رصدت الولاياتالمتحدة في شهر مارس الماضي مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يقبض أو يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على أحد كبار قادة «طالبان» الباكستانيين هو «بيت الله محسود». ومع ذلك فإن الخطر الحقيقي الذي يواجه «محسود»، ليس هذا الذي يأتيه من جانب الولاياتالمتحدة، وإنما من جانب منافس صاعد من قبيلته المحلية التي تعيش في الجزء الشمالي الغربي من باكستان، خاصة أن صراع القوى الناشئ بين «محسود» ومنافسه، يمكن أن يصرف أنظار مسلحي «طالبان» المنتشرين على امتداد الحدود مع افغانستان، ويشغلهم عن شن هجومهم الربيعي المرتقب ضد القوات الأميركية والقوات الحليفة لها. ومن المعروف أن«محسود» يرأس جيباً من الجيوب الثلاثة الرئيسية لمقاتلي «طالبان» في باكستان، وأن المنطقة الوعرة التي يعمل منها في جنوب «وزيرستان» توفر قاعدة انطلاق للهجمات -التي تتم عبر الحدود- في جنوبأفغانستان، ومخبأ مشتبهاً فيه لنشطاء «القاعدة». وخصم «بيت الله محسود»الجديد المدعو «قاري زين الدين محسود»، توحد مع مجموعة منشقة أخرى، وأرسل رجاله لقطع الطريق على تحركات «بيت الله» والتحريض على انتفاضة شعبية ضده. ويقول «محمود شاه» مسؤول الأمن السابق في المنطقة الحدودية المحتقنة، المعروفة باسم «المناطق القبلية المدارة من قبل الحكومة الفيدرالية»: «أعتقد أن بيت الله محسود يشعر الآن بأنه قد بات مقيد الحركة جراء نشاط منافسه. وعلى رغم أن زين الدين يظل أقل تنظيماً من محسود إلا أنه يكتسب المزيد من الزخم والشعبية بين المقاتلين المحليين، يوماً بعد يوم». وعلى رغم أن الانقسام بين الرجلين يثير آمالا لدى الأميركيين و«الناتو» بإمكانية استغلال النزاعات القبلية لإنهاك «طالبان»، إلا أن المحللين يقولون إن هناك حدوداً لاستخدام سياسة فرِّق تسد التي تمكنت «طالبان» من الالتفاف عليها من خلال تقويضها لأبنية السلطة القبلية التقليدية، ومقاومتها لمحاولات المساومة من جانب إسلام آباد أو واشنطن. ويرجع تاريخ الانقسام القائم بين «زين الدين» و«بيت الله» إلى مارس 2008، وذلك عندما قتل مهاجمون في مدينة «تانك» المدعو «محمد يوسف» وهو من كبار أعيان عشيرة «شامنخل» وعم زين الدين في الوقت نفسه، في نطاق حملة استهداف أعيان القبائل التي تشنها «طالبان» في سياق جهدها الرامي للتوسع. وبعد ذلك التاريخ بأيام، أطلق مسلحون النار على شقيق «بيت الله» الصغير «يحيى خان محسود» وأردوه قتيلا. وقبل وقوع هذا الحادث، كان «زين الدين»عضواً رئيسياً في القوة المقاتلة ل«بيت الله»، أما الآن فقد بذرت أعمال الانتقام المتبادلة بين الطرفين بذور عداوة كاملة بين الرجلين وعشيرتهما. وفي هذا الإطار حذر «بيت الله» منافسه «زين الدين» من خلال رسالة تم توصيلها إلى الأخير عبر بعض أعيان العشيرة بأن يستعد ل«صراع دموي» إذا ما انقضت المدة النهائية التي كان قد حددها لاستسلامه -استسلام زين الدين- والتي كان محدداً لها 15 إبريل الماضي. ومما قاله «بيت الله» أيضاً في رسالته: «يجب على المحايدين من السكان البقاء داخل بيوتهم بعد انقضاء هذا التاريخ، وأي أحد سيقف في طريقنا سنسحقه». وفي أواخر الشهر الماضي وزع أنصار «زين الدين» منشورات في مدينة «تانك» التي تعتبر مدخلا لمنطقة جنوب وزيرستان المشتعلة محرضاً سكانها على الانضمام إليه من أجل طرد «بيت الله محسود» من المنطقة. ويرى «شاه» المسؤول الأمني السابق المذكور أعلاه، أن زين الدين حاول تجريد «بيت الله محسود» من أوراقه الإسلامية كما يتبين من تساؤله في هذا المنشور: كيف يدعي محسود الإسلام ويسمح لنفسه في الوقت نفسه بخوض حرب ضد جيش باكستان وهي دولة إسلامية؟ ويرى المراقبون أن زين الدين لديه القدرة على إبقاء بيت الله منشغلا من خلال خوض مواجهة جدية ضده. فعلى رغم أن مصادر الاستخبارات الباكستانية تقدر أن قوة «زين الدين» تتراوح ما بين 2000 إلى 3000 مقاتل وهو عدد يقل كثيراً عن قوات «بيت الله» التي تتراوح ما بين 10 آلاف إلى 13 ألف مقاتل إلا أن المعضلة التي يواجهها «بيت الله» هي أن قواته تتناقص باستمرار في الوقت الذي يزداد فيه حجم قوات زين الدين. ويعتقد »رستم شاه محمود«، السفير الباكستاني السابق لدى أفغانستان، أن أي قتال يدور وجهاً لوجه بين الجانبين سيخلق مشكلات (لا يمكن تخيلها) لبيت الله، لأن زين الدين يحظى بدعم كبير من السكان المحليين. ويقول الخبير الأمني المذكور «محمود شاه» إنه «إذا ما وقع صدام بين بيت الله محسود، وقاري زين الدين، فإن هذا الصدام سيؤدي إلى مذبحة في صفوف طالبان في أجزاء أخرى من المنطقة القبلية المدارة فيدرالياً في باكستان». وعلى رغم أن مثل هذا الاقتتال الداخلي قد يفيد القوات الأميركية والباكستانية في المدى القصير، إلا أن بعض المحللين يعارضون رؤية إسلام آباد وواشنطن في موقع الداعي إلى تشجيع مثل هذه الانقسامات. وفي هذا الاتجاه يرى «إعجاز خان»، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيشاور، أن: «هذه الاستراتيجية قد تحقق مكاسب في المدى القصير، أما في المدى المتوسط، فستؤدي إلى ظهور العديد من أمراء الحرب والجماعات المسلحة التي ستتحد مع بعضها بعضاً، وتعمل ضد الحكومة مما يزيد الموقف هنا تأزماً». ويرى »خان« كذلك أن مكمن المشكلة أن «طالبان» باستهدافها لأعيان القبائل قد جعلت من الصعب ظهور أعيان قبائل جدد. ولذلك فمن الأفضل إدخال مؤسسات الدولة الحديثة، وقوات الأمن، والمحاكم، والأحزاب السياسية، إلى هذه المنطقة التي ظلت تتمتع حتى الآن بقدر كبير من الحكم الذاتي الذي كان يديره هؤلاء الأعيان. ويذهب محللون آخرون إلى أن هناك أعياناً آخرين سيبرزون تدريجياً ولكن العملية ستأخذ وقتاً، علاوة على أنها ستتطلب إزالة الخوف من »طالبان« من قلوب السكان. فتحول المشاعر ضد »طالبان« بسبب ما ارتكبته من أعمال في هذه المناطق، هو العامل الذي يمكن أن يدفع هذه العملية قدماً إلى الأمام، كما أنه أيضاً السبب الذي يفسر الشعبية المتزايدة والقوة المتصاعدة التي يكتسبها «زين الدين» على حساب «محسود». عن «كريستيان ساينس مونيتور»