الربط الممكن بين بيان صندوق الضمان الاجتماعي وتصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة هو أن الجدار الأمني للصحراء والجدار الرقمي ل"سينيسيس" قضية واحدة! ننطلق من بدهية دولية اليوم، مفادها أن الحروب السبرنيتقية صارت من الحروب التقليدية في العالم، وأن تقوية الحدود الرقمية للدولة لا تختلف عن تقوية الحدود الترابية أو البحرية. ننطلق من كون الاختراق السبيراني، صار من الاختراقات التي تحدث، بمعدلات متفاوتة الطبيعة والدرجة: من "سنودن" إلى "ويكيليكس"، وصولا إلى الشاب المغربي الذي سبق له أن اخترق حساب منظمات وهيئات ذات صيت عالمي كبير من قبيل الشرطة الفيدرالية ووزارة الدفاع، وتم اعتقاله وقتها وتم توظيف ذكائه الرقمي من بعد حسب علمي… فهل هذا يبرر الاختراق الذي حدث في ما يتعلق بوثائق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟ أبدا، بل يضعه في سياق ممارسة موجودة، ولكن تعمل كل الدول حسابا لها وتقدم عنها الحساب! ومن هنا، فإن اختراق "الجدار الرقمي" للمغرب، وإن كان واردا، فإن ما لا يمكن أن نحسبه على سياق دولي طبيعي هو التعامل الحكومي والإداري مع الحدث… ومن هنا، مرة أخرى، نقول: لم ينف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الهجوم السيبراني( أو السيبرنتيقي). لم ينف وجود تسريب بيانات شخصية لموظفين على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي… لم ينف أنه ما زال «حاليا في طور تقييم مصادره وتفاصيله». لم ينف الصندوق أن التحقيقات الأولية التي أجراها "بشأن بعض الوثائق المسربة(…) مكنت من الوقوف على طابعها المضلل في كثير من الأحيان، وغير الدقيق أو المبتور". لم ينف جملة وتفصيلا وجود تسريبات أو صحتها بل استعان بالمنطق المعكوس: أي أن نشرها "في غالب الأحيان مضلل " وغير دقيق أو مبتور: فعلى من نحسب غير الدقيق؟على النفي أم الإثبات؟ وإلى مَنْ ننسب المبتور، إلى النفي أم الإثبات؟ وإذا سلمنا جدلا بأن المعطيات في "غالب الأحيان" لها طابع مضلل، كم هو نصيب "القليل من الأحيان"، وما حجمها من بين معطيات شخصية تتعلق بأجور نحو مليوني موظف في حوالي 500 ألف شركة؟ في انتظار أجوبة من أولئك المسؤولين نضيف: لم ينف الصندوق أنه يجري تحقيقا إداريا داخليا،مما يعني وجود احتمال من كون التسريبات جاءت من الداخل..أو وجود تهاون أو تبخيس أو لا مسؤولية أو نكوص أو كل ما يساعد على الاختراق إن لم يكن سببا فيه! لم ينف أنه عمل على «إشعار السلطات القضائية المختصة».. كل ما سبق لم ينفه الصندوق، وعوض أن يبني عليه مسؤوليات محددة في هذا الطور من التحقيق، الذي يبدو أنه داخلي وخارجي .. فإنه اختار أن يضع خاتم الطابع و"القُفْلة ديال لَمعلمين" كما يقال …..بالتهديد! وظهر لذكائه الطبيعي الورقي أن يرفع سبابة الاتهام وعصا الترويع في وجه المواطنين والإعلام والسياسيين والبرلمانيين والأمة جمعاء! وأن يدعو إلى " تفادي أي عمل من أعمال نشر أو مشاركة البيانات المسربة أو المزورة تحت طائلة المساءلة القانونية"، وهو موقف، يا للغرابة، جاء بعد أن أقر الصندوق وإدارته بما حدث، وبدرجات متفاوتة، والتسليم بأن عملية الاختراق قد حدثت بالفعل! هذا التهديد، أصبح .. قضية رد فعل «قومي» صارم، لما تحدث السيد الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس. فقد تناقلت وسائل الإعلام تصريحه بأن" الاختراق والهجوم السبراني تزامن مع إعلان الولاياتالمتحدة تجديد اعترافها بالسيادة المغربية..