتصادياً، ولحكومة تعرف عجزاً كبيراً في الموازنة، ولرئيس يسعى إلى إصلاح نظام الرعاية الصحية الأميركي ذي التكاليف الباهظة. ويعتقد أوباما أن السبيل الأمثل للخروج من التعثر الاقتصادي هو التركيز على التكنولوجيا الجديدة التي يمكنها دفع عجلة الاقتصاد في السنوات القادمة، وقد تحول الرئيس يوم الثلاثاء الماضي إلى ما يشبه المروِّج لفكرة الحد من نفقات الوقود التي ستسمح للمستهلك الأميركي بادخار مصاريف الانبعاثات الإضافية ليستطيع في غضون ثلاث سنوات شراء سيارة جديدة. وبالطبع ستكون المنافع المترتبة على خطوة أوباما بالنسبة للبيئة والأمن القومي في مجال الطاقة كبيرة وملحوظة، فبالإضافة إلى ما تتسبب فيه صناعة السيارات من إطلاق 17 في المئة من غاز ثاني أكسيد الكربون في الولاياتالمتحدة، يقول أوباما إن خطته ستقلص استهلاك أميركا للنفط بمعدل سنة كاملة من الواردات النفطية التي تحصل عليها من أربع دول أساسية مصدرة للنفط بما في ذلك السعودية. ومع ذلك يشير الخبراء إلى تعقيدات الطريق الطويل الذي سيتعين على أميركا قطعه قبل أن تتمكن من قيادة العالم تجاه مستقبل تقل فيه انبعاثات الكربون، وما الاتفاق الذي توصل إليه أوباما مع شركات السيارات سوى الخطوة الأولى على هذا الطريق الشاق والمديد. وفي هذا الإطار أيضاً يدرس الكونجرس إمكانية سن تشريع جديد يحد من الاحتباس الحراري يتم بموجبه وضع نظام لبيع تراخيص الانبعاث المسموح به للشركات بحيث يتحول النظام إلى طريقة فعالة لترشيد استخدام الوقود الأحفوري من قبل الصناعات المختلفة. وفيما يرى المؤيدون لسياسة أوباما أن فوائد بيع تراخيص الانبعاثات، ووضع معايير للسيارات، تفوق بكثير تكاليفها المفترضة يرد المعارضون من نواب الكونجرس »الجمهوريين« بأن خطة أوباما قد تضر بالنمو الاقتصادي في الوقت الذي تتجرع فيه البلاد ركوداً قاسياً. وفيما يركز أوباما على الوظائف الجديدة التي سيتم استحداثها يركز المعارضون على تلك التي سيخسرها العمال بسبب الحد من انبعاث الكربون وتأثير ذلك على الشركات. وتتوقع بعض التحليلات أن تشهد السنوات القادمة انتعاشاً كبيراً في الوظائف الخضراء. وحسب توقعات جمعية الطاقة الشمسية في أميركا فقد تعرف الوظائف المرتبطة بالطاقة المتجددة، أو ترشيد استهلاكها، ارتفاعاً خلال السنتين القادمتين قد يفوق بأربع مرات عدد الوظائف التي وفرها القطاع في عام 2006 والمقدرة بحوالي 8.5 مليون وظيفة، بما في ذلك الوظائف غير المباشرة مثل المحاسبين وسائقي الشاحنات الذين يعملون في شركات الطاقة. ويتفق مع هذا الطرح جون تشالينجر ، خبير التوظيف الذي يؤيد تلك التوقعات، معتبراً أن الطلب على الوظائف الجديدة سيعتمد على أسعار النفط من ناحية والسياسات الفيدرالية من ناحية أخرى. فالوظائف الخضراء يقول الخبير«قد تتيح الفرص الأهم لجيل كامل من خريجي الجامعات». وسواء نجحت خطط أوباما في تسهيل التعاون بين الحكومة والشركات الخاصة في مجال الطاقة النظيفة، أم لم تنجح، فسيكون فريقه قد تمكن على الأقل من خلق زخم مبكر بشأن تطوير الطاقة البديلة، وقد خاطب حكام الولايات والمدافعين عن البيئة ومديري الشركات وزعماء الاتحادات النقابية الذي وقفوا إلى جانبه في حديقة البيت الأبيض أثناء إعلانه عن خطته قائلا: «أعرف أن البعض منكم رفع قضايا على بعض آخر، لكن هؤلاء القادة الذي جاؤوا من جميع أنحاء البلاد مستعدون لتنحية خلافاتهم جانباً، من أجل الرهان على المستقبل». ويساند هؤلاء المتدخلون على اختلاف مشاربهم ومصالحهم خطة أوباما من أجل اقتصاد أنظف وأقل تلويثاً للبيئة لأسباب متعددة، فبالنسبة للمدافعين عن البيئة تمثل المعايير الجديدة انتصاراً واضحاً لمطالبهم الداعية إلى فرض قيود على انبعاث الكربون والحد من الاحتباس الحراري. وأما بالنسبة لشركات السيارات فقد رحبت هي الأخرى بخطوة أوباما لأنها تبقى على الأقل أكثر وضوحاً من الاقتراحات السابقة، وفيما كانت بعض الولايات مثل كاليفورنيا تسعى قبل إعلان أوباما إلى سن قوانينها الخاصة بحماية البيئة ووضع معايير مستقلة جاءت سياسة أوباما المعلنة لتوحد المقاييس على الصعيد الفيدرالي. > عن «كريستيان ساينس مونيتور»