تجلس صامتة في زاويتها الخاصة، تعيش حياة داخلية يؤثثها الألم والكبت ورغبة جامحة في الانعتاق. جسد ضامر، نظرة ضائعة بين وجوه أفراد عائلتها الذين لا يملكون لها إلا تمطيط الشفاه حسرة وأسفا، وألم قاتل تحول إلى خبزها اليومي منذ أربع سنوات، حين تحولت أحلام الزواج والهجرة لمعانقة أضواء عاصمة الأنوار، إلى مشانق لعنفوان الروح التي تبلدت فيها المشاعر، وسجنا للجسد الذي يشتهي ولايبوح... قبل أربعة سنوات، كان كل شيء جميلا ورديا، نسائم حلم الزواج والهجرة تهب طرية على بيتهم البسيط، كان عمرها لا يتجاوز 22 سنة، أكملت مسار دراستها الثانوية بصعوية، لترتكن إلى أنوثتها البسيطة تغذي فيها لهفة الهروب إلى حضن زوج يرحل بها إلى أفق أرحب. مع بداية فصل الصيف، بدأت تتوافد فلول أفراد العائلة المهاجرين، نفس الوجوه، ونفس آمال الهجرة والزواج الجامحة تدفعها دفعا نحو مشروع علاقة جامحة بشاب من أفراد عائلتها المهاجرين. شاب يافع للتو بارح العقد الثاني، تنقصه التجربة والنضج وكثير من الإحساس بالمسؤولية، فيما لا تعوزه الوسامة والأناقة وكثير من الجرأة. بدأت العلاقة خجولة مترددة تكسر حاجز القرابة التي أطرت علاقتهما سنينا، تحت رقابة أمها التي أشرقت في ذهنها فكرة الزواج بين الشابين يعززها غياب أبويه اللذان لم يرافقاه في رحلته إلى المغرب. وشيئا فشيئا تحول الحديث المتردد المحموم، إلى نقاش عائلي مؤطر يدفع بالشابين دفعا نحو مؤسسة الزواج. كان كل شيء سريعا وحماسيا يسابق الزمن، تم الزواج برعاية من أسرتها، لتعيش شهر زواج/عسل تؤثثه أحلام الهجرة تسابق مشاعر حب ناشئ. مرت العطلة سريعا، ليحمل الزوج الشاب متاعه ومعه أحلام زوجته التي استسلمت للوعة الفقد وحرقة الانتظار... العام يجر عاما آخر، انقطع الاتصال نهائيا بين الزوجين، وتواترت الأخبار حول انغماس الزوج في حياة جديدة، ومحيط عملي واجتماعي جديد، فالأب الذي لم تتم استشارته في أمر هذا الزواج السريع، بات يتعامل مع لا مسؤولية ابنه بمنطق «لم أمر بها ولم تسؤني». بعد مرور ثلاث سنوات، تأكدت نية الزوج في طي صفحة هذا الزواج نهائيا، فلا خبر، لا اتصال، لا نفقة، ولا حتى قناة حوار لإيجاد حل لهذا الوضع المعلق. بدأت الزوجة الشابة تفقد الأمل نهائيا في آفاق هذا الزواج الذي كلفها الكثير من أشيائها الجميلة، وثلاث سنوات من ربيع شبابها. التجأت إلى أبيها وأمها تطارحهما فكرة الطلاق، وهنا كان وجه آخر من أسوأ أوجه الحيف التي يمكن أن تمارس على زوجة مغبونة باسم القرابة، ثارت ثورة الأب، رافضا بشكل مطلق فكرة رفع دعوى طلاق الغيبة ضد ابن أخيه! متجاهلا مشاعر ابنته، وما يمكن أن يترتب استقبالا على هذا الوضع الملتبس غير المحسوم. في المقابل كان موقف أب الزوج حاسما، فبالنسبة له، هو خارج كل تداعيات هذا الزواج الذي لم تتم استشارته فيه، وبالتالي فهو غير ملزم بتصحيح أخطاء أخيه وزوجته اللذان اختطفا منه ابنه في غفلة منه. هكذا تحتم على الزوجة المهجورة أن تعيش فصلا جديدا من فصول الألم، وتعيش موزعة بين ظلم الزوج والأب الذي كان قاطعا حاسما في موقفه من مسالة رفع دعوى التطليق للغيبة. في الصيف الفائت، قام الزوج بزيارة إلى المغرب، غير أنه اختار الاستقرار مدة إقامته بأكادير عوض الصويرة، تحركت القضية من جديد في لقاءات العائلة وحواراتها، دفعت الأم بزوجها إلى إعادة طرح الموضوع مع أخيه قصد حمل ابنه على تطليق ابنته، غير أن الموقف بقي جامدا محسوما مسبقا. في المقابل، استمر أب الزوجة في رفضه لكل إجراء قضائي يرد لابنته حقوقها وحريتها في مواجهة ابن أخيه الذي لم يضع اعتبارا للقرابة، ولا للأخلاق أو الشرع. هكذا تستمر معاناة هذه الزوجة الشابة التي طوت صفحة هذا الحلم الذي كلفها الكثير من أشيائها الجميلة، لكنها تجد نفسها مشدودة إليه إلى الآن بقوة القانون الذي لا تملك أن تلجا إليه لإنصافها من زوج مستهتر، فسطوة الأب الذي يتعنت ويدوس على مشاعر ابنته إرضاء لأخيه. الآن مسطرة التطليق للغيبة واضحة، إذ بعد مرور سنة على غياب الزوج ترفع الزوجة دعوى قضائية للبحث عن حقيقة الغياب ومكانه، تعين قيم على الزوج وتعلن عن الغياب بالإذاعة الوطنية، ليتم بعد ذلك تطليق الزوجة. حالة هذه الزوجة شاذة بامتياز، ففي يدها كل الحلول القانونية لوضعيتها التي لا تختلف عن مثيلاتها سوى في الظلم المضاعف الذي حول عذاباتها إلى ما يشه صخرة سيزيف!