اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المغربي مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو والمباحثات التي شهدها هذا اللقاء، أسفرت عن صدور بيان أعادت فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية توضيح موقفها من ملف الصحراء « الغربية» باعتبار المنطقة عبارة عن «إقليم» مغربي خاضع للسيادة الكاملة للمغرب، والحكم الذاتي هو الحل الوحيد لطي الملف بتجديد اعترافها بمغربية الصحراء «الغربية»، وبعث روح الإعلان الرئاسي الذي وقعه الرئيس ترامب عند ولاية نهايته الأولى سنة 2020، باستعماله عبارات واضحة لا تأويل فيها للموقف الأمريكي الاستراتيجي، الذي يعبر عن رؤية وعمق الدولة الأمريكية في ظل التحولات التي تشهدها منطقة الجنوب من تحولات ونزاعات إقليمية وحروب وتهديدات أمنية، لذلك جاءت العبارات الواردة في البيان/ التصريح الأمريكي واضحة من خلال، ليس فقط تجديد موقفها، بل إعادة إسناده وتقعيده سياسياً كرؤية واضحة للإدارة الأمريكية الجمهورية بقيادة ترامب، بتشديدها على دعمها لمبادرة مقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والموثوق والواقعي، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع». هذا الموقف الذي تم إبلاغه لستافان ديميستورا زادت الولاياتالمتحدةالأمريكية من إعادة تدقيقه من خلال الإشارة إلى أن «الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتقد أن الحكم الذاتي الحقيقي في ظل السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن» القابل للتطبيق «وإطار وحيد للتفاوض». البلاغ/التصريح الأمريكي جاء بمستجد في ما يتعلق برؤية ترامب وإدارته لطي الملف، كما عبَّر عن عزمه إنهاء الملف من خلال إشارة ذات البيان إلى أن « الولاياتالمتحدةالأمريكية ستسهل التقدم نحو الهدف» والهدف الذي حددته هو طي النزاع وإنهائه على أرضية مبادرة الحكم الذاتي، لكن الجديد هذه السنة هو إضافة عبارة «-الحقيقي» في توصيف المقترح المغربي، وهي إضافة جد مهمة تحتاج إلى الوقوف عليها وتدقيقها، وتجعلنا نطرح السؤال: هل كانت الإدارة الأمريكية تقصد أن المقترح المغربي في صيغته الحالية «غير حقيقي» أم أنها مطالب أمريكية واضحة بضرورة أن يهيئ المغرب نفسه لمفاوضات يكون فيها الحكم الذاتي أرضيتها وسيكون على المغرب باعتباره صاحبها أن يحوِّل هذه المبادرة من مقترح يتضمن خطوطا عريضة وعامة إلى وثيقة توضح الكيفية التي يقترح فيها المغرب تطبيق الحكم الذاتي بإقليم الصحراء الغربية-المغربي. وثيقة ليست فقط سياسية بل وثيقة تحمل أفكاراً متقدمة على طبيعة البنيات المؤسساتية التي ستتواجد في هذا «الإقليم» والكيفية التي سيتم بها انتخابها وحجم اختصاصاتها، وتدبير هذه الاختصاصات مع المركز، حجم حضور المركز/الدولة بمنطقة الصحراء ذات الحكم الذاتي...أي على «العقل» السياسي والمؤسساتي المغربي أن يتقدم من الآن في إعداد تصور جديد تكون قاعدته هي المبادرة التي تقدم بها سنة 2006-2007، وتتوجه بها إلى المستقبل وإلى الأممالمتحدة خاصة مع تأكيد أمريكا عزمها العمل بشكل «سريع وفوري» لطرح المقترح المغربي ودفع الأطراف إلى قبوله، لكن هذا التحول مرهون اليوم بالمغرب لكي يستجيب لهذا المطلب الأمريكي بجعل مبادرة الحكم الذاتي مبادرة «حقيقية»، والمقصود هنا بتحويلها من رؤية سياسية، مقترح نظري، إلى رؤية واضحة