أصدرت بعثة البرلمان الأوروبي التي زارت الصحراء المغربية و تندوف في نهاية شهر يناير الأخير، تقريرها حول حقوق الإنسان في المنطقة، و قدمت فيه توصيات من ضمنها أن تتولى المينورسو مهمة مراقبة مدى احترام الأطراف للحقوق الفردية و الجماعية. كما جاء في هذه التوصيات أن على تمثيلية الإتحاد الأوروبي في الرباط، إرسال بعثات باستمرار للصحراء، من اجل الوقوف على وضعية حقوق الإنسان و مراقبة المحاكمات التي يتعرض لها الناشطون الصحراويون. كما توصي بان يستفيد من التطور الذي عرفته مدينة العيون، المعارضون للسيادة المغربية، و منحهم شرعية تكوين الجمعيات و العمل بكل حرية بما في ذلك المطالبة "بالاستقلال" بطريقة سلمية. ويوصي التقرير المغرب بان يغير القوانين التي تحرم المس بالوحدة الترابية وتحسيس القضاة في الصحراء بنهج عدالة غير متحيزة. أما بالنسبة للبوليزاريو فإن التقرير يكتفي بالإشارة إلى ضرورة إصلاح العدالة والنظام ألسجني في تندوف. كما يوصي الجهات الدولية بمراقبة هذا الإصلاح. و يحث البوليزاريو و الجزائر على تحسين الوضع الاجتماعي و الاقتصادي للمقيمين في تندوف. ويخصص التقرير فقرة في التوصيات للمطالبة، بشكل غامض من السلطات الجزائرية، أن تسهر على احترام المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، لصالح كل المقيمين في أراضيها. وما يمكن تسجيله من خلال قراءة أولية لهذا التقرير أن توصياته لا تمت بصلة إلى الملاحظات التي سجلها، رغم تحيزها هي بدورها ضد المغرب. فالتقرير يسجل انه التقى بعدد كبير من ممثلي المنظمات في "الصحراء التي تتحكم فيها ألإدارة المغربية"، وأن البعثة تحركت والتقت مع الكل بحرية، و لم تسجل أي خرق في هذا الصدد، رغم ادعاءات البعض بأنهم «منعوا من الوصول» إليها. وحسب لائحة المنظمات التي التقتها البعثة وتصل الى 12 هيأة، نجد ان اغلبها من التابعين لجبهة البوليزاريو، كما التقت بأقلية من المنظمات التي تمثل ضحايا القمع في تندوف. واغرب ما يمكن تسجيله في هذا الصدد هو أن الملاحظات التي وردت في التقرير، تأخذ في أغلبيتها الساحقة بما جاء في شهادات المنتمين للانفصاليين، بينما تمر مرور الكرام على شهادات ضحايا التعذيب والاعتقالات التعسفية في مخيمات تندوف. وعندما يتحدث التقرير عن شهادة رجال الأمن المغاربة الذين احترقت أجزاء من جسدهم، بسبب رميهم بالزجاجات الحارقة، من طرف متظاهرين انفصاليين، فانه يعلق فقط بأنهم ذكروا وجود صعوبات في حفظ الأمن عندما تحصل تظاهرات سياسية. وفي الوقت الذي يسجل فيه التقرير نفسه أن وضعية العدالة و النظام ألسجني في تندوف تظل "غير واضحة"، فانه يخفف من هذه الملاحظة عندما ينقل فقرات حرفية من تصريح ما يسمى بالوزير الأول للانفصاليين، عبد القادر الطالب عمر، للبعثة، والتي يعبر فيها عن استعدادهم لاستقبال بعثات الأممالمتحدة والمنظمات الدولية. كما يسجل ان القمع الذي يحصل للمحتجين في تندوف سببه الوضع الاجتماعي والتطاحنات العشائرية. و يضيف معلقا انه من الطبيعي ان تحصل مثل هده الأمور في ظل الوضع المزري الذي تعرفه المخيمات. وحول هذا الوضع يقدم التقرير التبرير الذي أدلى به زعماء الانفصاليين، و مفاده أن عدم تحسين الوضع يرجع إلى انه لا يمكن إعطاء الانطباع للمقيمين في تندوف بان مكوثهم هناك أبدي! ويتحدث التقرير عن الازدهار الذي يعرفه المجتمع المدني في تندوف، و يذكر فقط لقاء البعثة بمنظمتين، و لا يسرد نهائيا ما صرح به مسؤولوها. ورغم ان التقرير يعترف بان منطقة تندوف تظل عسكرية، وممنوعة حتى على الجزائريين أنفسهم، وان الانفصاليين لا يتركون أية جهة غيرهم تراقب الوضع داخل المخيمات، بما في ذلك المندوبية السامية للاجئين، إلا انه لا يرتب على ذلك أية ملاحظات أو توصيات. والأخطر من كل هذا هو ان البعثة تتحدث عن لقائها بمسؤولي "الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية" وهو اعتراف بكيان وهمي من منطلق سياسي وليس حقوقي مادام ان الصحراويين لم يعبروا عن انتمائهم له. والخلاصة الأولية من قراءة هذا التقرير هو أن من صاغه متحيز ولم يلتزم بمنهجية حقوقية وعلمية لأنه يرتب ملاحظات و توصيات بطريقة غير موضوعية تناقض ما جاء في التقرير نفسه. اما التوصية بتكليف المينورسو بمراقبة حقوق الإنسان فإنها سياسية وتوافق مطلب البوليزاريو، لكنها لا توافق الواقع المغربي الذي يتميز بحركية ومصداقية مجتمعه المدني، الذي لا يحتاج الى تدخل دولي في ميدان حقوق الإنسان.