أسدل الستار على فعاليات المهرجان الوطني الثامن للفيلم التربوي الذي نظمته أكاديمية فاس- بولمان للتربية والتكوين وذلك أيام 17، 18 و19 أبريل 2009 بفضاء المركب الثقافي الحرية. فعاليات نشطت على مدار ثلاثة أيام بكثافة وإحكام بسبب من خبرة مكتسبة أنضجت شروط التنظيم، وارتقت بجملة من أساسيات الاتصال والتواصل، ثم توجت بتخصيص حصة معتبرة في اليوم الختام بتكريم الفنان المغربي محمد التسولي، وهي التفاتة كريمة تحسب للأكاديمية. في سياق المهرجان، وبإيعاز منه وتحريض جميل، حجت مختلف الأكاديميات للتربية والتكوين إلى فاس حيث نزلت ضيفا أنيقا ونبيلا على المهرجان الذي تساهم في بناء ملامحه وسماته كل سنة من خلال إسهامات تلامذتها، وأطرها التربوية، ونواديها السينمائية، بالممكن والمتاح الأدبي والمادي (اللوجستيكي)، والمتطلع إليه والمرغوب فيه التربوي السينمائي. إن الفضل في هذا العرس التربوي السينمائي الذي يشكل لحظة ضوء في سماء فاس كل ربيع، يعود في البدء والختام إلى همة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة فاس/ بولمان، التي جعلت من وكدها، وحملت على عاتقها مسؤولية الدفع بالمنتوج الفيلمي التربوي المدرسي، إلى التخوم المتوخاة على رغم إدراكها محدودية الدعم، وشح الموارد، وضآلة الوسائل السمعية البصرية، وافتقار المؤسسات التربوي إلى فضاءات تفسح للصورة المجال، و تمنع للخيال السينمائي الإمكان الأدبي والمال. وإذًا، لماذا كل هذا الإصرار على هذا الرهان ما دام أن الشح والفقر، والتقتير يجتاح الميدان؟ ليس فتحا القول بأن الأزهار لا يتينع ولا تزهو وتزدان بالملاحة والتضوع والأريج ما لم يَحُطْهَا الشعاع والسماد والريح والندى والطل والماء؟ وكذلك الفيلم التربوي، إذ بدأ في الملتقيات الوطنية السالفة مُحْتَشما متعثرا يشكو من قلة حيلة وماء، ومن وعثاء السير والعرج، ثم ما لبث أن تقوت أجنحته، فتحرر من الوعثاء بالإرتفاع النسبي.. وبالرفرفة والطيران. لسنا مندفعين، ولا عُمْيًا غيرَ مبصرين، فالغث يتسلل أحيانا إلى المهرجان، ولم يسلم منه حتى الأخير، فيصيب العين بالقذى، والجمال بالإملال والخدوش. ومع إدراكنا ?كما أَوْمَأْنا- عسر التموضع، والإكراهات الحافة بالمسير السينمائي النبيل والجميل، وقصر ذات اليد، وانزواء أطراف معنية بعيدا عن المناصرة المالية، والدعم المعنوي، والإسناد اللوجستيكي، مع إدراكنا ذلك، فإن الأمر لا يعفينا من تقديم النقد الباني والضروري لفكرة الفيلم التربوي التي صارت واقعا نعرفه ونتداوله ويحضره فنانون مغاربة، ونقيم له مهرجانات، تعقبه وجهات نظر وتوصيات، النقد الباني والموجه من حيث كونه وسيلة وهدفا، أي من حيث اعتباره تقويما وتقييما : تقويما للأعمال السينمائية المعروضة والمتبارية في مُستواها العام بما يسند أَوَدَها، ويُقَوّمُ اعوجاجها، ويُثَقّفُ انْْثلامها شكلا ومحتوى، بما يفيد : هل أن هذه الأفلام القصيرة تتوافر على الحد الأدنى من متطلبات الهاجس السينمائي المصاحب، والمقومات الفنية في تَمَظْهُرها الخام على أقل تقدير، والتقييم كمرحلة أعلى لا مندوحة عنها تسائل الفيلم التربوي في بعده الشاعري، وعن مدى توافره على أبعاد جمالية مخصوصة، وعناصر فنية متشابكة ومندغمة من تصوير وتلوين ومؤثرات صوتيه، وموسيقا، أو تأثيث صمتي بليغ تقترب به من الحدود الدنيا للصناعة السينمائية، والفرجة الماتعة. وبإجمال : هل نجح الفيلم المعروض في تحويل الخطاب التربوي، أو الثيمه المعالجة، إلى لغة سينمائية بالدرجة الأولى. ولعل في هذه الإشارات العجلى التي أسوقها، ما يحيل عن طريق الاستضمار والاستبطان ? على الكلمة الموجزة والعميقة للجنة التحكيم التي حجبت الجائزة الكبرى، أو جائزة العمل المتكامل للفيلم التربوي، مُقرّةً بفقر جمالي عام تشكو منه جل الأفلام التربوية المتبارية، أو ما يمكن تبسيطه بالقول : شحوب على مستوى