وهذا يتطلب من القوى الوطنية والتقدمية أن تضع استراتيجية عمل قوية وثورية لتكسير الحواجز التي خلفتها المطبات التي أثرناها في هذا المقال والمقال السابق، وأن يكون التواصل الإعلامي بكل أنواعه قريبا من عقول ونفسيات المواطنين من أجل نقل الوعي من حالة الغضب السلبي والكمون والانقطاع إلى وعي فاعل مؤثر في الواقع السياسي للبلاد... ويتطلب الموضوع كذلك أن تكون الدولة في مستوى التحديات المطروحة عليها حتى تمر الانتخابات في أجواء سليمة وحماسية وأن تواجه بكل صرامة كل حالات الإفساد والتمييع التي تطال العمليات الانتخابية من الترشيح حتى الحملات والاقتراع... ولنعد إلى السؤال العنوان، أية انتخابات نريد؟ 1 - هل نريد إجراء انتخابات في ظروف متبطة، لا من حيث التاريخ والمعيقات المذكورة، حتى نكون مضبوطين بالدقيقة والساعة مع موعد الانتخابات «للانتخابات»؟ أم نريد أن تخلق الظروف الطبيعية والموضوعية في حدودها الدنيا بالابتعاد عن كل عناصر التشويش والعرقلة وتوسيع دائرة التصويت؟ 2 - وهذا يتطلب دراسة تاريخ الانتخابات والفترة التي يقع فيها والمناسبات الملتبسة به وتأثيرها على حركة الناخبين (العطل - الامتحانات - الأعياد - المناسبات الوطنية والدينية) ولماذا لا يكون يوم الاقتراع وسط الأسبوع مع تخصيص نصف اليوم بالتناوب بين الموظفين والعمال كعطلة للتصويت، إن لم يكن تخصيص اليوم بكامله. 3 - وهذا يتطلب كذلك توفير مكاتب التصويت في كل النقط القريبة من الناخبين في المدن والأرياف بدل وضعها في المدارس والمؤسسات العمومية التي تكون أحيانا بعيدة لكلمترات عن الناخبين أو تفرض على سكان المدن التنقل إلى خارج مناطق سكنهم والبحث عن أسمائهم ضمن 8 مكاتب أو أكثر المتواجدة في مراكز الاقتراع، وفي هذا كذلك إشكال مفسد لحماس الناخبين إن كان متوفرا... مع العلم أن الزيادة في عدد مكاتب التصويت وتقريبها من الساكنة على مستوى الأحياء والدواوير سيكون عنصر تحفيز اضافي مهم في هذه الظرفية... 4 - وهذا يتطلب إبعاد لوبيات الإفساد وأصحاب السوابق في مجال الخمور والمخدرات والجريمة المنظمة وسماسرة الانتخابات وحالات شراء الأصوات والذمم، والمتسببين في تحريف الاستحقاقات السابقة وإفقاد الأهلية والصفة بالترحال. 5 - وهذا يتطلب أن تغربل الأحزاب مرشحيها ولا تقدم إلا من تتوفر فيهم الأهلية السياسية والمعرفية لحقل تدبير الشأن المحلي. 6 - وأن تضع الدولة إطارا وسيطا للمنتخبين يساعدهم في عملهم ويفعله وخاصة بالجماعات القروية وحتى الحضرية التي تحتاج إلى التوجيه والترشيد.. إن الانتخابات التي نريدها: أ - هي التي تفرز مؤسسات حقيقية وطنية ذات مصداقية وعاملة من أجل المصلحة العامة. ب - هي التي سيساهم المواطنون في الإعداد لها ووضع خريطة سياسية عبر صناديق شفافة ونزيهة وبعيدة عن الارتشاء والكذب والتغليط وقلب الحقائق وشراء الذمم. ج - هي التي تكون فيها الدولة أما لكل المواطنين ولكل الأحزاب تدعم أخلاقيا النزهاء وتقوم المعوجين وتؤدب المتنطعين والمتلاعبين وتنشر عدلها ورعايتها ومتابعتها على الأمة بكامل عناصرها. د - هي الانتخابات التي تفرز توافقات وتحالفات مرجعها ليس تشكيل أغلبيات للفوز بالرئاسة ولكن تشكيل أغلبيات مواطنة عاملة خادمة للساكنة، متعاونة على تحقيق آمال الناخبين وفق وحسب الإمكانيات المتوفرة. ه - هي الانتخابات التي ستكون نتائجها قاعدة لتشكيل جزء هام من مجلس المستشارين ليحظى هو الآخر بنصيب من المصداقية والشفافية. و - هي الانتخابات التي تكون محكا للديمقراطية ومدى تقدم الوعي السياسي ومدى تفعيل وتحكيم الرأي العام الوطني في دواليب الاختيار السياسي الاستراتيجي حتى تتحقق الديمقراطية والعدل والتنمية في أحسن مظاهرها. فأية انتخابات يريدون؟