معاداة السامية في القاموس الفرنسي تعني العنصرية ضد اليهود بكل أشكالها. لكن هذا المصطلح اليوم بدأ يتم استعماله بشكل فج وغير مسؤول، حتى فقد قيمته. هذا الوضع شهدته فرنسا في العقد الاخير. فقد اصبح هذا المصطلح لا يقتصر على نعت العنصريين ضد اليهود، بل امتد ليشمل كل من يناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي والمساندين للقضية الفلسطينية . وتم خلط معاداة اليهود بالموقف ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية .وهو تأويل ينشره أنصار دولة الاحتلال الإسرائيلي و أصبح يضر عددا كبيرا من اليهود أنفسهم الذين رفضوا الالتحاق بالمشروع الاستعماري لتل أبيب ويتم نعت بعضهم ايضا بمعاداة السامية. لكن آخر التطورات في هذا الملف كانت مفاجأة كبيرة للجميع ، فقد تم اتهام صحفي وكاتب فرنسي بير بيون بمعاداة السامية بعد ان نشر كتابا بعنوان " العالم حسب ك " ويعني به وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنر والكتاب يضم العديد من المواضيع حول وزير الخارجية الفرنسي، منها حوالي ثلاثين صفحة حول انشطته كخبير لدى العديد من الدول الافريقية .ويتطرق هذا الجزء الى جانب اخلاقي بالنسبة للوزير الفرنسي، حيث خلط -حسب التحقيق- بين مصالحه الخاصة كخبير وبين مصالح الدولة الفرنسية ، وطالب تعويضات من رؤساء دول افريقية وهو في المسؤولية لصالح الشركة التي يشتغل لصالحها .والكتاب ليس فيه تهجم او قدح، بل فقط يطرح مسألة اخلاقية حول تضارب المصالح بين الوظيفة ،وزير الخارجية ومستشار في القطاع الخاص. الكتاب أحدث ضجة كبيرة في الطبقة السياسية، خصوصا أن كوشنير له شعبية كبيرة لدى الفرنسيين ومعروف بمساره كمناضل في القضايا الإنسانية رغم التحولات التي طرأت على مساره في السنوات الاخيرة، حيث يشتغل الى جانب حكومة يمينية بفرنسا وابتعد عن اليسار أي اسرته السياسية. وكان من مساندي السياسة الأمريكية من اجل احتلال العراق ومن مؤيدي التدخل العسكري بالقوة، بل ان غلاف الكتاب " العالم حسب ك " فيه صورة لكوشنير في احضان جورج بوش الذي ترك امريكا والعالم الى حروب مدمرة لم تنته اثارها بعد، وفي ازمة اقتصادية لم يشهدها العالم منذ 1929 . والكتاب الذي يقع في 329 صفحة يتتبع مسار كوشنير وتطورات مواقفه. بل ان الكتاب يتطرق لصمت وزير الخارجية الفرنسي اثناء التراجيديا الفلسطينية بغزة، بل لم يقل شيئا امام رمي الفلسطينيين بالقنابل الفوسفورية من طرف إسرائيل. لكن الكتاب كان ضربة قاضية بالنسبة للصورة السياسية وشعبية كوشنير بفرنسا .لكن رده ورد اصدقائه بالصحافة الفرنسية بمختلف اشكالها وتلاوينها لم يكن بالحجة والدليل امام هذا الصحفي والكاتب ، بل كان بطريقة اقل ما يقال عنها انها غير مشرفة لوزير الخارجية ومساره.فقد تم نعت بير بيان بأنه معادي للسامية وأن وزير الخارجية لم يتم انتقاد تجاوزاته المهنية ومواقفه الاطلسية، الا لأنه من اصول يهودية. هكذا تم طي ملف خطير وفيه تهم خطيرة لوزير الخارجية الفرنسي الذي كان عليه اما ان يرد على الكاتب بالحجج او ان متابعة صاحبه بالقذف قضائيا ،لكنه لم يفعل، بل تم استعمال أسلوب رهيب وقوي أكثر من المحاكم وهي اتهام صحفي وكاتب بمعادة السامية فقط، لأنه تجرأ وحقق في تجاوزات وزير الخارجية الفرنسي.وانتقد خطه السياسي الموالي للمحافظين والسياسة الاطلسية ضدا على خط سائد بفرنسا وهو الدوغولية التي تعني التحالف مع واشنطن، لكن مع ترك هامش للحرية و الخلاف مع سياسة واشنطن كما وقع اثناء غزو العراق، أي استقلالية القرار الفرنسي عن القرار الامريكي. طبعا هذا هو الوضع الجديد اليوم بفرنسا ،فاذا انتقدت مسؤولا سياسيا فرنسيا او كاتبا له أصول يهودية وكان انتقادك له صائبا وموجعا لشخصية الوزير او الكاتب، سوف تتهم بمعاداة السامية وبالعنصرية ضد اليهود حتى لا يناقش احد كتابك وحججك ما دمت مجرد عنصري وحاقد .إنه سلاح فتاك ضد التحقيقات الصحفية الجادة كما قام بها بير بيان وضد أي عمل جاد. وضع غريب أصبحت تعيشه "فرنسا ساركوزي". لكن رغم انخراط كل الصحافة الفرنسية بكل أشكالها واتجاهاتها في هذه الجوقة التي تردد ان الكتاب تحركه دوافع العنصرية، فإن إذاعة فرانس انتير خرجت من الجوقة وانجزت تحقيقا في الموضوع من انجاز الصحفي بونوا كولومبا والذي سماه "خفايا ملف كوشنير" بشكل جد احترافي، رغم أن الاذاعة تابعة للدولة الفرنسية. فقد أعطى الصحفي الكلمة للغابونيين لأعطاء رأيهم حول ما قام به وزير الخارجية الفرنسي وكذلك قدم الروبورطاج حول الكونغو برازفيل، وحول تقرير أنجزه مقربون من كوشنير كله إشادة بنظام هذا البلد ورئيسه.وموضوع التحقيق كان هو تقريران تم انجازهما من طرف مقربين من وزير الخارجية لصالح شركة خاصة حول الوضع الصحي بالغابون والكونغو، والتقريران موجودان بموقع إذاعة فرانس انتير وشهادات خبراء في الصحة بهذين البلدين ،يكشفان ان تقرير كوشنير لم يفد في شيء ولا شيء تغير بالمجال الصحي بهذين البلدين. يعطي صاحب البرنامج مثال بما يقع في الولاياتالمتحدة اليوم،حيث تخلى كاتبي دولة، هما طوم داشل ونانسي كيلفر على المهام التي انيطت بهما، فقط، لتضارب المصالح، مصالحهما الخاصة مع مصالح الدولة الفرنسية . طبعا يضيف صاحب الروبورطاج ان الولاياتالمتحدةالامريكية توجد الان في عالم اخر هو غير العالم الفرنسي...أرجو الا اتهم بمعاداة السامية ،لأنني تحدثت عن ما وقع لوزير الخارجية مع كاتب وصحفي هو بير بيان، كتب كتاب تحت عنوان «العالم حسب ك» يعني كوشنير، ونشره بدار نشر فايار الفرنسية.