بعد التحية والتقدير مع المتمنيات الخالصة بدوام بالصحة والعافية وطول العمر، موجهة إليك من مناضل اتحادي- قد تذكره وقد تكون نسيته في زحمة الأحداث- عايش مخاض تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وتحمل لأكثر من عقد من الزمن المسئولية محليا ووطنيا في صفوفها ورافقك إلى «كاراكاس» لحضور مؤتمر الكونفدرالية الدولية للشغل في نونبر 1989 ، قبل أن تفترق بيننا السبل وتفرق بيننا الأيام، أستسمحك في أن أخاطبك بواسطة هذه الرسالة المفتوحة في أمور قد تبدو شخصية ولا حق لأحد في أن يتدخل فيها. ولولا التقدير والاحترام الذي أكنه لك ولتاريخك النضالي الحافل، ما كنت لأتجرأ على الإقدام على هذه الخطوة. الأخ العزيز، لقد علمت من بعض المقربين إليك بأنك اعترفت غير ما مرة وعلنا بأن الانسحاب من المؤتمر الوطني السادس للاتحاد الاشتراكي كان موقفا خاطئا. وأنت تعلم أن ما بني على خطأ فهو خاظئ. ولا بأس أن أعود بك إلى الجمع الذي عقدته مع ما كان يعرف آن ذاك «بالحركة التصحيحية» في قاعة ثريا السقاط حيث ألقيت خطابا مطولا من جملة ما جاء فيه، حسب ما بلغ إلى علمي، أنك كنت ضد فكرة التيارات قائلا بأنك لا تعرف إلا التيارات المائية والهوائية(وهذا هو ربما السبب المباشر الذي جعل «تيار» الوفاء للديمقراطية ينسحب من الحركة التصحيحية) وأنك لم تنسحب من المؤتمر إلا نزولا عند رغبة وقرار الذين تخندقوا وراء طرحك ورؤيتك للأشياء، بينما أنت كنت ضد الانسحاب من المؤتمر. ولا بأس أن أذكرك أيضا بما جرى في المحاكمة التي عقدت بعد الدعوة التي رفعها ضدك الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي لأنك كنت على وشك عقد مؤتمر باسم الحزب الذي انسحبت منه. لقد منعت المحامين من الكلام على أساس أن تتولى أنت المرافعة. وفي المحكمة أعلنت أنك بصدد عقد المؤتمر الوطني الاتحادي وليس مؤتمر الاتحاد الاشتراكي. وعلى كل حال، فالاعتراف بالخطأ يمكن اعتباره نوعا من النقد الذاتي الذي تربيت عليه في صفوف الحزب الذي وهبت له زهرة شبابك وأجمل أيام عمرك. وفضيلة الاعتراف بالخطأ من شيم الكبار ومن شيم المتشبعين بالأخلاق السياسية الرفيعة وبالفكر الديمقراطي الأصيل، وقبل هذا وذاك، من صفات عباد الله المتواضعين. وأعتقد أن هذا الاعتراف لم يصدر عنك إلا بعد تحليلك ليس فقط للآوضاع السياسية العامة، ولكن أيضا لوضعية الحزب الذي نشأت وترعرعت فيه وناضلت في صفوفه إلى أن تبوأت مكانة متميزة في قيادته الوطنية، وكذا لوضعية الحزب الجديد الذي كنت من وراء إنشائه بعد حادث الانسحاب المشار إليه. وأود أن أشير إلى أن معظم الذين حضروا الجمع التأسيسي لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، جاؤوا إلى هذا الجمع وهم عازمون على تأكيد تمسكهم بالاتحاد الاشتراكي،خصوصا وأن الأخ عبد الرحمان اليوسفي كان قد أعطى، في نهاية المؤتمر الذي تم الانسحاب منه، إشارات قوية تصب في اتجاه الحفاظ على وحدة الحزب. ونذكر من هذه الإشارات إعلانه في الجلسة العامة (حسب ما بلغ إلى علمي لأني لم أكن مؤتمرا)، ردا على أولائك الذين شعروا بالإرتياح بعد انسحابكم، بان ما وقع لا يعني أن المنسحبين هم شياطين وأن الموجودين بقاعة المؤتمر هم ملائكة في إشارة إلى أن الخطأ قد أرتكب من الجانبين. والتقاطا منه لرسالة المنسحبين المطالبة بعقد مؤتمر استثنائي، سارع إلى الإعلان عن عقد المؤتمر الموالي بعد سنتين. وزيادة في مد اليد ورأب الصدع، لم يتوان في إعلان الارتياح لقوة الحزب لكون الإخوة المنسحبين قاطعوا المؤتمر فقط ولم ينسحبوا من الحزب بل أعلنوا تشبثهم به. لكن خطابك في ذلك الجمع واقتراحك تأسيس حزب يحمل اسم المؤتمر الوطني الاتحادي قلب كل الحسابات. وهذا ما لم يفهمه كثير من المناضلين وأنا منهم لدرجة أن أحد القدامى من مكناس تساءل بعد أن انفض الجمع: «واش جينا باش ندافاعو على الحزب ولا باش نودروه؟» . فهل هو سوء تقدير؟ وهل هي ثقة زائدة في النفس جعلتك تعتقد أن انسحابك وتأسيس حزب جديد وأنت على رأس أهم مركزية نقابية آنذاك، سيجعل من هذا الحزب قوة ضاربة لن يترك للاتحاد إلا بعض الكوادر التي عفا عنها الزمن ؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي قد تكون محرقة أحيانا. وعلى كل فقد تم لك ما أردت وتأسس الحزب الجديد. وأتت محطات سياسية أثبتت الخطأ الذي تحدثت عنه. ولا داعي للتذكير بما جرى بعد ذلك داخل هذا الحزب الجديد نفسه. لكن ما هو مؤكد هو أن كل الذرائع التي استعملت من قبل التنظيمات التي خرجت من رحم الاتحاد، بمن فيها المؤتمر الوطني الاتحادي الذي رفع شعار إعادة الاعتبار للحركة الاتحادية الأصيلة، لتبرير هذا الخروج، كذبها الواقع والتحليل معا. ولعل الجو الذي مر فيه المؤتمر الوطني الثامن بشوطيه الذي أظهر أن الحركة الاتحادية الأصيلة ما زالت نابضة داخل الاتحاد الاشتراكي، هو ما شجعني على التوجه إليك عبر هذه الرسالة المفتوحة، خصوصا بعد أن تكرست فيه الشرعية الديمقراطية بكل شفافية ووضوح وأتت قراراته وبيانه الختامي في مستوى تطلعات مناضلي الحزب وأحيت الأمل في إمكانية جمع وتوحيد العائلة الاتحادية. ولست بحاجة إلى التذكير بأنه في العائلة الواحدة بمفهومها البيولوجي والسوسيولوجي لا يسود رأي واحد بين أفرادها. فكما أن هؤلاء يختلفون ويتنازعون، فكذالك الأمر بالنسبة للعائلة السياسية. فخروجك من الاتحاد الاشتراكي لم يضع حدا للخلافات والصراعات داخل الاتحاد . كما أن الحزب الجديد الذي أنشأته لم يسلم من هذه الصراعات. وعلى كل فهذا أمر طبيعي ويحدث في كل التجمعات البشرية. وما وجدت القوانين والأنظمة الداخلية إلا لضبط العلاقات وتحديد الحقوق والواجبات. فالتنظيمات السياسية الجادة تضع لنفسها أنظمة داخلية تنظم العلاقات بين مكوناها. الأخ الأموي، لقد أظهرت انتخابات شتنبر 2007 أن الطبقة العاملة لم يعد لها حضور في الحقل السياسي، وبمعنى أدق فإن الوزن الذي كانت تتمتع به ال.ك.د.ش. وحضورها بجانب القوى التقدمية قد اختل إما لصالح العزوف أو لصالح أعداء الطبقة العاملة وأعداء الديمقراطية. ختاما، يعز علي أن أرى رصيدك التاريخي يتآكل وصيتك يتراجع ومواقفك تبعد عنك أناسا كانوا إلى عهد قريب يرون فيك المثل الأعلى ويخصونك بكثير من التقدير والإجلال... سواء من داخل الحزب الذي غادرته أو من خارجه (ولا أعتقد أنك تجهل ذلك). إن الذاكرة ما زالت تحفظ كيف كان يتسابق الناس على الأكشاك، عقب كل اجتماع للكوفدرالية الديمقراطية للشغل، من أجل اقتناء جريدة «الاتحاد الاشتراكي» للاطلاع على كلمة الأخ الأموي باسم المكتب التنفيذي. وبكل موضوعية، فإن هذه الكلمات، كما تحفظها الذاكرة النضالية للاتحاد، كانت تعبر بحق عن آمال وآلام أمة الفقراء، أيها الأخ الكريم. وكم يحز في النفس أن يصبح صاحب تلك الكلمات وتلك المواقف، في زمن كان يعز فيه الموقف، تصدر عنه قرارات يمكن اعتبارها، في نظري المتواضع، صيحة في واد مثل قرار الانسحاب من الغرفة الثانية، مع احترامي لكل القرارات التي تتخذها الأجهزة بكل ديمقراطية. أليس كل هذا كافيا لمراجعة المواقف وإصلاح الخطأ؟