مؤسساتية يكون المغرب مستعداً لتنزيلها وتطبيقها، ويمكن القول إن المغرب كان استباقياً في هذا الملف وسيكون كذلك انطلاقاً من هذا المستجد. المغرب مطالب بتسريع اشتغاله في هذا الموضوع، بتهييء المنطقة نحو استقبال هذا الحل المغربي الذي يحظى بدعم واسع من طرف المنتظم الدولي والفاعلين الكبار فيه، بل حتى الجزائر التي عادةً ما تصدر بيانات نارية في مواجهة الدول التي تصدر مثل هذه المواقف، أصدرت هذه المرة بياناً قد نصفه «بالناعم» تخلت فيه عن قاموسها الذي تستعمله خاصة من حيث انتقالها من وصف الأقاليم الجنوبية الصحراوية ب» الإقليم المحتل» مشيرة إليه كإقليم «غير متمتع بالحكم الذاتي» مستعملة لغة الأممالمتحدة، مما يشير لوجود استعداد جزائري للانخراط السياسي في التصور الذي تحدثت عنه الولاياتالمتحدةالأمريكية في تصريحها هذا، بل ولأول مرة تتخلى الجزائر عن توصيف المغرب « بالقوة المحتلةللإقليم»، كما أنها أكدت أن « الإقليم مؤهل لتقرير المصير» وأسقطت عبارة «الاستفتاء» من بيانها. نحن أمام تحول كبير سيشهده ملف الصحراء بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية صاحبة القلم في إعداد مسودة القرار، والذي يُشير بوضوح إلى أن القرار المقبل الذي سيصدر في أكتوبر 2025، سيحدث ثورة كبيرة في الملف قد ينتهي إلى تبني كلي لمقترح «الحكم الذاتي الحقيقي»، وهو الحكم الذاتي الذي يُلقي مسؤولية كبيرة على المغرب في الإسراع من خطوته بالتفكير في هذا المشروع «الحقيقي»، الذي سيكون هو الأرضية والأساس للتفاوض، والقابل للتطبيق، والواقعي... الرهان اليوم هو رهان على المغرب خارجياً لكي يُطور مقترحه ويعيد تدقيقه وتوضيح الكيفية التي يُفكر بها في تنزيله على الواقع، ورهان خارجي لكي يظل ماسكاً بزمام الأمور ومتحكماً في المسار السياسي الجديد الذي يُنتظر إطلاقه ما بعد أبريل الجاري وإحاطة ديميستورا. لذلك فالمسار المغربي هذا على الصعيد الداخلي سيكون عليه أن يسلك عدة أبعاد: بُعد مرتبط بالاستحقاقات التشريعية والمحلية التي ستجري بعد سنة ونصف، وهو استحقاق لا يمكن التحضير له دون الأخذ بعين الاعتبار هذا التحول اعتباراً لكون المنطقة مقبلة على استقبال مبادرة الحكم الذاتي، وقد كنا نؤكد، ولا نزال، على ضرورة الدفع بوجود بنيات مؤسساتية لاستقبال المبادرة المغربية، هذه البنيات التي ستحدد ملامحها الانتخابات المقبلة، لذلك فالتشريعات التي ستنظم الاستحقاقات المقبلة والتقطيع الانتخابي الجديد يجب عليها مراعاة هذا المستجد السياسي الجديد. بُعد مرتبط ببنيات الأحزاب السياسية التي يجب أن تلتقط الإشارة وتفكر في أن تتحول إلى أحزاب جهوية حقيقية خاصة منها داخل الأقاليم الصحراوية الجنوبية، وقد يتم التفكير في المضي بعيداً في العلاقة مع المنطقة للتفكير في بنيات حزبية تستجيب للمقترح المغربي لقيادة النخب المحلية للمرور نحو قيادة المؤسسات الجديدة وفقاً لهذا التصور الجديد، مع ما يعنيه ذلك من وجود أحزاب سياسية على شاكلة تلك الموجودة في إسبانيا مثلا « الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني/ الحزب الاشتراكي الكطلاني»، أو في العديد من الدول التي عانت من الانفصال وانتقلت إلى نظام فيدرالي أو إلى تطبيق مبادرات للحكم الذاتي. بُعد قبلي مرتبط بالبنيات القبلية الموجودة في الصحراء، والتي تشكل عمق المجتمع الصحراوي، مبادرة الحكم الذاتي لا