هي الفتاة الفقيرة التي دخلت عالم النجوم من سرير غرفة نومها، معتمدة فقط على بعض الرسائل الإلكترونية أو رسائل قصيرة عبر الهاتف المحمول. تمكنت من أن تجعل الجميع يعتقدون أنها عشيقة للاعب البرازيلي رونالدينيو، ثم لاعب السلة الأمريكي توني باركر. وفي ظرف سنتين فقط، تمكنت من جمع أكثر من مائتي ألف أورو مقابل إجراء مقابلات صحفية مع جرائد مهتمة بأخبار النجوم وأسرارهم. غير أن مصيرها قادها نحو السجن، حيث اتهمت في أكتوبر 2008 بحيازة دفاتر شيكات مسروقة وتذاكر قطار غير مدفوعة الثمن. قد تكون هذه هي القصة الكاملة لألكسندرا باريسون، لكنها تأبى إلا أن تجعل مسلسلها مفتوحا وبلا نهاية. إذ عندما كانت تغادر السجن، وجدت في لقائها الصحافي «جيروم جيسيل»، وحكت له تفاصيل حياتها القصيرة. وكانت نتيجة هذا اللقاء إصدار كتاب بعنوان «جنس، فضائح وأنترنيت» كتاب يحظى بميزتين على الأقل، كونه ذو طابع كوميدي، ولأنه يكشف عن غياب تام للوازع الأخلاقي لدى ألكسندرا. التقيناها رفقة والدتها لدى ناشر الكتاب، كان التعب واضحا على محياها، كما أن خلطة الصباغة التي وضعت على وجهها جعلتها تبدو وكأنها شاحنة مسروقة حاول أحدهم تغيير ملامحها. كانت ترتدي معطفا يصل لحدود ركبتيها، وترسم على شفتيها ابتسامة عريضة. كان الحوار مباشرا وبلا مقدمات: «هل صحيح أنك انتظرت بلوغك ربيعك الثاني والعشرين لتفقدي عذريتك؟ (مع جون باسكال، نجم «ستار أكاديمي»). أجابت دون تردد: «هذا صحيح. أعلم أنني تأخرت كثيرا، لكنني تمكنت فعلا من تدارك ما فاتني»، أنهت عبارتها مطلقة ضحكة مقهقهة. يطلق عليها البعض لقب «ماريا شوتيرا»، على تعبير البرازيليين الذين يطلقون ذلك التعبير على الفتيات اللواتي يطاردن لاعبي كرة القدم من فندق لآخر. تتحدث ألكسندرا عن تجربتها مع اللاعبين قائلة، إن كل لاعب عبارة عن حيوان في عالم الجنس، فهم لا يقبلون بأقل من فتاتين على نفس السرير. واهتمام الصحافي «جيروم جيسيل» بالجنس في حياة اللاعبين هو الذي قاده لإنجاز كتاب حول تجربتها. هاته التجربة التي تسلط الضوء أكثر على هذا الجانب الحساس من حياة فئة معينة من المجتمع. تقول «مصاصة الدماء» كما يصفها المؤلف: «من خلال علاقاتي الجنسية المتعددة مع لاعبي كرة القدم، لم أبلغ قمة نشوتي سوى ثلاث مرات! كيف إذن يتحدثون عن كرة القدم على أنها رياضة جماعية، في حين أن كل لاعب لا يسعى إلا لتحقيق رغبته الذاتية؟» صحيح أنه من الصعب اختراق مستودعات ملابس فرق مثل ليون وشيلسي، حيث يتمتع اللاعبون بقدر كبير من الحماية. لكن رفقة صديقتها «أورنيلا»، تمكنت ألكسندرا من دراسة الميدان بشكل جيد. تقول: «لقد فكرنا أنه يتعين علينا التعامل مع الأمور على نحو تدريجي، وجعل نقطة البداية هي الدوري الفرنسي للهواة. لكن حظنا لم يكن يضعنا دائما على صهوة الجواد الذي نرغب في امتطائه». لكن «أورنيلا» أو المكلفة بتنظيم علاقات «ألكسندرا» وجدت حلا لهذا المشكل في نسج قصص خيالية!!! وخلقت لنفسها علاقات مع اللاعب الإيطالي «ماركو ماتيراتزي»، والفرنسي «تييري هنري» والبرازيلي «رونالدينيو» ولاعب كرة السلة الأمريكي «توني باركر». كانت طريقة اشتغال ألكسندرا تقوم على الخطوات التالية: استدراج صحافي متخصص في الرياضة وقضاء ليلة معه، ثم التحصل منه على الأرقام الهاتفية للاعبي كرة القدم. وبعد ذلك تأتي مرحلة إغراق هواتف اللاعبين بكم هائل من الرسائل القصيرة وصور أجمل عارضات الأزياء التي يمكن