يعتبر العدوان العسكري الجاري على الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة، حلقة جديدة في سلسلة الجرائم التي ترتكبها اسرائيل بحق الشعب . وإذا كان هذا العدوان قد ووجه بإدانة شعبية، ربما غير مسبوقة في العالم، فإن هذ الزخم الشعبي المناهض للعدوان لايجب ان يكون دون نتائج ويجب استثماره سياسيا وحقوقيا. ويتعين ان يشكل بداية لمرحلة جديدة من الكفاح الذي يتعين على النخب العربية، وفي مقدمتهم رجال القانون، والمنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية وكل المنظمات والضمائر المؤمنة بالعدل عبر العالم، أن تطلقه لقلب معادلة ما حققه العدوان على الأرض، إلى تحقيق مكاسب سياسية للشعب الفلسطيني، وإلى بداية لإدانة جنائية للمسؤولين والمؤسسات الإسرائيلية بسبب الجرائم التي ارتكبوها في حق المدنيين وممتلكاتهم. لقد كانت منازلة غزة باهظة الثمن حيث دفع الشعب الفلسطيني مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعطوبين ودمرت أو أحرقت ممتلكات المواطنين. ويتعين ألا يكون مقابل هذا الدمار مكاسب سياسية لإسرائيل، بل بداية حقيقية لإنهاء الاحتلال. وبعد كل هذا القتل والدمار والهمجية التي شاهدها العالم، يتعين العمل على إجبار المسؤولين العسكريين والسياسيين والمؤسسات الإسرائيلية على تقديم الحساب والمثول أمام القضاء الدولي. فقد قتلوا ما شاؤوا وكما شاؤوا وتلذدوا بالقتل، وقد دمروا ما شاؤوا وأحرقوا ما شاؤوا وما أرادوا، ولم يقف أحد من هذا العالم المتمدن والعام العربي في وجه آلات الدمار التي سخروها في جرائمهم . واليوم سيكون على كل الضمائر المحبة للعدل أن تسائلهم وتحاكمهم وتعاقبهم. وسيكون إفلاتهم من العقاب هذه المرة إشارة دولية إلى إطلاق أيدي الطغاة والمستبدين ، من قبيلهم، لإشاعة الفوضى والقتل، وستكون محاكمة أي مسؤول بتهم الإبادة غير ذات معنى إذا لم يمثل المسؤولون عن جرائم الحرب الاسرائليون أمام القضاء الدولي، مادام الأمر سيعني أن هذا القضاء ومجموع المواثيق الدولية ومقتضيات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، إنما تستثني حكام إسرائيل. في هذا المقال الذي هو حلقة في سلسلة مقالات حول بعض قضايا القانون الدولي الإنساني، سنبين، انطلاقا من مقتضيات هذا القانون كيف أن حكام إسرائيل هم مجرمو حروب وعلى أي أساس قانوني يجب أن يحاكموا. وبداية، نعتبر أن النضال العربي والعالمي من أجل مثول حكام إسرائيل أمام العدالة الدولية هو شكل جد فعال في إسناد الكفاح الفلسطيني ومناصرة للعدل وحقوق الإنسان عبر العالم، لأن من شأنه التخفيف من معاناة العديد من المجموعات البشرية وتمكين أخرى من التمتع بحق الحياة والإفلات من همجية القتلة، فضلا عن من دوره في كبح جماع المؤسسة العسكرية والسياسية الاسرائيلية التي تقتل منذ اكثر من ستين عاما دون حساب. ونعتبر في المقام الثاني أنه يتعين الانتقال من مرحلة الإدانة السياسية والإعلامية والدبلوماسية للعدوان، إلى الفعل، بإعداد الملفات القانونية الضرورية لمثول مجرمي الحرب أمام القضاء الدولي، وتضمينها المستندات والأدلة الحية التي شاهدها العالم مباشرة على شاشات التلفزيون وتلك التي لم يسمح بنشرها او بثها، ورصد وتسجيل شهادات المسؤولين الدوليين بشأن جرائم إسرائيل. وحيث إن العدوان على غزة ليس إلا حلقة في سلسلة الجرائم الإسرائيلية بحق شعوب المنطقة والتي لايمكن اختزالها في الحرب الأخيرة، فإن السعي إلى إحالة مجرمي الحرب الإسرائيليين على القضاء الدولي، يتطلب وضع استراتيجية عمل تقوم في بداية الأمر على: 1 جرد الممارسات الإسرائيلية الخارقة للقانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني وقرارات الأممالمتحدة ومبادئ حقوق الانسان ؛ 2 جرد الجرائم الإسرائيلية وفق تسلسل خطورتها: جرائم إبادة الجنس البشري وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم القتل والعدوان واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا وتدمير الممتلكات المدنية والقصف العشوائي لها وتجويع وحصار واحتجاز السكان المدنيين وقصف المناطق المحمية والامنة؛ 3 تشكيل فرق عمل قانونية وحقوقية عبر أهم مناطق العالم قصد التعريف وفضح الجرائم الإسرائيلية واستعمال كافة الوثائق الممكن جمعها في هذا الشأن من صور وتقارير إخبارية وتصريحات للضحايا. في تصنيف و توصيف الجرائم الإسرائيلية: يمكن تصنيف الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة (لبنان والجولان السوري وسيناء المصرية) إلى خمس مجموعاتهم هي: جرائم الإبادة الجماعية جرائم ضد الإنسانية جرائم الحرب جرائم العدوان جرائم الحصار وتجويع المدنيين جرائم تدمير الممتلكات المدنية جرائم الاعتداء على المناطق والأشخاص المحميين أ جرائم الحصار وتجويع المدنيين: لم تكن حالة حصار غزة خلال السنوات الأخيرة سوى صفحة أخرى سوداء في تاريخ القتل البطيء، والإهانة المتواصلة للشعب الفلسطيني. فالحصار وإغلاق المدن والبلدات والقرى والأحياء والمعابر، هي من جوهر السلوك الاستعماري الإسرائيلي وسلطاته التي تحرم المدنيين من حق العمل وممارسة أعمال لكسب الرزق والبقاء، ما يعني عمليا اعتقالا واحتجازا جماعيا للمدنيين. وتعتبر هذه الإجراءات منافية وخرقا جسيما لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب الموقعة في 12 غشت 1949، التي صادقت عليها إسرائيل عام 1951 والتي تنص في مادتها 23 على أنه يتوجب على الأطراف الموقعة على الاتفاقية كفالة «حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العيادة المرسلة حصرا إلى سكان طرف متعاقد آخر حتى لو كان خصما. وعليه كذلك الترخيص بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية والملابس والمحتويات المخصصة للأطفال دون الخامسة غشرة من العمر والنساء الحوامل أو النفاس». وسيكون من باب تحصيل الحاصل التفصيل في التذكير بما تمارسه إسرائيل من حصار ومنع للأغذية والأدوية ومحاصرة المستشفيات وقصف سيارات الإسعاف حيث يموت الجرحى أو تضع الحوامل على الطرقات. وتعتبر مسؤولية إسرائيل أخطر في هذا المجال لأنها دولة احتلال وهي ملزمة بمقتضى القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، بتوفير الحماية للمدنيين.