إذا كانت فلسفة العمل الجمعوي تتغيا المساهمة في التنمية الاقتصادية ، الاجتماعية ، الثقافية والبشرية أيضا، في منأى عن أية أغراض أومنافع ذاتية ، مادية كانت أو معنوية، وإذا كانت مختلف الجمعيات تشير وتنص في قوانينها الأساسية على أنها «مستقلة ولا تمارس أي عمل سياسي»، فإن واقع الحال غير ذلك، حيث أن جمعيات أسست لغايات ومقاصد لا علاقة لها بالحياة الجمعوية، بل هي أدوات وآليات مسخرة لإفساد الحياة السياسية العامة وتمييع العمل الديمقراطي والحزبي، وجل الأنشطة التي يقوم بها هذا الصنف من الجمعيات ، وما أكثرها، والخدمات التي تقدمها ، خاصة الاجتماعية، ما هي سوى دعم لجهات معينة، ظاهره عمل إنساني إحساني، وباطنه حسابات شخصية تروم تقوية النفوذ، كما أن أغلبية جمعيات هذا الصنف شبيهة بالخلايا النائمة لا تستعيد حيويتها إلا باقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية حينما ترفع من إيقاع تواجدها وتنزل إلى الساحة، مستغلة الأوضاع الاجتماعية المتردية لفئات عريضة من المجتمع، فتقوم إما بتنظيم قوافل وحملات طبية في تخصصات عدة عادة ما تتوقف نتائجها عند التشخيص، وفي غالب الأحيان، تربك عمل وأجندة بعض الأطقم الطبية العاملة بالمؤسسات التابعة للصحة العمومية، حيث يتم إقحامها وإرغامها، بشتى الوسائل للإسهام والمشاركة في العملية، وإما أن تقوم بتنظيم سفريات بالمجان إلى الحامات والمنتزهات غالبا ما تستغل لأجل ذلك وسائل النقل التابعة لمؤسسات عمومية، خاصة الجماعات المحلية، إن لم تكن المصاريف المصاحبة لها على حساب ميزانياتها. وبالدائرة الترابية التابعة لنفوذ عمالة مقاطعات سيدي البرنوصي، يتعشش صنف هذه الجمعيات، حيث يتم إيقاظها من سُباتها مع قرب أجل الاستحقاقات الانتخابية ويأفل بريقها بمرورها. لكن الأدهى والأمر، عندما تتولى بعض الجهات النافذة و بعض ممثلي المؤسسات الرسمية المفروض فيها التزام الحياد الإيجابي بالسهر على التطبيق الحرفي للقوانين والأنظمة المؤطرة للعمل السياسي والجمعوي، والعمل بجد وحزم لوقف العبث، الآخذ بزمام التحكم عن بعد في جمعيات «الكراكيز» التي لا تتقن إلا الولاء لأولياء النعمة، ولو على حساب الصالح العام أوالمصلحة العامة، غاياتها تلميع أوجه لا تتقن دورها إلا في «البهلونة الحزبية». إن التمادي في عمليات إجهاض المشروع السياسي المغربي الذي قدمت تضحيات جسام لأجل ترسيخه، واتباع مسلكيات شائنة تشجع عليها، لن تزيد الأوضاع خاصة السياسية إلا اختناقا وتأزماً، و«نكبة» سابع شتنبر 2007 غير بعيدة، حيث نسبة العزوف عن المشاركة في التصويت فاقت كل التوقعات، إضافة إلى العزوف عن التسجيل في اللوائح الانتخابية، وهما مؤشران دالان على أن أفق الحياة السياسية العامة يكتنفه الغموض وينحو في اتجاه غير قويم وسليم، وهو ما لا يتمناه كل متشبع بالوطنية الصادقة.