1- ان الشعب الفلسطيني كان ينظر الى فتح باعتبارها حزب السلطة، ويعتبر كل اخطاء وسلبيات السلطة تقع على مسؤولية فتح (وهذا امر فيه الكثير من الصحة) وبالتالي فقد مارس الناخبون تصويتا عقابيا ضد فتح دون أن يعني ذلك تأييدا لحماس 2- في الوقت الذي خاضت حماس الانتخابات صفا واحدا، دخلته فتح متشرذمة، حيث كان عدد الفتحاويين الذين ترشحوا كمستقلين اكثر من عدد الذين رشحتهم فتح رسميا، فشتتت الاصوات الفتحاوية وانصبت الاصوات الحمساوية لمرشحين محددين ففازوا، وهكذا حصل مرشحو فتح الرسميين والمستقلين على %45 من أصوات الدوائر لم تترجم الا بسبعة عشر مقعدا، وحصل مرشحو حماس على 41% من الأصوات ترجمت إلى تسع وأربعين مقعدا،في حين أن اصوات القائمة الوطنية كانت متساوية تقريبا: 29 مقعدا لحماس و 28 مقعدا لفتح، وهذا يثير مسألة قوة انضباط الحمساويين و ضعف انضباط الفتحاويين. 3 - أدارت حماس حملتها الانتخابية بذكاء كبير، واستقدمت خبراء امريكيين لقيادة الحملة، ولعبت على وتر (خيار المقاومة) الذي لازال الشعب الفلسطيني يفضله، وعلى وتر الدين، وساندتها كل تنظيمات حركة الإخوان المسلمين ودعمتها اعلاميا وماديا (كانت قناة الجزيرة بمثابة الناطق الرسمي لحركة حماس) دون أن ننسى أن الاموال التي اوقفتها دول الخليج عن منظمة التحرير بعد ازمة الكويت، تحول مسارها الى حركة حماس، مما راكم لديها اموالا كانت تقدم بعضها لاعضائها والقريبين منها لضمان اصواتهم. 4 - لم تكن اسرائيل والادارة الأمريكية حريصتين على فوز فتح، كما لم يكن عندهم مانع من فوز حماس،بعد ان تيقنوا ان قيادة السلطة لم يعد لديها ما تقدمه من تنازلات سوى المحرمات التي لا تستطيع تقديمها. من هنا لم يقدموا للسلطة ما يمكنه أن يساعدها على الفوز كإطلاق سراح عدد من الاسرى أو إزالة عدد من الحواجز او تخفيف الحصار الخ. بل سربوا اخبارا مفبركة عن دعمهم للسلطة وهم يعلمون أن الفلسطينيين لن يكونوا مع من يمدحه العدو أو يدعمه. وبعد فوز حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، تم تكليف الشيخ اسماعيل هنية بتشكيل الحكومة، ولكن هذه الحكومة وبسبب قلة خبرتها السياسية والادارية و بسبب تعنتها ومواقفها الاحتكارية الاقصائية، اغمضت عينيها عن كل ما حولها. - فافتقدت المشروعية الفلسطينية برفضها الاعتراف بمنظمة التحرير التي يراها كل الفلسطينيين ممثلهم الشرعي الوحيد، وافتقدت المشروعية العربية برفضها مبادرة السلام العربية التي اقرتها القمة العربية في بيروت، وافتقدت المشروعية الدولية، برفضها التعامل مع قرارات الأممالمتحدة والمجتمع الدولي. مع العلم ان الرئيس محمود عباس اعلن في اكثر من مناسبة انه لا يطالب حماس و لا غيرها الاعتراف باسرائيل، حيث ان الاضطرار للتعامل مع واقع لا يمكن رفعه، لا يعني القبول به. - فجاء الموقف الامريكي الذي تم فرضه على كل الدول المانحة برفض التعامل مع حكومة حماس او تقديم أي دعم للفلسطينيين عن طريقها - واستغلت اسرائيل ذلك القول بأنه ليس هناك طرف فلسطيني مشارك في عملية السلام، واستمرت في سياستها الاستيطانية واقامة الجدار العنصري وفرض الحصار العسكري والمادي على الضفة الغربية، وحتى عندما سحبت قواتها من قطاع غزة ووضعتها على حدوده، جعلت منه سجنا كبيرا لا يخرج منه أحد ولا يدخله احد