يخوض السيد العرايشي الرئيس المتربع على إمبراطورية الإعلام السمعي البصري بالمغرب، حربا علنية ضروسا ضدّ الأمازيغية في المجال الذي يدخل في نطاق سلطته، حيث لم يترك أية فرصة تمر دون أن يعمل بشتى الطرق على تأخير مشروع التلفزة الأمازيغية، وتقزيم المكاسب الضئيلة للمشاهد الأمازيغي في القنوات الموجودة وتقليصها إلى أدنى ما يمكن. يحدث هذا في التلفزيون المغربي الذي يؤدي الأمازيغ ضرائبه إلى الدولة من أموالهم منذ عقود، دون أن يجدوا فيه ذواتهم حتى الآن. العارفون بخبايا الأمور يقولون بأن الرجل الذي برع في تفريخ القنوات الفاشلة التي لم يطالب بها أحد، و التي لا ينتظرها أحد هو بصدد الإنتقام لشخصه ضدّ من انتقدوه من الأمازيغ، وأنه ضحية مزاجه الذي يجعله يعاند ويعاكس حتى قرارات الملك، ويلعب بالنار في ملف يعدّ من القضايا الوطنية التي تتجاوزه، والتي تمّ الحسم فيها على أعلى مستوى . وإذا كنا قد تجنبنا حتى الآن شخصنة الموضوع، فلأننا كانت لدينا شكوك تبددت بعد أن علمنا بأن رئيس القطب العمومي وبطانته لم يقوموا بأي إجراء يسمح بإنشاء قناة أمازيغية خلال السنة الحالية. وأنهم منكبون حاليا تماما كما حدث في السنة الماضية على إعداد قناة جديدة بالعربية للمرة الثامنة وإرجاء القناة الأمازيغية مرّة أخرى إلى أجل غير مسمى، يحدث هذا بعد أن توفرت الميزانية الكاملة للقناة الأمازيغية و قدرها 500 مليون درهم، وبعد أن تمّ توقيع عقد برنامجها المعدل منذ 12 دجنبر 2008، وتمّ الإعلان رسميا عن أن القناة ستنطلق في بث برامجها في شهر شتنبر 2009، وأن تعيين مسؤوليها سيتم بعد أسابيع من تاريخ التوقيع المذكور، وهو ما لم يتحقق منه شيء حتى الآن. وحتّى يتيقن القارئ من وجود مشكل شخصي لدى السيد العرايشي مع الأمازيغية وأهلها نورد المعطيات الكرونولوجية التالية التي تعكس صراعه ضدّ هوية بلده .. في يناير 2006 قامت القناتان الأولى والثانية بتوقيع دفاتر تحملات لإنتاج برامج بالأمازيغية. وقد تبين بعد أن أوشكت السنة على الإنصرام بأن آخر ما يشغل القناتين هو إنتاج برامج ناطقة بالأمازيغية، وبعد ضغوط وحملات إعلامية صاخبة، اضطرت القناتان إلى إطلاق بعض البرامج التي طبخت في آخر لحظة على عجل، والتي لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من مما تم الإلتزام به في دفاتر التحملات، وخُصص لها توقيت ذو دلالة هو الثانية بعد الزوال، مع عدم إعادتها في أي توقيت آخر كغيرها من البرامج خوفا من أن يشاهدها الناس. في يوليوز 2006 تمّ الإتفاق على إحداث قناة تلفزية أمازيغية، ليصدر السيد العرايشي أوامره بعدها بإغلاق الأبواب في وجه المنتجين بالأمازيغية بحجة أن هناك تلفزة أمازيغية يمكنهم انتظارها واقتراح مشاريعهم عليها. قام السيد العرايشي خلال نفس الفترة بدعاية واسعة لما سمي ب « فيلم أندوستري»، المشروع الذي تمّ تفويته بكامله لشركة عليان للإنتاج لوحدها بطريقة ندّد بها كل العاملين في مجال الإنتاج السمعي البصري بالمغرب، وأعلن عن تخصيص ميزانية قدرها 15 مليون درهم من ميزانية الشركة الوطنية لإنتاج 30 فيلم، قيل آنذاك أنها ستكون بالأمازيغية. ليفاجأ الكلّ بأنها أفلام أمازيغية سجلت في أقراص و ظلت تباع في السوق طوال عامين قبل أن تقوم القناة الأولى ببث بعضها مدبلجا إلى الدارجة بطريقة غاية في الرداءة. لقد اكتشف السيد العرايشي بأن الأمازيغ قد تعودوا على شراء أقراص وأشرطة فنونهم من السوق منذ عقود بعد أن يئسوا من التلفزة، ولذلك لم يجد حرجا في الضحك على أذقانهم . في دجنبر من سنة 2007، تقرر تخصيص ميزانية للقناة الأمازيغية الموعودة بعد تدخل الملك بتعليمات واضحة إلى الوزير الأول، وكان مقررا توقيع عقد برنامجها يوم 14 يناير 2008 كما أعلن عن ذلك الوزير الأول نفسه، لكن الهاكا لم تنته وقتذاك من الإطلاع على دفتر تحملات القناة الذي كان بحوزتها منذ يونيو2007، وبسبب إجرائها لبعض التعديلات، فقد وجدها الرئيس المدير العام فرصة سانحة لتجميد كلّ شيء وعدم القيام بأية خطوة على الإطلاق طوال سنة 2008 . غير أنه إذا كان سلوك الرئيس المدير العام مخيبا لآمال الأمازيغ، فإنه على عكس ذلك كان عند حسن ظنّ عشاق الأفلام الذين أخرج لهم في منتصف سنة 2008 قناة خاصة هي «السابعة»، والتي هي كسابقاتها قناة لم يطالب بها أحد، ولا اكترث بوجودها أحد حتى بعد إنشائها. بسبب الإهانات المتتالية التي ألحقها السيد العرايشي بالأمازيغ، فقد تظاهر البعض منهم على بابه ووقفوا محتجين يوم 23 يونيو 2008 بزنقة البريهي، وتكلف بهم أعوان العنيكري الذين نابوا عن السيد الرئيس المدير العام في التعبير عن مشاعر الإحترام التي يكنها لهم وللشعب المغربي. بعد صدور الميزانية الكافية لإنشاء قناة أمازيغية وتوقيع عقد برنامجها أخيرا، بدأت تظهر بوادر المفاجأة الجديدة التي أعدها السيد العرايشي للأمازيغ، إنها القناة «الإخبارية» التي ستعمل على تقديم «صورة مشرفة عن بلادنا بالخارج»، نكاية في قناة «الجزيرة» القطرية، التي لا تحسن إلا كشف ما هو سلبي في واقعنا. والسؤال المطروح هو التالي : كيف يمكن تجميل صورة المغرب في الخارج إذا كانت صورة مخجلة في الداخل يندى لها جبين أبناء البلد ؟. مهما يكن فقد ثبت بأن السيد العرايشي لا يريد قناة أمازيغية، بل لا يريد الأمازيغية في تلفزاته، ولكن هل يمكن لسياسة الدولة في القضايا الوطنية الحساسة أن تظل رهينة مزاج بعض المسِؤولين الذين ظهر بالملموس أنهم دون مستوى المناصب التي يشغلونها ؟. إذا علمنا بأن دوام الحال من المحال، وأن المناصب ليست خالدة مهما احتلها أصحابها سنين وعقود، وأنّ الأمازيغية التي قاومت الزمن آلاف السنين قادرة على أن تقاوم سنين أخرى إلى حين أن يغادر السيد العرايشي منصبه ليخلفه فيه من هو أكثر جدية واحتراما للشعب المغربي واختيارات الدولة، إذا علمنا بهذا كله وسلمنا به، ثبت بأن السيد العرايشي بصدد إضاعة وقت ثمين من غير طائل. إن القناة الأمازيغية قرار للدولة المغربية ومكسب كبير جاء بعد تضحيات جسيمة وضغوط مدنية وسياسية لمختلف الفرقاء المؤمنين بالديمقراطية، وليس من حق أي مسؤول في الدولة أن يستغل منصبه وسلطاته لإفساد الأجواء وإجهاض خطوات دمقرطة المشهد الإعلامي الوطني بسبب حسابات وأهواء شخصية لا قيمة لها البتة بالنسبة لمستقبل بلدنا.