غادر سعيد مقر عمله بالحي المحمدي مساء متعباً، بعد كد يوم شاق ومُرهق، توجه بخطوات متثاقلة نحو محطة الحافلات، في انتظار وصول «الطوبيس» ممنيا نفسه بأخذ دوش ساخن يزيل عنه التعب عند وصوله إلى منزله، والاسترخاء على «إيقاع» كأس شاي منعنع إلى أن يتناول وجبة العشاء ثم يخلد للنوم. الأفكار/ المتمنيات التي كانت تراود سعيد سرعان ما سيستفيق منها بمجرد رؤيته الحافلة رقم 90 قادمة، فتقدم خطوات إلى الأمام رفقة من اصطفوا إلى جانبه وهم على أهبة الاستعداد «للانقضاض» عليها ومحاولة الظفر بمكان داخلها، إلا أن سائق الحافلة سيكون له رأي آخر وهو يزيد من سرعتها ل «يحرگ البلاكة»، تاركاً وراءه المواطنين يكيلون له اللعنات والسب، ورؤوسهم تستشيط غضباً! عاد سعيد أدراجه خطوات إلى الوراء وجلس على الرصيف مفكراً في الوقت الذي سيضيع سدى في انتظار الحافلة المقبلة، إلا أنه لم يكن أمامه من مفر أو حل سوى الانتظار، فوسائل المواصلات التي من شأنها إيصاله إلى منزله بحي الألفة منعدمة ولا خيار له سوى «التسعين»، الذي سيقضي زهاء نصف ساعة أخرى في انتظاره قبل أن تتوقف حافلة جديدة لنقله نحو الحي الذي يقطن به. عبء «الرحلة» سينضاف إلى سلسلة الأعباء التي تثقل كاهل سعيد وتزيد من تعبه، للوضعية غير المريحة ولطول المدة، قبل أن يصل إلى وجهته، فنزل من الحافلة وتوجه نحو منزله ب «الشهدية» بحي الألفة، فتح باب المنزل وصعد الدرج نحو شقته، ضغط على الجرس لتطل عليه ابنته نشوى ، ذات السبع سنوات بابتسامتها الطفولية البريئة التي يحس معها بأن همومه كلها زالت، عانقها وقبلها ثم تقدم خطوات داخل الشقة قبل أن يكفهر وجهه وهو يشاهد قنينة غاز البوطان تنتظره في البهو، «مخبرة» إياه بضرورة النزول عند البقال! طلب سعيد من زوجته إعفاءه من النزول مجدداً كونه متعباً، واستعمال قنينة الغاز الصغيرة، إلا أنها ستخبره بأنها هي الأخرى فارغة ونسيت استبدالها، فلم يكن أمامه من خيار سوى حمل «البوطا الكبيرة» على كتفه، والتوجه نحو البقال الذي يبعد عن مقر سكناه بمسافة ليست بالبسيطة، قبل أن يجد مفاجأة أخرى بانتظاره عندما سيخبره بأن «البوطا تْقَادَاتْ»، وبأن ممونيه لم يزوره بعد، فسأله إن كانت قنينة الغاز من الحجم الصغير متوفرة ليرد عليه بالإيجاب. عاد سعيد، بخطوات متثاقلة، نحو المنزل، صعد الأدراج من جديد ثم دخل شقته ليضع «البوطا» جانباً ويحمل ذات الحجم الصغير بيده، وقفل راجعاً إلى الدكان، والسخط والغضب ينفخان أوداجه، قبل أن يضعها على «كونطوار» البقال، الذي عمل على استبدالها بأخرى ممتلئة، فأخرج سعيد ورقة من فئة 50 درهما لتسديد ثمنها، ليسترد الباقي من البقال، فوجد بعد عدِّه أنه ناقص . ذكّر صاحب الدكان بأن «يزيد الصرف»، إلا أنه أخبره بأن حسابه مضبوط ولا «يخصه» شيء. كرر سعيد الحساب مرة أخرى ليتبين له بأن درهمين مازالتا «بذمة» البقال، فأخبرهذا الأخير بأنه «قْطَعْ 240» عوض عشرة دراهم ثمن البوطا، ليرد عليه البقال بأنه يبيع قنينة غاز البوطان ب 12 درهماً! جواب لم يقنع سعيد الذي سيحتج وهو يجد أمامه «مول الحانوت» لا يحترم التسعيرة المفروضة ويقوم ببيع المواد المعروضة بالدكان كيفما يحلو له وبأثمنة تفوق قيمتها الحقيقية، إلا أن احتجاجه لم يغير من الأمر شيئاً وهو المحتاج «للبوطا»، سيما وأن الجواب الذي تلقاه «هذاك هو الثمن ديها ولا خليها»!