«كنا نعرف أن البرنامج، شأنه في ذلك شأن أي شيء في واشنطن، سيتسرب في النهاية، وأن وكالتنا والعاملين فيها سيجري تصويرهم على نحو غير دقيق، وفي أسوأ صورة ممكنة» كتب هذه الكلمات مدير الاستخبارات المركزية الأميركية السابق 'جورج تينيت'، وذلك في كتابه المعنون 'في عين العاصفة' الصادر منذ عامين. وفي هذا الكتاب، تنبأ 'تينيت' بالجدل المحتدم الذي يدور في واشنطن هذه الأيام، بعد التقارير التي صدرت مؤخراً عن 'أساليب الاستنطاق الخشنة' التي كانت تلجأ إليها الوكالة، ومع إفراج إدارة أوباما عن مذكرات إدارة بوش السرية حول استجواب المتهمين، وتعود بي الذاكرة الآن إلى أوقات قريبة من نهاية الحرب الكورية، حيث كنت أعمل كمحقق في فيلق الاستخبارات المضادة التابع للجيش الأميركي، بعد أن حصلت قبلها على تدريب على كيفية انتزاع المعلومات من أفراد العدو الذين يتم التحقيق معهم من خلال تطوير العلاقة بهم، وليس من خلال القوة التي عادة ما تنتج عنها معلومات استخبارية مشكوك فيها? وبعد ذلك التاريخ بعقود، صادف وجودي في واشنطن وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث رأيت رأي العين حجم الفزع الذي سيطر على السكان بعد مصرع ما لا يقل عن 3000 شخص في الهجوم على برجي مركز التجارة في نيويورك والبنتاجون في واشنطن، ولنا أن نتخيل آنذاك، كيف كان الوضع في البيت الأبيض الذي كان الرئيس قد استمع فيه قبل شهر واحد من وقوع تلك الهجمات إلى' إيجاز' للسي، آي، إيه عنوانه: 'أسامة بن لادن مصمم على ضرب الولاياتالمتحدة'، وفي أكتوبر ،2001 أي بعد أقل من شهر من وقوع تلك الهجمات، كتبت مقالا قلت فيه إن هناك أحاديث تتردد عن ممارسة تعذيب، وعن احتمال إرسال المشتبه بهم إلى دول معروف عنها اتباع مثل هذه الوسيلة في الاستجواب، والآن، وبعد مرور كل هذه السنوات على هجمات 'القاعدة' على الولاياتالمتحدة، تلاشت ذكريات الفزع الذي ساد في نيويوركوواشنطن لتحل محلها سجالات محتدمة حول التعذيب والمحاكمات، ولجان الحقيقة، وكان بمقدور 'تينيت' أن يتنبأ أيضاً في كتابه بثقة بأن الإلغاء الحتمي لبرنامج 'سي،آي،إيه' سيولّد ردود فعل مثل هذه في الكونجرس، وبين الجمهور، مستشهداً بأن ذلك قد حدث للوكالة عدة مرات من قبل، والحال أن 'سي،آي،إيه' تحملت، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، معظم النقد لعدم زرعها مخبرين داخل تنظيم 'القاعدة'، ولكن لم يكلف أحد خارج الوكالة نفسه آنذاك النظر إلى التجارب السابقة ومنها تجربة غواتيمالا، في ثمانينيات القرن الماضي، التي قامت فيها بزرع ضابط جيش كي يعمل مخبراً لها وسط صفوف المتمردين، فقام بقتل أحد هؤلاء المتمردين الذي تصادف أنه كان متزوجاً بمحامية أميركية تدعى 'جينيفر هاربري' وليست هذه هي الحالة الوحيدة بالطبع لقيام الوكالة باستخدام أشخاص مشبوهين للعمل كمخبرين بالطبع، ففي الوقت الذي كانت الوكالة تنفذ فيه برنامجها القائم على اتباع وسائل استجواب خشنة بعيداً عن رقابة الرأي العام، كانت لجنة الحادي عشر من سبتمبر تستخدم تعبير 'تجنب الخطر' أي تجنب تجنيد أشخاص خطرين في مجال وصفها للأسباب التي حالت بين الوكالة وبين تجنيد مخبرين داخل تنظيم 'القاعدة'، مما أدى -ضمن أسباب أخرى- إلى القصور الاستخباري الذي ساعد التنظيم على تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبما أن التداعيات بعيدة الأمد للجدل الذي يجري في الوقت الحالي ستقع حتماً على عاتق الوكالة في النهاية، فإن هذه العودة للتاريخ التي قمت بها، قد لا تكون بمثابة فأل حسن لأولئك الناس الذين يعملون في المقر الرئيسي للوكالة. كاتب أمريكي متخصص في شؤون الاستخبارات والأمن القومي. عن «لوس أنجلوس تايمز»