على الصحراء.! بلغة أوضح: إذا كان الاختراق قد تم، فإن العملية لا يمكن فصلها عن الموقف الأمريكي المتجدد. بالتالي البحث عن أعداء من درجة عالية الخطورة! ولنا أن نتصور العقل الحكومي الذي يرفع واجب السكوت عن خطأ في تدبير موقع رقمي إلى … درجة الموقف الوطني الذي لا يجب التدقيق فيه، ومرتبة القداسة، حتى لا يتحدث أي منا بخصوصها: ويبدو أن هناك منطقا متكاملا: إدارة الصندوق تنبه إلى أنَّ من نشر أو عمم المعطيات تلك، سيتعرض للمتابعة القضائية، والحكومة تعطي الإطار الذي تتم فيه العملية في ربطها بقضية الوحدة الترابية ! وعليه فالربط الممكن بين بيان صندوق الضمان الاجتماعي وتصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة هو أن الجدار الأمني للصحراء والجدار الرقمي ل"سينيسيس" قضية واحدة! الخطورة هي هنا في استعمال القضية المقدسة مطية لتبرير السكوت وعدم تحمل المسؤولية، بل إن ما تصرح به الحكومة سيعتبر تسويغا سياسيا لمتابعة من سيستعمل المعطيات، لا سيما منها الصحيحة في "التخابر مع جهات معادية"!!! ايييه نعام السي! والتهديدات المرفوعة في وجه المغاربة ( لأننا لا نعتقد بأنها تهدد بمقاضاة المواطنين في الهونولولو مثلا ) يبدو أنها الحل الذي وجدته الإدارة، وهو أمر لا يستقيم بتاتا إذا استحضرنا ما قالته وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، في توضيح رسمي، بأن "الموقع المستهدف ذو طابع إخباري، ويقتصر على نشر معلومات عمومية متاحة للجميع، دون أن يتضمن أي قاعدة بيانات ذات طابع مهني."! أولا: من نصدق، الوزير السكوري أم الوزير بايتاس أم مدير الصندوق؟ إذا كان ما تم نشره هو في حكم المعلومات العامة المتداولة والموجودة رهن إشارة كل فضولي، سواء كان يهم شخصا معنويا أو شخصا طبيعيا: لماذا التهديد بمعاقبة من يعيد نشرها؟ ثانيا: هل ستعاقبون غدا كل من يعيد نشر الجريدة الرسمية مثلا مثلا؟ !!! ثالثا: قيل لنا إن هذه المعطيات فيها الغث والسمين .. والنطيحة والمتردية وغير الدقيقة وما عاف السبع : ألم يكن من الأولى ألا تعاقبونا عليها بقدر ما كان من الأجدر أن تعملوا على تجويد تربيتنا الرقمية وتوضيح ما يجب توضيحه وتوفير المعلومة الصحيحة ولمَ لا اقتراح التربية على الذكاء الاصطناعي ضمن مواد المدارس الابتدائية مع دروس العبادات والتربية الوطنية؟ رابعا: إذا كنتم فزعين من نشر بعض المعلومات عن شخصيات لها صيتها ومكانتها الموقرة في بلادنا، أليس الأفيد هو أن تعملوا على ضمان سلامة معطياتها الشخصية عوض أن تهددونا إن نشرناها؟ الم يكن الأليق أن تفزعوا من التقصير في ضمان الحماية عوض فزعكم من تعميم معطيات لن يتبادلها الناس إلا "معاطف النار " الرقمية؟.. خامسا : إذا سلمنا أن المتهمين بالتسريب هم من الأعداء .. لماذا تريدون أن يكون المعاقبون من الأبناء.. أليس هذا منطق العدالة العصبية المنرفزة والسريعة الطلقات! «واللانْكُول لكم» صراحة: يجب أن نعاقب فعلا.. لأننا أظهرنا خوفا غير معقول على سرية معطيات رقمية في إدارة مغربية. ونحن نستحق العقاب: ويجب أن نعاقب لأننا ذهبنا أبعد من الفضيحة! رأينا الفارق المذهل بين الحظوظ في العمل، وهو اطلاع غير مباح لنا لأنه يغذي الشعبويات ويزيد من شعور الفقراء بالرهبة وعدم الجدوى وقد يشُطُّ بالعقل الجماعي إلى إعادة تعريف السياسة والمؤسسات على ضوء هذا الاستصغار الرهيب للمسؤولية في البلاد، وشعور العديد من المسؤولين منذ 2021 بأنهم غير مطالبين بأي حساب ولا بأي نزوع أخلاقي في المسؤولية ولا بأي جواب على قلق الناس..