قبل 2007 تمرن بنموسى في محاولة استطلاع رأي المغاربة من المشاركة. ونحن الذين اعتبرنا دوما أن الداخلية وزارة سماوية، تقرأ الطالع وتفك الشيفرة السياسية صدقناها، بالرغم من كل أسباب التكذيب التي تراكمت منذ أيام المحمدي وأوفقير. وصدقنا أن 70 % سيتوجهون الى المعزل الانتخابي في ذلك اليوم. وعوض المعزل توجهوا إلى العزلة، واعتزلونا جميعا، دولة وأحزابا وداخلية.. ربما اعتمدت الداخلية على أعوانها، فإذا بنا نجدهم يتصرفون إلى جانب أصحاب المال، وربما خبأوا الحقيقة عن وزيرهم حتى يتمكنوا من ضبط عدد السكان في يوم الاقتراع. لقد باعوا له القرد وضحكوا على من اشتراه. المغاربة لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، ولكنهم لم يتوجهوا إلى البحر يومها. المغاربة ذهبوا إلى هواجسهم ووساوسهم وارتكنوا إلى هامش المؤسسات، يفلون ويمزقون الأصوات ثم يعيدون ترقيعها، دون أن يستخرجوا منها ما يجب.. والذين تعودوا على غياب المغاربة أو عملوا كل شئ من أجل أن يظلوا غائبين، فركوا أياديهم وابتسموا طويلا أمام الكاميرات، ومنهم طبعا من ملأ الفراغ في الصناديق ... بالفراغ في المؤسسات. لقد فضل المغاربة أن يتنازلوا عن سيادتهم الشعبية عوض أن يسلموا بوجود السفهاء في الديموقراطية.. لقد انتظروا الديموقراطية فجاءهم ....شباط، وانتظروا السيادة الشعبية فجاءهم ولد العروسية، وغدا سيكون لكل واحد تلامذة نجباء، لهذا جلس المغاربة قاعدين يتفرجون على « التسلگيط » السياسي للأثرياء الجدد، وهم يمرغون وجه البلاد في التراب، ويمرغون كرامة المغرب في التراب. لقد ودعنا زمن السياسة التي يقوم بها المناضلون، ويكتبها المناضلون، ويتسامى بها المناضلون، ويتعذب من أجلها المناضلون، وبقي بعضهم، فالتحق بهم الأعيان النبلاء، الأعيان «ديال بصح» واعتقدنا، دون أن نقرأ الغيب أن ذلك ربما يكون فيه تنازل من السياسة للثراء، ويبدو اليوم أننا كنا على خطأ، إذ بعد الأعيان المحترمين، انفتحت صناديق الاقتراع وطلع منها ....التسلكيط! لقد سبق أن استعمل المرحوم الخطيب الكلمة البذيئة في حق مناضلين يساريين قضوا زهرة شبابهم في السجون وعسكريين برأتهم المحكمة لكن آلة المخزن الرهيبة دفنتهم أحياء في تازمامارت. هؤلاء الذين استطاعوا تكسير الرعب رآهم المرحوم سلاكط، فيا أيها البلد الأزرق في دمي ماذا نقول اليوم للمنحطين أخلاقيا، وكيف ينعت الشرفاء بنعت أصحابه اليوم يستبيحون لحمك ودمك؟ لا يمكن أن نصف أي ابن آدم بالسلكوط، حتى ولو كان يدفع المال من أجل أن يكون «سلكوط أون شاف»! en chef ولكن هناك تسلكيط سياسي وتاريخي واجتماعي من طرف أناس طاعنين في الابتذال والشماته والاستهتار، أناس ضالعين في الرشوة والسرقة الموصوفة، والذين بإمكانهم أن يعاقبوا كل قاض نزيه أو كل مسؤول شريف، هؤلاء الذين ورثوا التفاهة عن الأعوان الظاهرين والمستترين للاستعمار، الذين خدموا