لم يمهل المرض المناضل الاتحادي محمد معامير طويلا، وهو الذي كان يفيض بالحياة ، والذين عرفوا الرجل في مراحل متفرقة من حياته لم يصدقوا أنه أسلم الروح بهذه السرعة وانتقل إلى دار البقاء . معامير كان من أولئك المناضلين ، الذين أنى وليت وجهك تجدهم . يحضر اجتماعا حزبيا في آسفي ويقضي ليلته في البيضاء ، وفي الصباح يزور الجريدة ومقر النقابة لتسمع أنه في الظهر كان في الرباط، ثم يشاركك كأس قهوة سوداء في مقهى بأسفي ليعود إلى بيته ليلا في اليوسفية . هكذا عرفت الرجل ، وهكذا عرف بين أوساط المناضلين الحزبيين والنقابيين والأصدقاء ، ولعل الصورة الأولى التي خلفها لدي منذ أول لقاء، ظلت هي نفسها إلى آخر أيامه : البساطة . كان بسيطا في كل شئ ، يرفض التعقيدات والجنوح الذي كان لدينا إلى تحليل وتفتيت كل ما يقع حولنا خلال جلسات نقاش مطولة ، غالبا ما كانت تمتد حتى الخيوط الأولى من الصباح ، يظل منصتا إلينا وغالبا ما كان ينتفض في وجهنا مطالبا بالعدول عن هذا الشغف الدائم ب« التنظير» ولسان حاله يقول بأن الأمور واضحة ولا تحتاج إلى إهدار كل هذه الطاقة ، فهناك صف المناضلين والحلفاء ، وفي المقابل صف الخصوم، والصراع معهم يجب أن يظل مستمرا . لكن خلف بساطته الظاهرة ، كان الرجل يخفي صلابة قلما تواجدت للآخرين . قبل أن يطرد من العمل في مديرية استغلال المناجم باليوسفية ، كان الفقيد يعيش وضعا اجتماعيا مقبولا يمكنه من تلبية مطالب عائلته ، لكن التزامه الحزبي والنقابي ، جعلاه يؤدي الثمن غاليا ، بالأسلوب الانتقامي المعروف الذي كانت تمارسه الدولة في حق المناضلين ، فبعد مشاركته الفعالة في إضراب 1986 تم فصله من العمل وطرد من سكنه الوظيفي ليجد نفسه أمام واقع جديد ، مطالبا بإعالة زوجته وأطفاله الخمسة ، انطلاقا....من الصفر. لم يرفع الفقيد الراية البيضاء ، وظل يؤدي واجبه النضالي بنفس الإصرار ، وكان يجد السند في تضامن عائلته الصغيرة وعائلته الحزبية والنقابية، مستلهما روح الصلابة والصبر من آلاف المناضلين الاتحاديين الذين تعرضوا قبله لمحن مماثلة ، واستطاع خلال هذه المدة أن ينشئ أطفاله ويصل بهم إلى بر الأمان برأس مرفوعة رغم كل المطبات . رحم الله محمد معامير ، وعزاؤنا في فقدانه أنه كان إلى آخر رمق مقتنعا بصواب اختياراته ومواقفه وبحبه الجم للحياة .