الإمكانات التعبيرية، ونقص على مستوى المكونات التقنية السينمائية. ليس في كلام اللجنة الموضوعي التي تشكلت من سعد شرايبي رئيسا، ومحمد عز الدين التازي مقررا، وعضوية كل من محمد الدرهم وفاطمة لطفي ومحمد الشوبي، ما يشي بالتحامل أو التنقيص أو التبخيس من الجهد المبذول. كما ليس فيه إغماضةَ ما عن الشروط التثبيطية التي يشتغل في جمرها نساء ورجال التربية، والتلاميذ بعامة، أو تغافل عن واقع البنية التحتية لمؤسساتنا التربوية التي تدعو -في غالبيتها- إلى الرثاء، وتحمل على الأسى والحسرة. على العكس من ذلك، إنها تعبير عن غيرة مكينة، واستاذية مجربة ورفيقة تختزن، في منحاها العام ? توجيها لطيفا إلى وجوب إيلاء المزيد من الهم والإهتمام و الإنهمام بالجمال عبر صقل اللغة، وتشذيب الخطاب، وتمهين الصورة التي أصبحت قوام البلاغة الجديدة، وحمالة ثيمات وموضوعات، وواسطة ثقافية وحضارية لا غنى عنها في التخاطب الوجيز، والتواصل البرقي الأنيق والعميق بين الأفراد والجماعات. لا يملك المرء إلا أن يعبر عن البهجة والسعادة وهو يرى فنانين صغارا وغضاضا يتشكلون وينشأون، وهم يتموقعون ويتموقفون عبر اللغة والصورة والحركة، والإيماءة، متقمصين أدوارًا مختلفة فنية وحياتية، إذ أن الفيلم هو الواقع مكثفا ومُقَطّرا ومختزلا، مجزوءا ومشطورا ومتشظيا ومركبا في الصورة وعبرها، كئيبا أو منشرحا بمقدار ما عُبّيءَ به من تخييل وخيال ومخيال. وليس من شك في أن المعاودة والممارسة والإصرار على التصليح والتعديل، والحذف والاستزادة، توصل إلى المهنية والاحترافية، وتُبَوّيءُ المهرجانات القادمة، المكانة المحلوم بها : أي أن تعكس التسمية واقع الأفلام المعروضة، وحقيقة السينما المدرسية، بما يعني أن يرتفع العرض السينمائي التربوي إلى حقيقة المصطلح أو مجازه على حد سواء. ولا إخال الشرط المطلوب الذي ورد في كلمة لجنة التحكيم، والذي مفاده أن تصاحب الاستشارة الفنية لذوي الشأن السينمائي العارف بأسرار المجال، عمليات الفرز على مستويات أولية ووسطية قبل أن تصل إلى الإنتقاء النهائي الذي يمكنها من ولوج بوابة المنافسة والتباري المستحق على الجوائز المرصودة. ولابد أن نشير ?خطفا- إلى الورشتين التكوينيتين التقنيتين اللتين دارتا- تباعا- حول الوقوف أمام الكاميرا، و المونتاج- واللتين كانتا ?على التوالي- من تأطير الفنانة القديرة نعيمة المشرقي، والمخرج التلفزيوني محمد النجم. كما لا يفوتنا ذكر الندوة الوطنية التي دأبت الأكاديمية على تنظيمها متساوقة مع العرض السينمائي، التي ساهم فيها الصديقان الناقدان والمبدعان، حمادي كيروم، ومحمد شويكة، ونشطها باقتدار الصديق الشاعر عدنان ياسين. بقي أن نقول إن التقديم في الافتتاح كما في الاختتام، كان فجا ومرتبكا ومرتجلا بالمعنى السلبي لكلمة ارتجال، فماذا حصل لمجيدة بنكيران، ورشيد فكاك؟ وختاما، وعلى سبيل الحيرة والسؤال : هل من الضروري أن نُخْضع الإبداع السينمائي- مطلق إبداع- لثيمة معينة تكون في الأصل- شعارا يُسْتّلُ من برنامج استعجالي للوزارة، أو من منتديات إصلاحية، حتى نضفي الصدقية التربوية على مهرجان سينمائي؟ الأحرى أن ندع مائة زهرة تتفتح عابقة بمائة عطر وعطر، ومائة لون ولون، وما لا يحصى من وضاءة وجمال. أما البعد التربوي، فإن الفيلم يحمله، وأعطاف المحكي التصويري يقدمه ويَتَنَشّقُه. أفلا يعتبر اقتراح شعار موضوعاتي للتباري، إلجاما للصهيل، وخنقا للإرادة الحرة، ومصادرة على الإبداع بالتالي؟ يكفي أن هذه الأفلام تأتينا من المؤسسات التربوية حتى ندرك أنها خارجة من معطف النبل، محاولة تهشيم مرآة الواقع بتعريته، وتأثيثه بالجمال، أليست غيمة وردية ماطرة من غيمات ماياكوفسكي، وفراشة منبعثة من لحية والت وايتمان؟ ووشما بهيا أطلسيا، وَتبْرا صحراويا ميثولوجيا، ولا زَوَرْدا فيروزيا من المحيط والمتوسط ببلادنا؟ فاس في، 22 أبريل 2009