في صفوف الحماية ثم وقفوا صفا واحدا ضد الوطن والوطنيين، الساعين الآن الى سرقة التاريخ المضئ للبلاد ولحركاتها الصاعدة من طينة البطولة الممهورة بالتواضع وحب البلاد والابتسامات الخجولة.. التسلگيط الذي يوصل منحرفين(حتى نكون طيبين) الى ممثلين للديموقراطية! أشعر بمرارة مولاي عبد السلام الجبلي، ومرارة علال الفاسي في قبره، أشعر بمرارة اليوسفي اليوم، وأشعر بمرارة محمد بنسعيد أيت يدر وهو يحكي فصولا من الصراع مع ملك بحجم وقامة الحسن الثاني، عندما كان الوطن غير مصاب بانفلونزا الصناديق، التي انتقلت بالبلاد إلى انفلونزا الخنازير ... وتتهدده اليوم بالسلاگطوقراطية... اقتسموا معي، رجاء هذا الإحساس بالرعب، بأن تتحول بلاد موحا وحمو الزياني والمختار السوسي والعربي العلوي وعسو باسلام والخطابي بلاد محمد الخامس بلاد، الحنصالي، والمهدي بنبركة، عبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري وأبو بكر القادري وماء العينين، بلاد اليوسفي وسيدي حمو عبد العظيم ومحمد بن سعيد أيت يدر .. بلادكم وبلادنا، اقتسموا معي الإحساس بالهلع بأن تتحول هذه البلاد إلى بلاد اللصوص العلنيين، لصوص برموز انتخابية وأموال وصناديق وتحية سلام، لصوص وأفاقين يستطيعون أن يفتحوا أفواههم ليخرج التاريخ مليئا بالإسفاف والكذب واللعنات المسترسلة.. لم نستشر شكيب بنموسى(ماذا ستفعل لكل هؤلاء اللصوص يا شكيب، يا لطيف؟)، وتمرنا على طرح سؤال على رواد موقعنا الالكتروني، يقول هل تعتقد بأن أصحاب المال سينهزمون في الانتخابات الجماعية المقبلة ببلادنا؟ شارك أربعة آلاف قارى وزائر، وكان جواب 62% منهم بنفي قاطع، في حين كان حوالي 600 شخص فقط متفائلين، وما زالوا يؤمنون، مثلنا بأن للمغرب مناعة ضد هؤلاء، ويؤمنون بأن الدولة لم تنهزم بعد أمام هؤلاء الغزاة الجدد للفضاء العمومي. وبالرغم من إيماننا العميق، إيمان العجائز، فمازلنا ندعو الله ألا يصبح الوطن جزءا من فيلم هتشكوكي يكون فيه التوزيع الموسيقي شبيها بالنباح وبالزعيق.. وندعو الله أن نخسر الرهان فعلا أمام التفاؤل وأمام الفرح غدا.. سيكون من المفيد، فعلا أن يسعفنا العروي والجابري ومحمد الطوزي، وحسن رشيق وكلاوي والخلفي وعبد الله ساعف وبنسعيد وسبيلا، المودن وطارق وغيرهم كثير من أهل الفكر والسوسيولوجيا بتعريف دقيق لل«سلاكطوكراسيا»، وعناوينها وجدليتها الرهيبة..واختراقاتها الافقية والعمودية، ميزانياتها وتفرعاتها ونقيبها وشبيبتها وأعوانها وطبقاتها وترتيبها وتراتبيتها، لأن التسلكيط مراتب أيها الإخوة البسطاء الذين ما زلتم تحلمون ببلد سليم ومعافى من كل مظاهر السقوط. يرهبني فعلا أن تكون بلادي مخيرة بين الفراغ والفساد، بين السفاهة وبين التفاهة، فالمغرب الجماعي والبرلماني موقعه في طليعة الأمم، هكذا نريده وليس في حساب بنكي لرجال طرأت عليهم الثروة ولم يسألهم أحد:من أين لكم هذا؟