عرفت هذه السنة الاحتفال بالذكرى الستينية للإعلان العالمي لحقوق الانسان كأول إعلان تناسلت منه مختلف الاتفاقات والمواثيق والعهود الدولية الآخذة في التوسع والانتشار والتطور، شملت كل مجالات الحياة بما في ذلك الحق في بيئة نظيفة. وتخليدا لهذه الذكرى وإرساء لمبادئها وأهدافها، احتفل الحقوقيون في مختلف بقاع المعمور بهذه الذكرى عن طريق تنظيم العديد من الانشطة التي نظمت بهذه المناسبة لإشاعة ثقافة حقوق الانسان. ومن غريب الصدف، أن تتزامن هذه التظاهرة التي تخلد الذكرى الستينية للإعلان العالمي مع الذكرى الستينية للنكبة الفلسطينية التي توجها العدوان الاسرائيلي بمحرقة غزة التي ضربت كل مبادئ وقيم حقوق الانسان في شموليتها لدرجة ان الكيان الصهيوني ذهب به العدوان لدرجة فاقت كل الحدود، بما في ذلك ارتكابه لمجموعة من الجرائم تدخل في خانة جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية، خارقة بذلك كل مقتضيات القانون الدولي والقانون الدولي الانساني. إن العدوان الاسرائيلي غير المسبوق في تاريخ البشرية استهدف اقتلاع الانسان الفلسطيني من جذوره عن طريق نهج سياسة الارض المحروقة باستعماله لكافة الوسائل والاسلحة، بما في ذلك المحرمة استعمالها دوليا، سواء المعروف منها والمجهول التي استعملت لأول مرة على الارض الفلسطينية التي حولتها اسرائيل الى مختبر جربت فيه ما أصبحت تمتلكه أو يهدى لها من طرف الدولة العظمى من أسلحة تحرق الارض والشجر والبشر لتجفيف كل منابع الحياة، وهو ما يتأكد من خلال استهداف المدنيين والاطفال والنساء اعتقادا من هذا الكيان الصهيوني بأن كل طفل هو مشروع مقاوم، كما ان نساء فلسطين هن اللواتي يغذين المقاومة من رحمهن، ولأجل ذلك فإن إسرائيل لم تتورع عن ارتكاب جريمة التطهير العرقي أو ما يعرف حقوقيا بالجينوسيد الذي يجب على المجتمع الدولي متابعة إسرائيل ومحاكمتها من أجله وغيره من الجرائم المرتكبة احتراما للمبادئ والقواعد المنصوص عليها في القانون الدولي الانساني وكذا المواثيق والعهود المرتبطة به وخاصة (اتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية روما) إذ لا يمكن تحت أية ذريعة كانت السماح لإسرائيل بخرق كل المبادئ والقيم التي راكمها الجهد الانساني عبر مساره الطويل والتي أنتجت مختلف الاعلانات والمواثيق والعهود وإلا أصبح المجتمع الدولي متواطئا ومشاركا الكيان الصهيوني في جرائمه، الشيء الذي سيؤدي بالضرورة الى ضرب منظومة حقوق الانسان وزعزعت الثقة في مصداقيتها، أي أن جحيم الاعتداءات التي تعرض لها قطاع غزة على وجه الخصوص يثبت بما لا يدع أي مجال للشك ان هذا الاعتداء لا ينحصر أثره على القضية الفلسطينية والانسان الفلسطيني في حاضره ومستقبله، بل إن مداه يجاوز هذا الامر ويمتد آثاره الى المساس بحقوق الانسان في جوهرها على اعتبار ان الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل في قطاع غزة تتناقض مع كل مبادئ وقيم حقوق الانسان وتتعارض معها، بل إنها تسير في اتجاه معاكس وفي خط موازي لها وهو ما يجب ان ينتبه إليه المجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين ويتغافل عن الاعتداءات والخروقات الاسرائيلية بمبررات وتعليلات تتضمن نوعا من الاستبلاد للفكر الحقوقي والقانوني. إن المجتمع الدولي بانتهاجه لهذه السياسة التي تخفي وراءها البعد الجيوسياسي الاستراتيجي المصلحي للدول العظمى المتحكمة في قراره والمؤثرة فيه، فإنها تكون بذلك تلعب دور المساهم والمشارك في ضرب منظومة حقوق الانسان والحد من مصداقيتها والتقليص من نشر ثقافتها، وبالتالي فإنها تكرس ثقافة الحقد والعنصرية والكراهية بدل قيم التسامح، والقبول بالآخر بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو دينه أو... أو.............. إلخ. إن العدوان الاسرائيلي الهمجي والوحشي الذي مورس على قطاع غزة والذي سبقه حصار امتد لعدة شهور لا يمكن وصفه إلا بكونه تطهير عرقي (الجينوسيد) على اعتبار ان أسلحة الدمار التي استعملها آل صهيون جوا وبرا وبحرا استهدفت كل من يدب على الارض من أطفال ونساء ورجال شيبا وشبابا خلفت العديد من الضحايا أغلبهم من المدنيين العزل بمن فيهم الذين لجأوا للاحتماء بوكالة غوت اللاجئين التي يرفرق فوقها علم الأممالمتحدة، كما ان هذا العدوان استهدف أيضا المستشفيات وسيارات الإسعاف ووسائل الاعلام وذلك بغاية الحيلولة دون إنقاذ الجرحى إمعانا في التقتيل. وممارسة التعتيم الاعلامي على هذه الجرائم التي لا يختلف إثنان على أنها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية تستوجب بالضرورة محاكمة المسؤولين عنها كما حوكم النازيون، وما لم يصحو الضمير العالمي وينهض كل نشطاء حقوق الانسان للدفاع عن إنسانية الانسان وحقه في الحياة والعيش بأمان، وما لم يكسر هذا الصمت الصارخ والرهيب فإن الكل سيكون مسؤولا عما قد تتعرض له هذه الحقوق من مساس تصيب مصداقيتها في الصميم.