لا يخلو التاريخ العربي من روايات و قصص حول شريحة من العلماء المتعمقين في الدين، يحيطون بالحاكم يصدرون الفتاوي الدينية حسب طلبه و رغبته، و يلوون عنق الدين من أجل إضفاء الغطاء الديني على القرارات السياسية للحاكم. و هؤلاء هم من أُطلِق عليهم إسم فقهاء السلاطين. ومع تطور الدولة العصرية لم يعد لهؤلاء الفقهاء دور كبير في الدول الدمقراطية ، المحكومة بالدساتير الوطنية و القوانين الدولية، فتقلص دورهم و اختصاصهم مكتفين بالإفتاء في المجال الضيق لبعض العبادات. إلا أن بعض الحكام الدكتاتوريين في خريف حكمهم، حين تدور بهم الدوائر و تلتف حول عنقهم الحبال ، ينفضون الغبار عن مثل هؤلاء الفقهاء من أجل استفتائهم ، لائذين بالدين كمجال مشترك بينهم و بين الجماهير المسحوقة من شعبهم، بغية تعبئتهم ضد «الغير الكافر». فقد رأينا كيف تحول الرئيس العراقي السابق صدام حسين فجأة -حين حاصره الحلفاء بقيادة أمريكا- إلي الخطاب الديني المدغدغ لعواطف الشعوب العربية عموما و للشعب العراقي خاصة، و كيف أضاف ذلك الشعار الإسلامي الشامل «الله أكبر» للراية الوطنية لبلاده.. و اليوم طلعت علينا هيئة علماء السودان بفتوى تؤكد «عدم جواز» توجه الرئيس السوداني عمر البشير ، المطلوب من طرف محكمة الجنايات الدولية ، إلى الدوحة لحضور القمة العربية في نهاية الشهر الجاري خوفا من «كيد الاعداء» و«لتفويت الفرصة عليهم» و لكي لا يظهر أن قرار التغيب عن القمة قرار جبان قالت الهيأة في فتواها التبريرية أن «خوف الامة لا عيب فيه وأخذ الحذر من كيد الكافرين سنة ماضية وإعمال التبصر لرد كيد الاعداء من الضرورات والفرار من قدر الله الى قدر الله سنة معلومة» وكانت السلطات السودانية اعلنت الاسبوع ان البشير سيحضر القمة العربية التي ستعقد في29 و30 مارس في قطر رغم مذكرة التوقيف التي اصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقه في الرابع من الشهر الجاري. فهل سيسمع الرئيس السوداني - الذي سافر أمس الإثنين إلي إريتريا القريبة في زيارة رسمية - مناشدة هيأة علماء السودان فيَقَرَّ في قصره بالخرطوم أم يتحدى -كما قال- قرار المحكمة الدولية التي لا يعترف بها و يركب الطائرة نحو الدوحة فيصل و قد لا يصل.