حظيت عمليات البحث وتعبئة الموارد المائية ومعالجتها بالأقاليم الجنوبية للمملكة بأولوية خاصة ضمن البرامج التنموية التي اعتمدتها الدولة بهذه الربوع لتأمين تزويد السكان بالماء الصالح للشرب مع إعطاء الأولوية للنقط القريبة من التجمعات الحضرية والسكنية. وقد مكنت هذه البرامج من تلبية الحاجيات الضرورية للسكان التي تزايدت نسبة تغطيتها مع مرور الوقت بفضل المجهودات التي بذلت في مجال التجهيزات التي رفعت من مستوى الصبيب وعملت على تحقيق نوع من التوازن بين الحاجيات المتزايدة من الماء الصالح للشرب ومتطلبات القطاع الفلاحي. وحسب وكالة الحوض المائي للساقية الحمراء ووادي الذهب، فقد شهدت أقاليم العيون وبوجدور والسمارة ووادي الذهب، خلال الفترة الممتدة ما بين 1976 و2008 ، إنجاز أزيد من 1170 ثقبا ما بين استكشافي واستغلالي وحفر ما يفوق500 بئر وإنجاز أكثر من 230 مطفية. وتعزز رصيد هذه المنجزات، حسب المصدر ذاته ، بتجهيز 16 نقطة ماء بوسائل الضخ وإنجاز28 دراسة جيو-فيزيائية وثلاث دراسات تتعلق بتحديد عمر الفرشة المائية العميقة الممتدة ما بين طانطان وبئر كندوز بأوسرد، وتدبير فرشة فم الواد بإقليم العيون، وتحديد الملك العام المائي، ودراسة أخرى هيدرو- جيولوجية للفرشة المائية المتواجدة بحوض الساقية الحمراء. وينضاف إلى هذه المنجزات، التي ناهزت كلفتها الاستثمارية 412 مليون درهم، إنجاز ثلاث بحيرات تلية وبناء سد الساقية الحمراء بسعة 110 مليون متر مكعب لحماية سافلة مدينة العيون والطريق الوطنية الرابطة بين العيونوطانطان من الفيضانات، وإنجاز قناة جر مياه حقينة سد الساقية الحمراء على طول تسعة كيلومترات لتغذية فرشات فم الواد. وحسب وكالة الحوض المائي للساقية الحمراء ووادي الذهب، فقد مكنت هذه المنجزات من تلبية حاجيات السكان والماشية من الماء، وسقي حوالي630 هكتارا من الأراضي الفلاحية ما بين منطقتي الداخلة وفم الواد بالعيون. وحرصا من المكتب الوطني للماء الصالح للشرب على مواكبة هذه الإنجازات، فقد أعد برنامجا للتدخل على مراحل شمل إنجاز مجموعة من المشاريع تروم بالأساس تحلية مياه البحر وإزالة المعادن من الماء وتطوير البنيات التحتية المرتبطة بهذا المجال لمواجهة الطلب على الماء وسد الخصاص المتزايد الناجم عن التزايد الديموغرافي والتنمية الصناعية بالأقاليم الجنوبية للمملكة. ومن أهم المنجزات التي ساهمت في التحولات التي عرفتها هذه الأقاليم في بنياتها التحتية المائية والخدمات المقدمة لفائدة سكان على مستوى قطاع الماء، إنجاز محطتين لتحلية مياه البحر بكل من العيون وبوجدور، وبناء محطة لتزويد مدينة السمارة بالماء انطلاقا من حقل الالتقاط بسيدي الخطاري الواقع على بعد95 كلم عن مدينة السمارة. وتواصل هذا المجهود، الذي خصصت له خلال الفترة الممتدة ما بين1975 و2005 ، استثمارات بلغت مليارا و600 مليون درهم، حسب معطيات المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، بمنجزات أخرى همت وحدة لإزالة المعادن من الماء الأجاج بمدينة طرفاية بطاقة إنتاجية تصل إلى800 متر مكعب في اليوم وتوسيع محطة التحلية بالعيون بطاقة ستة آلاف متر مكعب في اليوم وإنجاز محطة للمعالجة بمدينة الداخلة بقدرة إنتاجية تصل إلى9500 متر مكعب في اليوم ومحطة ثانية للتحلية ببوجدور بصبيب 800 متر مكعب . وتأتي كل هذه المشاريع لتنضاف إلى منجزات مائية أخرى شملت تقوية منشآت الإنتاج بمحطة سيدي الخطاري، التي تؤمن تزويد مدينة السمارة بالماء الصالح للشرب، ليرتفع صبيب المحطة من 3500 متر مكعب في اليوم إلى7000 متر مكعب، وتزويد مركز الطاح بالماء انطلاقا من محطة المعالجة بمدينة طرفاية وتزويد مدينة المرسى بالماء انطلاقا من محطة التحلية التي تؤمن تزويد مدينة العيون بالماء الصالح للشرب. وبفضل هذه المنجزات التي ستتعزز بمشاريع أخرى توجد في طور الإنجاز وتهم على الخصوص تقوية الإنتاج وتزويد مجموعة من المراكز الصغرى وقرى الصيادين بالماء الصالح للشرب، أصبحت مدن الأقاليم الجنوبية وبعض المراكز التابعة لها تتوفر على منشآت قادرة على تلبية حاجيات السكان المتزايدة من الماء الصالح للشرب والتي جعلت من المكتب الوطني للماء الصالح للشرب من بين القطاعات التي ساهمت في إحداث نقلة نوعية على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية بهذه الأقاليم. وإذا كانت تقنيات التحلية قد مكنت إلى حد ما من حل مشكل التزود بالماء الصالح للشرب بالنسبة للمدن الساحلية كما هو الحال بالنسبة للعيون وبوجدور والمرسى، فإن الفرشة الباطنية تبقى أساسية لتزويد سكان مدن السمارةوالداخلة وطرفاية وأوسرد وبعض المراكز القروية بهذه المادة الحيوية، الأمر الذي يتطلب تدخل كل الفاعلين ومستعملي الماء لتبني استراتيجية وإعداد مخطط لحماية هذه الفرشة ذات الموارد غير المتجددة من الاستنزاف ومن التلوث. وعلى الرغم من المجهودات والإنجازات التي تحققت في مجال الماء على مدى 34 سنة بالأقاليم الجنوبية، والتي ستتواصل من أجل النهوض بهذا القطاع، فإن الطلب المتزايد باستمرار على الماء، لدرجة سيتضاعف معه استغلال المياه الجوفية العميقة المتواجدة بالحوض المائي للصحراء الذي تنعدم به الموارد المائية السطحية الدائمة بسبب قلة التساقطات المطرية التي لا تتجاوز40 ملم في السنة وارتفاع معدل التبخر، يفرض حسن استغلال هذه الموارد والتعامل معها بنفس القدر الذي يتعامل به مع كل مادة ثمينة والعمل على تدبيرها بشكل عقلاني ومستدام.