ولا عمل فيه ولا مصدر رزق لسكانه. واستمر الحال على ماهو عليه مع مناوشات بين فتح وحماس وتنازع السلطة بين الحكومة والرئاسة، الى غاية يونيه 2007 عندما قامت قوات حماس بالانقلاب على السلطة واستولت على مؤسساتها المدنية والعسكرية واعلنت استقلالها عن سلطة رام الله، وبدأ يدور الحديث عن (شعب غزة ودولة غزة) وبدأت قوات حماس تمارس التنكيل بكل من هو ليس حمساويا،كما فعلت في هجومها على عائلة حلس وعائلة دغمش في مدينة غزة، ومحاولة تجريد مقاتلي الفصائل الفلسطينية الاخرى من سلاحهم ومن يرفض ذلك تتم تصفيته او على الاقل اطلاق النار على رجليه ليعيش معاقا - وهذا ما رأيناه فى العديد من القنوات التلفزية العدوان على غزة من المعلوم أن حماس التي لا تكف عن الحديث عن (خيار المقاومة) قد وقعت اتفاقا للتهدئة مع اسرائيل مدته ستة اشهر ينتهي في اواخر دجنبر 2008، وقبل انتهاء الاتفاق صدرت مناشدات فلسطينية وعربية ودولية لحماس بتجديد عقد التهدئة، لكنها رفضت بل وهددت باستئناف قصف المستعمرات الاسرائيلية الجنوبية، مدعية ان لديها صواريخ بعيدة المدى، وبتنفيذ عمليات استشهادية في عمق اسرائيل، مما ينذر بعدوان اسرائيلي جديد على قطاع غزة، ويستدعي اخذ الاحتياطات العسكرية والاقتصادية والبشرية اللازمة. وفي يوم 25 دجنبر 2008 - أي قبل يومين من العنوان - أسقطت الطائرات الاسرائيلية منشورات على المناطق الفلسطينية المحاذية لمصر تطلب من المواطنين ترك المنطقة لأنهم سيهاجمونها ويدمرون الانفاق التي تحتها خلال 48 ساعة، وفي يوم 26 دجنبر نشرت جريدة هارتس الاسرائيلية الالكترونية تفاصيل العمليات العسكرية التي يعتزم الجيش الاسرائيلي القيام بها. كل ذلك لم يكن عليه أي رد فعل عملي من قبل حماس، بل وعلى العكس لم تعلن حالة الطوارىء ولم توقف الدراسة،بل وأعلنت يوم 27 دجنبر (بداية العدوان) موعد تخريج دورة شرطة في إحدى ساحات غزة لتكون هدفا سهلا للطيران الاسرائيلي، بحيث سقط ستون من أفراد الدورة شهداء، وكانت الخسائر البشرية في اليوم الاول للعدوان توازي نصف ما سقط في باقي الايام. ان ما وقع في غزة ليس حربا او معركة، لأن الحرب تقتضي وجود طرفين يقتلان، اما الذي حدث فهو عدوان اسرائيلي على الشعب الفلسطيني، استخدم فيه الصهاينة كل أنواع الاسلحة، وجربوا آخر ما أنتجته مصانع السلاح الامريكية والاسرائيلية بما فيها الاسلحة المحرمة دوليا واسلحة الدمار الشامل، وكان من أبرز نتائج هذا العدوان: 1- سقوط من ثمانية آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح. 2- تدمير كل البنية التحتية من ماء وكهرباء ومجاري وشوارع وجسور. 3- تدمير كل مؤسسات السلطة المدنية والعسكرية وحتى المدارس والمساجد والمستشفيات. 4- تحطيم كل مؤسسات الانتاج الصناعي وتجريف الاراضي الزراعية. 5- تدمير أكثر من 20 من منازل القطاع وتشريد سكانها. 