الحصول عليها عبر الإنترنيت، وجعل اللاعبين يعتقدون أننا نحن من يظهر في تلك الصور. وفي آخر المطاف لا يجد اللاعب بدا من الرد، لتأتي المرحلة الأخيرة المتمثلة في الاتفاق على موعد للقاء وإرسال إحدى الصديقات لمجالسة الشخص المعني، وتصوير كل ذلك لحيازة الأدلة، ثم إخبار الصحف والمجلات المتخصصة بأننا قضينا ليلة على فراش رونالدينيو أو غيره. والنتيجة، إجراء حوار صحفي ونشره في صحيفة «بيلد» الألمانية، وآخر في الصحيفة البريطانية «نيوز أوف ذي وورلد». تقول ألكسندرا في الكتاب الذي صدر حولها: «أنا مضاجعة متخصصة في الرياضيين». وتعقب على ذلك قائلة: «كان من الأفضل وصفي ب «مضاجعة النجوم»». أومأ «جيروم» برأسه متفقا على ما تقول، في حين بدت والدتها وكأن هذا النقاش اللغوي لا يعنيها في شيء. تبدو ألكسندرا اليوم نادمة على كل ما قامت به، وهي تكاد حاليا أن تتمم الأقساط الأخيرة من الديون المتراكمة عليها، والتي يبلغ مجموعها 18 ألف أورو، حيث تلقت من دار النشر 10 آلاف أورو كمبلغ مقدم عن نشر الكتاب، والأكيد أنها ستحصل على بضعة آلاف أخرى نظير منح حقوق التصوير لوكالة «سيبا». الأكيد أن إصدار هذا الكتاب جاء ليحل العديد من مشاكل «ألكسندرا». كتاب يحكي قصصا إن لم تُضحك أحدا، فهي بالتأكيد ستبكيه: أب لا يفارق الخمارات، أم تلفها الكآبة، أخت خائنة، قاعة التدليك التي افتتحتها رفقة صديقتها بفضل الأموال التي جنتها من عمليات النصب والتي يستسلم داخلها ضحاياهم مانحين إياها الفرصة للعبث داخل جيوبهم وسرقة بعض دفاتر الشيكات. كانت «ألكسندرا» تسعى لإثارة غضب «إيفا»، «إيفا لونغوريا»، زوجة لاعب كرة السلة الأمريكي «توني باركر»، ونفس الشيء بالنسبة لصديقة اللاعب الإيطالي «ماتيراتزي»، والتي اتصلت بها ونعتتها بالعاهرة. ولعل آخر أصدقاء «ألكسندرا» «كريستوف روكينكور»، ذلك النصاب الذي تحول إلى نجم حيث نصحها بقراءة مؤلفات «نيتشه»، وهو ما فعلته «ألكسندرا»، غير أن ضالتها لم تجدها إلا في مجلات النجوم. ورغم أن أحد الصحفيين حاول في وقت من الأوقات تكذيب مغامرات «ألكسندرا»، إلا أن ذلك لم يحل حينها دون مواصلة أنشطتها، سيما أن فرنسا كلها تقف مشدوهة أمام تلفزيون الواقع وقصص النجوم ومغامراتهم على صفحات «فواسي» أو «كلوزر». حيها المفضل في فرنسا يظل هو «المثلث الذهبي»، أو الحي الراقي التابع للمقاطعة الثامنة بعاصمة الأنوار، في حين تظل شخصيتها المحبوبة هي رئيس الجمهورية «نيكولا ساركوزي». تختتم «ألكسندرا» كتابها بالعبارة التالية: «إن حكمة التاريخ هي أنه ليس ثمة وجود للأخلاق. فالأخلاق ليست سوى لعبة من القرن الماضي لا يمكن تطويرها لتساير تطور البشرية. نحن لا نعيش إلا مرة واحدة، وينبغي أن نستفيد من هذه الحياة إلى أبعد الحدود. لذلك أنا لن أسير على نفس الطريق التي سار عليها والديّ». ع.أ عن «ليبيراسيون» الفرنسية طرحت هذه الأسئلة قديما بشكل آخر: هل الإنسان مسير أم مخير في هذه الحياة؟ مسير بمعنى أن هناك قدرا مكتوبا يتصرف، تساعده أدوات مادية تفرض على الإنسان السير وفق سبل ما محددة سلفا. ومخير بمعنى أن له كامل الإرادة، وحرية التصرف، وحين تكتمل في ذهنه فكرة «صحيحة» ما، وعزم على تطبيقها ما عليه إلا بذل الجهد وتجنيد الطاقات لتحقيقها على أرض الواقع. بين هذا الرأي وذاك يوجد رأي ثالث، يقول إنه ليس هناك الفكر (الإنسان) من جهة، والواقع (الطبيعة) من جهة أخرى، بل هناك علاقة متداخلة ومعقدة بينهما. فالعقل ينشئ منظومات فكرية استنادا إلى المنظومات الأولية التي يستقيها من نشاط الإنسان وتجاربه في الطبيعة، وفي حياته داخل المجتمع، ثم يمكن له أن يقوم هو الآخر بتصريف أفكاره في الواقع وتطبيقها، حسب ما تتيحه له إمكانيات هذا الواقع. تصريف الأفكار وتطبيقها مرتبط بمدى حقيقة الأحكام المستقاة من هذا الواقع طبعا. ولما كان الواقع لا يمكث على حال، والأحكام مختلفة، فقد عرف التاريخ عدة أطروحات لحل مشكلة العلاقة بين والواقع والحقيقة، فظلت الحقيقة، لمدة طويلة، مرتبطة على نحو ما بالمطابقة بين الحكم والواقع. إلا أن الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (1889- 1976) قدم تعريفا ديناميا لمفهوم الحقيقة يتجاوز التعريف الكلاسيكي الذي هو مطابقة الحكم للواقع. وتتجلى هذه الدينامية في تعريف الحقيقة عندما يقوم هايدغر بإقحام عامل الزمان، وذلك بإثارة مفهومين آخرين سيؤسس عليهما مفهوم الحقيقة ألا وهما: الانكشاف والحرية. 1) - الانكشاف بمعنى أن نضع مقياسا (منهجا، منطقا، آلة....) لضبط لقائنا مع الموضوع الذي نريد الكشف عنه. 2) - الحرية بمعنى أن يجعلنا الإعطاء المسبق للمقياس ننقاد بحرية للانفتاح على ما تجلى أمامنا في الواقع، ويُمَكِّننا من حث هذا الواقع على الاستجابة لنا. فبدل أن يرتبط مفهوم الحقيقة بالماضي والحاضر (الانكشاف)، فإنه سيرتبط كذلك بالحاضر والمستقبل (الحرية). فدينامية الحقيقة تتجلى في الحاجة إلى توفير مدة زمنية تمتد من الماضي إلى المستقبل عبر المضارع، تحتاج الحقيقة إذن إلى الأبعاد الثلاثة للزمان (الماضي الذي لم يعد، والمستقبل الذي لم يأت بعد، والحاضر ذلك الحد المثالي الذي يعبر عن لحظة «الآن»). حياة الإنسان وهي تنساب عبر الزمان تتملكها الرغبات التي تحتاج بدورها إلى الإشباع، وهذا ما يحتم على الإنسان البحث باستمرار على توفير الإمكانيات لإشباع رغباته (لامتلاك حريته). إشباع الرغبات ضرورة وجودية للكائن الإنساني تشد تفكيره نحو ما هو مقبل من أحداث، لكن كل تفكير فيما هو مقبل ما هو في الحقيقة إلا إسقاط للماضي على المستقبل، وبنفس قدر هذا الإسقاط على المستقبل فإنه يدفع بدوره الإنسان إلى تدبير ماضيه من خلال عملية الرجوع إلى هذا الماضي، مما يجعل حياة الإنسان وبصفة دائمة على شكل عودة إلى الماضي ومشروع نحو المستقبل، ووحدها الإرادة تجعل الموقف حاضرا وذلك بعد أن يتم إحضار الماضي والمستقبل معا، أي إحضار الماضي والمشروع. فالإنسان، كما يقول هايدغر، يتعامل مع ماضيه بنفس الحركة التي يلقي فيها إمكانياته على المستقبل، والماضي الذي يكرره هو صورة من مشروعه، وتأثير الماضي عن طريق التكرار على الحاضر والمستقبل ناتج عن القدرة على الكشف، من طرف الإنسان، عما بقي فعالا من هذا الماضي، وهذا يعتمد طبعا على مدى صدقية المقياس، هذه الصدقية التي تظل رهينة بالحرية المكتسبة. ومن هنا يمكن أن نعتبر أن الإرادة هي تقاطع امتداد كل من الانكشاف والحرية إلى المضارع، أي أن الحقيقة تستمد قيمتها بما تمنحه للإرادة من إمكانيات لإلقاء المشاريع على المستقبل. وكل حقيقة لا تمنح الإنسان القوة العملية لحث الواقع للاستجابة لمشاريعه المستقبلية هي حقيقة صورية مجردة لا قيمة لها. فمن زاوية النظر هذه لم تعد الحقيقة رهينة التطابق بين الفكر والواقع، بل أصبحت رهينة بالإنسان وما ينكشف له من خلال تجربة حياته وما يوفره من إمكانيات لتفعيل إرادته لأجل كسب حريته.