جاء بلاغ الوزير الأول عباس الفاسي قويا، وبطلقات متتالية على جهات يقول البلاغ أنها أقحمت شخص «جلالة الملك المقدس ومواقفه المولوية المبدئية والشريفة، المترفعة عن كل الاعتبارات الضيقة، في حسابات سياسوية رخيصة». وجاء ذلك على إثر ما سماه البلاغ «الإدعاءات العارية من كل صحة، ومحاولة تزييف الحقيقة » بخصوص موقف المغرب من «القضايا المصيرية للوطن وللأمة، وفي طليعتها القضية المقدسة للشعب الفلسطيني الشقيق». بداية يجدر التذكير بأن المغرب، كان دوما يتعالى على صراعات العرب - العربية والصراعات الفلسطينية الفلسطينية، لكي يترك للقرار الفلسطيني كل مداه، كما أن القضية الفلسطينية ظلت محط إجماع وطني لا يضاهيه سوى الإجماع حول القضية الوطنية. وربما هذا ما خلق الإستثناء المغربي في مناصرة القضية الفلسطينية، وفي الارتباط النظيف والمتسامي معها. لقد كان لزاما على الوزير الأول أن يترجم الغضب المغربي من أي توظيف قد يوحي بأن الممثل الأسمى للبلاد يخضع للضغط في قضية نبيلة بكل معايير الدين والأخلاق والتاريخ والإنسانية. وكان البلاغ في محله طبعا، عندما رفض رفضا قاطعا إقحام الملك في ما قد يعتبر ترتيبات سياسية للتغلغل الجماهيري. وأعتقد بأن تراجع المعني بالأمر هنا، عبد الإله بنكيران عما نسب إليه، بالرغم من كل الإحتياطات اللازمة، يحسم الأمر في اتجاه إعادة الحساب والتقدير الصحيح لكل خطوة، والتراجع إقرار بالخطأ إذا حصل، ويترتب عليه ما يترتب أخلاقيا وتواصليا.. وهذا ليس دفاعا أبدا عنه، لأن عليه أن يفعل ذلك بنفسه، كما أنه لا يكون من باب الدفاع عنه أن نعود إلى مسألة إقحام شخص الملك المقدس في قضايا سياسيوية ولحسابات صغيرة للغاية. وهو الوجه الآخر للإخلال بالاحترام الواجب لجلالة الملك. وهنا تعود إلينا العديد من الحالات، كما وقع في فاس مؤخرا عندما أقحم مسؤول جماعي شخص الملك في تسويق صورة الرضى عن التسيير المحلي، ووقفت المعارضة لتعطي للمسألة حجمها، وكان من الضروري أن تكون هناك ردود فعل تعيد الأمور إلى نصابها. وتعود إلينا حالات رؤساء الجماعات والبلديات الذين يغتنمون كل فرصة يزور فيها ملك البلاد مناطقهم (وأحيانا بدون مناسبة )، لكي يتحدثوا عن الرضى الملكي والتنويه به، ولا يمكن لأي كان أن ينفي ذلك أو يثبته، لكن الأجهزة التي تسهر على الأشياء تغض الطرف كما كان يحدث في مدينة المحمدية مثلا، عندما تتحرك آلة الإشاعات والبروباغاندا، ولكن الأجهزة نائمة على إقحام شخص الملك في قضايا وحسابات أقل بكثير من حسابات غزة والمحنة الفلسطينية. ولن ننسى أيضا الإقحام الإعلامي والعلني الواضح لشخص الملك في قضية ترشيح فؤاد عالي الهمة واستعمال اسم جلالة الملك بدون أدنى احترام ولا ورع في الحملات الإنتخابية. وكان من اللازم أن تصدر البلاغات لكي تعيد الأمور إلى نصابها عندما كنا نقرأ بالبنط العريض «فؤاد علي الهمة مرشح الملك، وصديقه ..،» وأحيانا يقدم الحزب كله على أساس أنه التمثيل الحزبي للملكية (مهما كان الإستنتاج صادما، فإنه يهز الكيان فعلا أن يقال هناك حزب الملك وحزب بن بلة ..)! ولعل رجال الأعمال ورجال الأبناك وغيرهم من الفاعلين الاقتصاديين يدركون أيضا كيف يتم التحايل على اسم جلالة الملك ويتم إقحام شخصه الكريم في قضايا الربح والحسابات وفواصل الأموال... لن يقبل المغاربة بأن يصل النصب عليهم إلى هذه الدرجة من الإسفاف والإنحطاط، لأن الذين يعرفون تاريخ البلاد يقدرون بالفعل قيمة شخص الملك، كما يدركون حجم الخطورة في مثل هذه السلوكات التي يرفضها العقل والخلق.