6- خلقت اسرائيل واقعا جديدا قبل مجيء الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما، ليكون عليه التعامل مع هذا الواقع الجديد. واجتاحت الدبابات الصهيونية القطاع بعمق بضعة كيلومترات وتوقفت لأنها لاتريد دخول المناطق الآهلة بالسكان التي من المحتمل ان تدفع فيها خسائر بشرية هي في غنى عن تقديمها، وبعد اثنين وعشرين يوما من القصف المتواصل، ونتيجة للضغوط الدولية وحتى لايلطخ منظر الاشلاء الفلسطينية صورة مراسيم تنصيب الرئيس الامريكي الجديد، تم إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد من طرف اسرائيل. مع الاشارة الى أن مقاتلين من مختلف الفصائل الفلسطينية قاتلوا جنبا الى جنب دون ان يكون دورهم فاعلا بسبب اختلال موازين القوى الصارخ بين الطرفين، ويسجل هنا أننا لم نشاهد ما كانت تتحدث عنه حماس من آلاف الاستشهاديين الجاهزين لاستقبال الصهاينة، فلم يفجر أحد نفسه بدبابات العدو او في هدف صهيوني بإحدى المدن الاسرائيلية. ونسجل ايضا ان ما سمي (معسكر الممانعة) العربي اكتفى بلوم العرب الآخرين ولم يفعل شيئا لدعم صمود غزة او التخفيف من الضغط عليها، ونسجل كذلك ان الفوسفور الابيض الذي قصف به الشعب الفلسطيني في غزة، أخذ من القواعد الامريكية التي يوجد العديد منها على الارض العربية. وتداعى المجتمع الدولي لعقد اجتماع الدول المانحة أعلنت من خلاله هذه الدول تقديم قرابة خمسة ملايير دولار لإعادة اعمار غزة مع التأكيد على رفض تقديم هذا الدعم عبر حكومة حماس، وكان قد سبقه عقد اجماعين عربيين في الدوحة والكويت تمخضا عن إعلان الاستعداد لتقديم دعم لإعادة غزة، والضغط على الفصائل الفلسطينية للبدء في حوار وطني يؤدي الى مصالحة وطنية، وتم تكليف مصر برعاية المصالحة والاشراف على الحوار الوطني واحتضانه فوق أرضها. الآفاق المستقبلية: وبدأ الحوار الوطني الفلسطيني بمشاركة كل الفصائل الفلسطينية يوم 26 فبراير 2009، وتم الاتفاق على تشكيل خمس لجان ستبدأ اعمالها يوم 10 مارس، لتنتهي قبل نهاية شهر مارس ولعل أهم مطلب مطروح على الحوار الوطني الفلسطيني هو تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون لها مهام محددة ابرزها: - الاشراف على انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة. - تلقي الدعم الدولي والاشراف على عملية إعادة إعمار قطاع غزة - العمل على رفع الحصار المادي والسياسي المفروض على السلطة الوطنية الفلسطينية. ويؤسفني أن أقول أنني لست متفائلا بنجاح الحوار الوطني الفلسطيني، انطلاقا من معرفتي بالعقلية الاقصائية الحمساوية التي ترى أنها وحدها تمتلك الحق والصواب، وانطلاقا من كون قطاع غزة هو أول بقعة في الدنيا تحكمها حركة الاخوان المسلمين بعد ثمانين سنة من إنشائها، ولن تتخلى عنها بسهولة. إضافة الى ان التدخلات العربية والاقليمية والدولية ستبقى تتنازع اطراف الحوار الفلسطيني وتباعدهم عن بعضهم البعض لتبقى تستخدم القضية الفلسطينية ورقة في خدمة مخططاتها، كما أن الكيان الصهيوني سيعمل على إبقاء الوضع الفلسطيني على ماهو عليه، لأنه لن يجد وضعا يخدم مصالحه أكثر منه. وفي الختام، أود التأكيد على أن حركة فتح بإمكانها ان تستعيد دورها ومكانتها من جديد، شريطة عقد مؤتمر عام يتم التحضير له جيدا، يقوم: ا- بتجديد قياداتها وتفعيل دور الاجهزة الحركية ب - إعادة التأكيد على مواقفها المبدئية وخاصة في قضايا المفاوضات وخيار المقاومة. ج - استعادة دورها الاعلامي والتعبوي. د - استعادة علاقاتها العربية والدولية وتفعيلها. ه - العودة الى طهرها المسلكي و- تفعيل دور قطاعي الشبيبة والمرأة. > نص محاضرة ألقيت في مقر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالرباط يوم 3 مارس 2009