يمكن أن تنجح وتتحول لمبادرة «حقيقية» دون التفكير في الكيفية التي سيتم العمل فيها على أن تكون البنية القبلية الصحراوية عامل إنجاح للمبادرة المغربية، وعلى تحولها لعنصر مساعد لنجاح مسار التسوية السياسي الجديد وفقاً للإطار الذي حددته الولاياتالمتحدةالأمريكية، والذي يستجيب للمقترح المغربي، وإذا كنا نتحدث عن وجود بنيات سياسية مؤسساتية، فإن التفكير في خلق بنيات أخرى تستحضر البعد القبلي مهم لتسهيل تنزيل المقترح، ولضمان انخراط جل القبائل الصحراوية خاصة وأن امتداداتها الاجتماعية تمتد لداخل مخيمات تندوف، وقد تكون إعادة إصلاح وهيكلة «الكوركاس» هو واجهته المؤسساتية. بُعد مرتبط بالتفكير في الكيفية التي سيستقبل بها الوافدون الجدد إلى المغرب وإلى أقاليمه الصحراوية من مخيمات تندوف ليس فقط عناصر « البوليساريو» الذي يطرح العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي تصنيفه ضمن لوائح التنظيمات الإرهابية، بل أيضا الكيفية التي سيتم التعامل فيها مع مجموعات سياسية أخرى، نخص بالذكر « صحراويون من أجل السلام»، الذي تحول إلى تيار سياسي قوي داخل الأقاليم الصحراوية الجنوبية والمخيمات كذلك، لذلك هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الصحراوية الجادة يجب الدفع بها ليكون لها دور سياسي في المرحلة المقبلة التي ستؤدي إلى تطبيق مبادرة الحكم الذاتي، فإذا كانت « مليشيات البوليساريو» بحكم التاريخ جزءاً من مسار سياسي انطلق مع اتفاق وقف إطلاق النار فإنه مع تحولها لتنظيم مليشياتي، وذرع من أذرع العسكر الجزائري، ومع التحولات التي شهدتها المخيمات وعودة جل الأطر المؤسسة لهذا التنظيم وميلاد أصوات جديدة داخل المخيمات وخارجها التي اضطرت للهروب منها بسبب الانتهاكات الخطيرة، التي تُمارس بالمخيمات ضدها وضد كل الأصوات المعارضة، خاصة الشابة منها، التي تبحث عن العيش الكريم وعن كرامتها التي افتقدتها داخل تندوف، فإن ذلك يفرض دفع الأممالمتحدة لكي تتعاطى تعاطياً جديداً مع من يمثل الساكنة الصحراوية الموجودة والمحتجزة بالمخيمات، التي طالب بعضها، خلال الأحداث التي شهدتها مؤخرا، بالعودة إلى المغرب!! مادام أن من يمثل الساكنة الصحراوية المحلية المتواجدة داخل إقليم الصحراء الغربية المغربي هم المنتخبون. بُعد مرتبط بعلاقة المغرب بالجزائر، الإدارة الأمريكية تعلم ألا وجود لحل قابل للتطبيق دون الجزائر ودون انخراطها بشكل جدي في المفاوضات المحتملة التي يمكن إطلاقها، وحسنا فعل المغرب الرسمي عندما لم ينجر نحو «الحرب» الإعلامية والسياسية والدبلوماسية التي قادتها الجزائر ضده، وظل الموقف الذي عبَّر عنه الملك « اليد الممدودة» هو الموقف الرسمي الذي ينظر المغرب من زاويته إلى هذا « العالم الآخر»، والذي يلاحظ الكيفية التي تشتغل بها الإدارة الأمريكية، يعلم أن هذه الأخيرة قادرة على أن تفرض على الجزائر الانخراط بجدية في المفاوضات بالشكل الذي تم الحديث عنه في البلاغ/البيان. نحن أمام تحول في مسار التسوية السياسية الأممي، مسار سيفضي إلى طي النزاع وإنهائه، والمغرب الذي بادر إلى تقديم مقترح الحكم الذاتي الذي كان عاملاً أساسياً في إحياء مسلسل التسوية السياسي، عليه، اليوم، رهان تحويل هذه المبادرة من رؤية إلى أرضية ليست فقط للتفاوض بل للتنزيل والتطبيق في مختلف أبعادها السياسية، الاقتصادية، الإدارية والحقوقية.