كان لقاء أكاديمي إعلامي، منذ أسابيع حول شكل متابعة الإعلام المغربي للتعدد في واقع المغاربة، نظمه « مركز حرية الإعلام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» بالدارالبيضاء، فرصة ليطرح أحد الزملاء الصحفيين ( الزميل حسن ندير ) سؤالا ذكيا و « محرجا » حول السبب في غياب صحفيين سود من المشهد التلفزيوني المغربي، سواء في نشرات الأخبار أو في مختلف البرامج الفنية أو الرياضية أو الثقافية (!!). وهو السؤال الذي لم ننتبه إلى قوته قط بما يلزم من الجدية مع الذات، في مشهدنا الإعلامي المغربي. والحقيقة، أن ما أعاد إلى الذاكرة سؤال الزميل ندير، هو نوعية النقاش الذي أثير مؤخرا في جنيف، بمناسبة مؤتمر « دوربان 2 » حول العنصرية وأشكال مواجهتها. لأنه، بعيدا عن النقاش السياسي الهائل الذي أثارته، مثلا، كلمة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، حول عنصرية النظام الصهيوني بإسرائيل، وما خلفته من ردود فعل متشنجة من قبل الأروبيين، واحتفاء من قبل أغلب دول العالم الثالث، وضمنها العالم العربي والإسلامي،، بعيدا عن ذلك النقاش، فقد طرحت أسئلة هامة حول تجليات الإقصاء العنصري في مجالات عدة، ضمنها الإعلام. ما يهم، هنا، هو الإنطلاق من هذه الواقعة المغربية، للتساؤل إن لم نكن كمغاربة « عنصريين ».. أو بصيغة أخرى، إن لم تكن للعنصرية مواقع في جغرافياتنا العمومية.. وهو ذات السؤال المحرج، الذي كانت قد طرحته منذ سنوات كريستين ديور السرفاتي، في إحدى تصريحاتها الصحفية، والذي أصدرت فيه حكما جازما، أن تمة عنصرية كامنة عند المغاربة.. ومما يثير فعليا، هو التساؤل، حول السبب في غياب أي صحفي أسود من المشهد التلفزيوني المغربي ( بعض الزملاء الصحفيين بالمجال الرياضي، ليسوا سودا حتى لا نكذب على أنفسنا، لأن المسافة كبيرة بين الأسمر والأسود ). وهذا يأخدنا إلى التساؤل، حول شكل تأثيث صورة تلفزتنا المغربية، على مستويات عدة، ضمنها شكل ظهور الرجال وشكل ظهور النساء، ثم قيمة ذلك الظهور ونوعيته وأبعاده. وحتى نقيس درجة أهمية هذا الموضوع، لابد من الإنتباه، أن التحولات الهائلة التي وقعت في التلفزيونات الغربية ( الفرنسية، الإنجليزية، الأمريكية، الألمانية ثم الإسبانية )، هو حين انتباهها أن مقياس المهنية لا يرتبط باللون، بقدر ما يرتبط بالكفاءة والدربة والمهنية. فكان أن برز نجوم ونجمات كبار سود في القنوات الفرنسية والأمريكية والإنجليزية، منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي. بدليل، أن أقوى نجوم التلفزيون الأمريكي اليوم هم سود ( أوبرا وينفري كمثال )، مثلما أن من نجوم نشرات الأخبار في القنوات الألمانية والفرنسية، صحفيون وصحفيات سود. والثابث في العملية، هو أن المقياس ليس اللون، وتأثيت صورة التلفزيون بالتعدد « اللوني » ( إذا جاز هذا التعبير )، بل تحقيق مبدأ التكافؤ في الفرص المهنية بالشروط الإحترافية الصرفة. قد لا يكون، في غياب صحفيين سود من المشهد التلفزي المغربي، موقف مسبق ( لأننا نريد أن نقنع أنفسنا بحسن النية في ذلك )، لكن الحقيقة أن تمة علامات قلق ظلت ترخي بظلالها في صمت على جزء من النخبة المغربية، الصانعة للقيم في مجالات عدة ذات رمزية فارقة في المغرب. مثلا، موقف بعضهم من الأطباء السود في كلية الطب بالرباط ذات زمن ( وكان وزيرا أول غير مأسوف عليه في مرحلة من المراحل )، حين اعتبر أن الطالب الأسود لا تستقيم معه بدلة الطب البيضاء (!!). وكذا ذلك الموقف العجيب لأحد أساتذة الفلسفة بكلية الآداب بالرباط، حين لم يتورع في أن يطلق، في لحظة امتحان، أمام طالب مغربي أسود، هذه العبارة القاتلة منه: « يا بني، متى رأيت فيلسوفا أسود في التاريخ ؟! ».. إن مثل هذه المواقف، رغم أنها معزولة في سياقاتها، وفي زمن وقوعها، الذي هو ملك للماضي الآن، فهي تسائلنا حول مدى تجدر المواقف المسبقة ( العنصرية ) بيننا كمغاربة؟!.. ثم هل تخلصت بعض نخبنا فعليا، من ثقافة مغربية ماضية، كانت تتأسس على مفاهيم « الحر » و « العبد »، وعلى مفاهيم « الشريف » و « العامي »، التي تضرب في الصميم قيم المواطنة؟!.. وهناك أسئلة أخرى كثيرة تتوالد من رحم هذين السؤالين، ضروري أن يجيب عنها التحليل السوسيولوجي والنفس - سوسيولوجي والحقوقي مغربيا. لأن مؤتمرا دوليا مثل مؤتمر « دوربان » يعنينا مغربيا أيضا، ولا يعني فقط بلدانا تمارس سادية عنصريات مقيتة سياسيا ومجتمعيا.. هو يعنينا أيضا، حتى نتخلص من أعطابنا في التعايش المواطن بيننا.. ومن يدري، قد نربح غدا جيشا من الصحفيين السود، في تلفزاتنا المغربية، الذين قوتهم ليس لون البشرة، بل أساسا الكفاءة المهنية العالية. فقط، نود الإنتباه جميعا، أن الأمر تلفزيا، ليس مغربيا محضا، بل إنه عربي من الماء إلى الماء!!.. هل رأيتم صحفيا أسود واحدا في تلفزات العرب، يحقق ذاته مهنيا، ويكون نجما إعلاميا؟!.. لنتأمل، ولنحاسب ذواتنا، فذلك بعض من الطريق نحو التصالح مع الحق والعدل ومكرمة الديمقراطية..