إذا كان بعض « مرضى الدم المسفوح»، قد صفقوا طويلا لرئيس دولة إسرائيل شيمون بيريس، وهو يتبنى ويبرر كل الجريمة الهمجية التي ارتكبت في غزة بملتقى دافوس السويسري،، بل ولم يخجل رئيس جلسة حوار أن يقاطع ويمنع رئيس وزراء تركيا أردوغان من الرد على جريمة الكلام الساقط الذي قاله بيريز أمام أعين بان كيمون ( الأمين العام للأمم المتحدة ).. إذا كان ذلك، واحدا من العناوين عن السفاهة السياسية والأخلاقية التي بلغها بعض من العالم الغربي المتقدم، فإن عددا من أصوات النزاهة والمروءة تأتي أيضا من الصف اليهودي بالعالم، كي تذكرنا أن المجرم هو مجرم، كيفما كانت ديانته وجنسيته، وأنه لا يمكن رهن شعب أو ديانة بجرائم ذلك المجرم، حتى وإن كان رئيس دولة عنصرية صهيونية مجرمة مثل إسرائيل ومثل بيريس. من آخر الأصوات التي تصالح الإنسان مع إنسانيته فعليا، ولا تقتل الشهداء مرتين، أو تتاجر بالمبدأ الإنساني للحق والعدل، صوت الكاتب اليهودي المعروف « جون - موسى بريتبرغ »، الذي وجه رسالة إلى شيمون بيريس بالتحديد، يطالبه فيها بأن يمحو إسم جده من لائحة ضحايا الهلوكوست النازي بحائط الذكرى « ياد فاشيم » بإسرائيل، لأنه لا يشرفه أن يكون اسم جده واسم عائلته متواجدا هناك عند قوم يسرقون ذاكرة ضحايا اليهود ويتاجرون بها، وهم يقومون بنفس ما قامت به النازية من محرقة ومن جريمة ضد الإنسانية، في غزة وضد الفلسطينيين. لقد كتب بريتبرغ يقول في رسالته: « السيد رئيس دولة إسرائيل، أطلب منكم التدخل لدى من له السلطة القانونية، لسحب اسم جدي موشي بريتبرغ الذي اغتيل بالغاز بتريبلينكا سنة 1943، وكذا باقي أسماء عائلتي الذين قتلوا في مختلف معازل النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، التي توجد محفورة في متحف ذاكرة الهلوكست « ياد فاشيم »، بإسرائيل. إني ألح على سيادتكم في ذلك، لأن ما وقع في غزة، وكذا المصير الذي تصنعونه عموما لكل الشعب الفلسطيني منذ 60 عاما، إنما يسقط من عيني دولة إسرائيل التي لا تمثل إطلاقا ذاكرة الألم اليهودي، ولا تنتمي لذاكرة النبل الإنساني عموما. لقد عشت منذ طفولتي بين الناجين من النازية،، وكنت ألمح أرقام الإعتقال الموشومة على أكتافهم، وكنت أستمع لحكاياهم عن صنوف العذاب الذي قاسوه، وأعلم أنه لا مكان لعلاج ما وقع لهم، وكنت فقط أقاسمهم عذابات كوابيسهم. ولقد علموني أنه يجب النضال حتى لا تتكرر مثل تلك الجرائم في تاريخ البشرية مستقبلا، وأنه ما دمت إنسانا يجب أن لا أقوم أو أقبل بأي جرم مماثل، وأن لا أسكت عن أي غطرسة لمن يستقوي بقوته أو نفوذه لظلم الإنسان. بينما منذ عشرات السنين - رغم كل أشكال الحل المقترحة - لم تعمل دولة إسرائيل سوى على تقديم جواب واحد بشكل متواتر، هو المزيد من الدم المراق والعنف والإنغلاق والمراقبة الأمنية المبالغ فيها والإستيطان. قد تقولون لي السيد الرئيس إن ذلك دفاع شرعي ضد الصواريخ التي تسقط على إسرائيل وضد الإنتحاريين الذين يجرفون أرواحا إسرائيلية بريئة، وهو ما أجيبك عنه أن شعوري الإنساني واحد أمام الضحايا مهما اختلفت جنساتهم ومواطنتهم. وأنتم تدعون قيادة دولة تمثل اليهود عبر العالم، وكذا ذاكرة ضحاياهم الذين سحقتهم النازية، إنكم إنما ترهنون وتعتقلون ذاكرتنا الجماعية وراء أسوار الصهيونية. لهذا من فضلكم، اسحبوا اسم جدي من ذلك المتحف الممجد لضحايا النازية، حتى لا يبرر أبدا بعد اليوم ما ترتكبونه ضد الفلسطينيين»..