ما هو الربح الذي تنتظره اسرائيل بعد هذا القصف الجديد لفرض (الرصاص المتدفق)؟ ضمان أمن المواطنين الاسرائيليين، سحق حماس. هل هناك حالة واحدة أثبتت في الماضي أن هذا الأسلوب قد ينجح؟ عملية «عناقيد الغضب» وما تبعها من مجزرة في قانا بلبنان سنة 1996؟ لقد قوت حزب الله وانتهت بانسحاب القوات الإسر ائيلية من جنوب لبنان سنة 2002، عملية «حصون في جنين» في ربيع 2002؟ عملية «الطريق الصارم» بعد ذلك بشهرين؟ لقد كانت سنتا 2002 و2003 سنوات دامية بالنسبة للسكان المدنيين في اسرائيل: 293 قتيلا عملية «قوس قزح» في ماي 2004؟ «يوم الندم» أربعة أشهر بعد ذلك في شمال قطاع غزة بنفس الحصيلة المأساوية؟ اغتيال القادة السياسيين لحماس الذي تبنته القيادة الإسرائيلية دون خجل؟ العمليات الانتحارية بلغت ذروتها سنة 2005، وفي بداية السنة الموالية حصلت حماس على الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية. حرب لبنان سنة 2006 مع ما خلفته في دمار في البلد وأزيد من 1000 قتيل مدني، 30% منهم أطفال؟ هنا أيضا اسرائيل دمرت ولم تحصل على شيء. غنيمتها؟ تبادل جثثي جنديين اسرائيليين مقابل خمسة معتقلين وحوالي عشرة جثث لمقاتلين لبنانيين وفلسطينيين في يوليوز 2008. ماذا يربح قادة حماس بمواصلة إطلاق القذائف على اسرائيل؟ لماذا هذا الإصرار على توجيه ضربات يتلقون مئات أضعافها؟ نعم أن تكون حركة مقاومة مستعدة أمام قوة محتلة، لتقديم رجال مقابل كسب مواقع على الأرض، ولكن عندما يكون ميزان القوة على ما هو عليه، عندما يكون إطلاق قذيفة واحدة متبوعا بطوفان من النار، عندما يكون ثمن الفعل باهظا في الأرواح البشرية، بلا نتائج على المستوى السياسي، ولا شعبيا على المستوى الدولي؟ ما هو منطق مثل هذا التعنت والاصرار؟ صحيح أن الفوز الديمقراطي لحماس سرق منها. صحيح أن انكار حقها في السلطة عزلها بشكل خطير، إلى حد أنه لن نعرف أبدا ماذا كانت ستفعل لو أنها أخذت كمحاور، ولكن مع ذلك فالمعركة السياسية تتطلب الكثير من اليقضة والابتكار، سيما وأن الخلاف كبير والوسائل محدودة. لكن العنصرين معا كانا غائبين. لماذا يعتقد أعضاء حماس أنهم مضطرون للمزايدة دائما ولو كان الثمن مصداقيتهم ورجالهم؟ لماذا هذا الإصرار على عدم سماع مخاوف اسرائيل من المستقبل، والإبقاء على عدم الفهم، بدل محاولة الفهم؟ ماذا سيربحون من تأجيل الاعتراف باسرائيل؟ ورقة يمكن طرحها في المفاوضات المستقبلية؟ أليس بطرح هذه الورقة على طاولة المفاوضات يمكن أن يبدأوا في ربح أوراق أخرى، وإعادة الحق إلى قلب النقاش؟ ماذا قدم رئيس السلطة الفلسطينية لشعبه مقابل تنازله الكامل للسلطة الأمريكية والاسرائيلية/ فمن تنازل إلى تنازل ومن مصافحة الى مصافحة لم يحصل على شيء سوى بقائه في السلطة. لقد خلط بين الانفتاح والاستسلام، لقد خاطر بوحدة شعبه، وفي هذا الوقت مازال الفساد الذي كان سبب الفشل الانتخابي لحزبه، مستمرا بدون عقاب. فعباس واتباعه، الناطق باسم قضية من ذهب، قضية لا يمكن دحضها، لم ينجحوا أفضل من قادة حماس في بلورة خطاب منسجم يحظى بمصداقية. خطاب يخلق الحركة. يصيب المخيال، يتعامل برأس مرفوعة ندا لند مع الاسرائيليين. لقد فرطوا في مكتسبات الانتفاضة الأولى لقد ارتاحو للتعاون، للمفاوضات العقيمة، لكل ما يميز الخراب السياسي للعالم العربي منذ حوالي قرن. ماذا تربح الولاية المتحددة من دعمها اللامشروط للسياسة الاسرائيلية؟ نعم استمرار العلاقة المتميزة جدا مع شريك استراتيجي يملك القنبلة الذرية في الشرق الأوسط. لكن يبقى السؤال الجوهري: كيف يمكن لحصاد العلاقة السياسية الأمريكية الاسرائيلية طيلة أربعين سنة الأخيرة، أن يعزز الإدارة الأمريكية في اختياراتها؟ ثلاثة من ركائز هذه الاختيارات ما فتئت تبدو غير فعالة وخطيرة. 1- البحث عن السيطرة باللجوء إلى القوة العسكرية في العراق، كما في الأراضي المحتلة، هذه المعادلة لم تنجح لا في سنة 1991 خلال حرب الخليج الأولى ولا سنة بعد سنة في الضفة العربية وفي قطاع غزة. ولا في سنة 2005 في لبنان، ولا منذ خمس سنوات مع حرب الخليج الثانية. 2- اختيار الهيمنة عن طريق التفرقة والتجزئ، إلى جانب سياسة التفتيت والتقييم الممنهج للأراضي المحتلة، كل المعطيات تشير الى أن السلطة الاسرائيلية تغذي حلم طرد السكان غير اليهود من إسرائيل، والدعوة الى الفصل في كل شيء وتمزيق المنطقة الى أجزاء وغزة هي جزء من الجزء المجزأ. وبالموافقة على سياسة التمزيق هذه، بنبرتها الدينية مع ما تحمله من مخاطر تطهير عرقي. تعرض الولاياتالمتحدة نفسها وتعارض العالم لأسوأ السيناريوهات، الذي يريد أن يجد المواطنون عبر العالم أنفسهم مجبرين على التقوقع، كل مجموعة في مدينتها في حيها، في غيتو خاص لها، وهل هناك حاجة لتقديم أمثلة لتأكيد أن نهاية هذا الاختلاف وهذا الاختلاط يعني تنظيم الموت؟ 3- وضع كل أشكال التلاعبات والخطط محل القانون الدولي. وهكذا نسفت اتفاقيات أوسلو السلام، الذي كان من المفروض أن تقره. كيف ذلك؟ بالابقاء على كل المستوطنات في الأراضي المحتلة. ومع استمرار معاملة الفلسطينيين (والعرب عموما) باحتقار، ومع استمرار التعامل فقط مع من هم رهن الاشارة - وانتزاع التنازل تلو التنازل، وتفضيل قضم المزيد من الأراضي - جزء من القدس هنا، ومستوطنة هناك - ماذا يجني الأقوياء؟ غضب الضعفاء؟ الهزيمة؟ ليس ذلك فقط، وما نشاهده بتزامن مرعب، هو التحول التدريجي من وضعية تفاوض إلى وضعية متفجرة غير قابلة للتدبير. وإذا ما استمرت اسرائيل والولاياتالمتحدة في الإصرار على سياستها التي تؤكد الإهانة التي لا توصف، واليأس الأحمق الذي يشكل خطرا على الجميع، فإن هذا اليأس سيواصل الاتساع من بلد إلى بلد، وفي هذا التصعيد، سيكون كل يوم اضافي يوما زائدا إذا ما أصروا على عدم طرح الأسئلة حول الأسباب التي حولت طفلا يرمي الحجارة سنة 1987 الى قنبلة بشرية بعد سبع سنوات، وهكذا سيكون الشبان المنسيون من الحياة أكثر فأكثر ليتحولوا إلى متطوعين للموت. لماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها البسيطة؟ إذا كانت الولاياتالمتحدة واسرائيل قد فشلتا حتى الآن في حماية مستقبل اسرائيل، فلأن طريقتهم ليست هي الطريقة الجيدة، واذا لم تغيرا هذا الأسلوب، فإن غزة، السجن الرهيب ستكون المؤشر على ما سيكون عليه مستقبلنا ومستقبلهم.